IMLebanon

تقريب الانتخابات مناورة أم حقيقة؟

كتب شارل جبور في “الجمهورية”:

دخلت البلاد في زمن الانتخابات النيابية، خصوصاً في حال صحّت المعلومات عن توجّه لإتمامها في 27 آذار. ولكن، أكثر ما أثار الاستغراب يكمن في خلفية تقريب السلطة لموعد الانتخابات الذي سيطيح بها او ينزع منها الأكثرية بالحدّ الأدنى.

تقريب موعد الانتخابات النيابية مبدئياً من آخر المهلة الدستورية في أيار إلى أول هذه المهلة في آذار، خطوة جيدة، باعتبار انّ الأزمات التي تعيشها البلاد كانت تستدعي أساساً لا الاكتفاء بالتقريب، إنما تقصير ولاية مجلس النواب، لأنّ إعادة إنتاج السلطة هو المدخل الوحيد لوضع لبنان على سكة الخروج من أزماته. ولكن المستغرب، انّ الاتجاه الطبيعي للقوى الممسكة بالسلطة أن تلغي الانتخابات وتمدِّد ولاية المجلس. فما الأسباب والدوافع الكامنة خلف قرارها إجراء الانتخابات في مطلع المهلة الدستورية بدلاً من آخرها؟

قد يقول قائل، من الخطأ إعطاء هذه المسألة تفسيرات وشروحات وخلفيات، كونها تنحصر في شهرين لا أكثر ولا أقل. فما المخطط الذي يُراد تنفيذه في شهرين «بالنازل او بالطالع»؟ وبالتالي التضخيم في غير محله، ولكن على رغم ذلك، هناك من يرفض تبسيط هذا التوجّه التقريبي لموعد الانتخابات لثلاثة أسباب أساسية:

السبب الأول، كون الانتخابات لا تخدم مصلحة الفريق الممسك بمفاصل السلطة، ومن مصلحته إبقاء موعد إتمامها في نهاية المهلة الدستورية، حيث يكون بإمكانه إفتعال أحداث معينة سعياً الى التمديد، فيما أي أحداث مفتعلة يمكن السيطرة عليها وتجاوزها إذا حصلت في آذار، كون ولاية المجلس لم تنتهِ بعد.

السبب الثاني، يرتكز إلى السؤال التالي: لماذا استعجال إجراء انتخابات نتائجها معروفة، وتتراوح بين خسارة معقولة للفريق الحاكم، وبين خسارة مدوية، وبالتالي بإمكانه تأخير هذا الاستحقاق علّ وعسى؟

السبب الثالث، كون تأخير هذا الاستحقاق ولو لشهرين، قد يخدم الفريق الحاكم من زاوية إفساح المجال أمام الحكومة لفرملة الانهيار ومعالجة أسباب التردّي، فيدخل إلى الانتخابات بوضع أفضل، ويتحضّر لهذه الانتخابات بشكل أنسب، او الرهان على استحقاقات غير متوقعة.

وانطلاقاً مما تقدّم، لا يوجد ما يبرِّر أو يفسِّر حرص الفريق الحاكم على الموعد الأقرب للانتخابات، سوى في حال كانت له غرضية معينة. فالتقريب غير بريء من فريق يقوم بالمستحيل من أجل التمديد وتجنُّب استفتاء الناس. وبانتظار ان تتكشّف خلفيات هذا التقريب والتي ستظهر عاجلاً أم آجلاً، فيمكن إدراج هذه الخطوة في سياق الاحتمالات الآتية:

الإحتمال الأول، هناك من يريد تحويل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إلى حكومة انتخابات حصراً، لأنّ تحديد موعد الانتخابات في آذار يعني انّ المعركة الانتخابية بدأت الآن، وانّ العدّ العكسي قد انطلق، وبالتالي يريد تصويرها بحكومة انتقالية بوظيفة انتخابية محدّدة، من اجل ان تنتهي مهمة ميقاتي مع انتهاء الانتخابات. وبدلاً من ان تبدأ مثلاً الحملات الانتخابية مطلع السنة مع استحقاق موعده في أيار، فتُمنح الحكومة فرصة ثلاثة أشهر بغية التفرُّغ للإصلاحات، ستعمل وسط تسخين سياسي وحملات وانقسامات.

الإحتمال الثاني، هناك من يريد في السلطة ان يستفيد من إنهاء الفراغ والتعامل معه كإنجاز يضعه في جيبه عشية الانتخابات، وبما انّه ليس في وارد تحقيق الإصلاحات المطلوبة منه، يريد إلهاء الناس بالانتخابات التي تُدخلهم في وضع مختلف تماماً.

الإحتمال الثالث، هناك من يريد ضمن فريق الأكثرية، ان يوجِّه رسالة للمجتمع الدولي بحرصه ليس فقط على إجراء الانتخابات، إنما على تقريب موعدها، ولكنه في الوقت المناسب يعمد إلى تطييرها بحجج، كي لا يتمّ اتهامه بعرقلة إتمامها.

الإحتمال الرابع، أن لا يفسح الفريق الحاكم بالوقت المناسب للقوى والشخصيات التي برزت مع الثورة، من أجل ان تخوض حملاتها في طقس مساعد بين نيسان وأيار، خصوصاً انّ هذه المجموعات لم تؤيّد الانتخابات المبكرة بسبب عدم جهوزيتها، وإجراء الانتخابات في آذار بدلاً من نيسان لا يناسبها.

الإحتمال الخامس، إنّ الفريق الممسك بالسلطة يعتبر انّ نتيجة الانتخابات لن تختلف كثيراً بين آذار وأيار، وبالتالي يفضِّل الاستعداد للاستحقاق الرئاسي بشكل مبكر، وهضم النتيجة في حال لم تكن لمصلحته.

وقد تكون هناك احتمالات أخرى، ولكن الأساس في كل ذلك، انّ الفريق القابض على السلطة لا مصلحة له في الانتخابات، وبالتالي لماذا يريد تقريب موعدها من أيار إلى آذار؟ وقد يكون الكلام عن تقريب موعد الانتخابات مجرّد مناورة سياسية لا أكثر ولا أقل. وفي مطلق الأحوال ما هي سوى أيام قليلة حتى تظهر خلفية هذا التوجّه.

وهناك من يقول انّ الهدف من تسريب الجو التفاؤلي بتقريب موعد الانتخابات وإتمامها وفق القانون الحالي وإفساح المجال أمام المغتربين للتصويت، الهدف منه ترييح بعض المطالبين بهذا التوجّه من أجل ان «يناموا على حرير»، قبل ان تتمّ مواجهتهم بالإصرار على تغيير القانون. وما يصبّ في هذا التوجّه الموقف الذي أطلقه النائب أنور الخليل، المعروف عنه بأنّه يوجِّه الرسائل التي يريدها الرئيس نبيه بري، وقد جاء توقيت كلامه ومضمونه مستغرباً، حيث أكّد انّ «الرئيس بري مصرّ على اعتماد قانون لبنان دائرة انتخابية واحدة على قاعدة النسبية، وفي حال عدم إقراره سيسعى لإدخال تعديلات أساسية على القانون الحالي».

ماذا يعني كلام النائب خليل؟ يعني أن لا اتفاق بعد على قانون الانتخاب، وأن لا موعد بعد للانتخابات، وانّ اقتراع المغتربين غير محسوم، وانّ ما سُرِّب لا يتجاوز جسّ النبض، وانّ هناك مواجهة ما زالت مفتوحة حول قانون الانتخاب، ما يعني انّه لا يمكن الجزم بعد بموعد الانتخابات. فهل يكون فتح النقاش في قانون الانتخاب مدخلاً لتطييرها؟

وفي المعلومات، انّ الفريق الأكثري غير مطمئن لنتيجة الانتخابات، خصوصاً في حال مشاركة المغتربين في الاقتراع، ولن يتنازل بسهولة عن أكثريته النيابية والمسيحية، لأنّ اي أكثرية جديدة تشكّل خطراً عليه من ثلاث زوايا أساسية: خطر على دوره داخل الحكومة، خطر على انتخاب رئيس للجمهورية لا يمتّ الى فريقه بصلة، وخطر على استمرار دوره «المقاوم» من دون رادع وضوابط. وانطلاقاً من كل ذلك، سيكون على استعداد لتطيير الانتخابات من اي باب، بدءاً من قانون الانتخاب.