IMLebanon

لبنان يداوي العتمة بخطوات… خبط عشواء

 

«حكومةٌ أقلّ من عادية لمرحلة أكثر من استثنائية»! هكذا خلصت أوساط واسعة الاطلاع إلى وصْف الحكومة اللبنانية التي دخلتْ، أمس، شهرها الثاني من دون أن تَظهر أي مؤشرات إلى تَلَمُّسها طريق وقف الارتطام المميت الذي وُلدت بـ«مَهمة محددة» هي فرْملته وإيصال البلاد إلى الانتخابات النيابية بعد وضْعها على سكة التفاوض مع صندوق النقد الدولي ارتكازاً على خطة مالية – إصلاحية «لا غبار عليها».

ورغم أن الحكومة تتصدّى لـ«عاصفة شاملة» تُعتبر من بين أسوأ 3 أزمات عرفها العالم منذ العام 1850 ما يعكس ثِقل المهمة الملقاة على عاتقها، إلا أن «خطواتها الأولى» منذ ولادتها تشي بـ«نَمَط سلْحفاتي» في التعاطي مع انهيارٍ استعاد وتيرتَه المتسارعة بعد ما بدا أنه استراحة «بين عاصفتيْن» أخذها لنحو أسبوعين عقب صدور مراسيم التأليف وعبّر عنها خصوصاً تراجُع سعر صرف الدولار بنحو 5 آلاف ليرة، وهو ما اعتُبر مؤشراً مزودجاً: أولاً لارتياح شعبي تحت شعار «حكومة أفضل من لا حكومة» بمواجهة الأزمة العاتية.

وثانياً لرغبة «عرّابي» التشكيلة الوليدة، في الداخل والإقليم، في إعطائها «أفضلية» في السباق لردْع السقوط المريع، بحيث لا ينفجر فيها مبكراً ملف رفع الدعم عن المحروقات فيستقبلها الدولار بقفزةٍ تجعل الحكومة من أول دخولها «ورقة محروقة» سياسياً وفي الشارع.

وإذ تشير الأوساط المطلعة في هذا السياق إلى أنه منذ نيْلها ثقة البرلمان في 20 سبتمبر الماضي لم تتخذ الحكومة أي قرارات تتصل بصلب الأزمات المتشابكة ولا أعطتْ ولو إشارةً إلى «نَفَس إصلاحي» تعمل عليه، لاحظتْ أنها على العكس انطلقت بسياسة «النعامة» واضعة «على الرف» ملف تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء الذي يُعتبر «القفل والمفتاح» في دفتر الشروط الإصلاحي الذي يراقبه الخارج عن كثب، من دون أن تبرز ملامح قدرة على تبديد الخلافات «المزمنة» بين مكوناتها حول الحلول النهائية والمستدامة للكهرباء المرتبطة بالمعامل وعددها والشركات التي يمكن أن تنفذها.

ولا تقلّ دلالة في رأي الأوساط نفسها محاولة الحكومة مع «رعاتها» من الأطراف الوازنة تحويل مسألة تقريب موعد الانتخابات النيابية من مايو 2022 إلى 27 مارس (الموعدان هما ضمن المهلة الدستورية) بمثابة «دفرسوار» للهروب من إصلاحات مؤلمة غير شعبية لا تتحمّل القوى السياسية، الممثّلة في الحكومة والبرلمان، أكلاف إقرارها في الطريق إلى صناديق الاقتراع، بما يجعل الفترة الفاصلة عن انتهاء ولاية برلمان 2018 (أواخر مايو) مساحةً لقراراتٍ «جِراحية»، هذا إذا كان توافر لها أصلاً «جواز المرور» السياسي مثل إصلاح الإدارة وحجم القطاع العام وضبط المعابر و وقف التهريب على أنواعه والتهرب الجمركي.

وفي الإطار عيْنه اعتبرت هذه الأوساط أن تعاطي الحكومة مع «العتمة الشاملة» التي قبضت على لبنان مع الانهيار الكامل للشبكة وانفصالها في عموم البلاد يوم السبت، لم يكن على قدر «الحَدَث الأسود»، الذي عَكَس بالحد الأدنى قصوراً عن استشراف الظلام التام الذي سبق أن حذّرت منه بمكبّر الصوت مؤسسة كهرباء لبنان ويرتبط بنقص المحروقات على أنواعها وتدني القدرة الإنتاجية وانطفاء المعامل الواحد تلو الآخر وسيطرة قوى أمر واقع على محطات تحويل رئيسية، وعدم النجاح في تأمين آلية مستدامة لإيصال الفيول العراقي المستبدَل.

وفي حين جاء تصريح وزير الطاقة وليد فياض بعد انفصال شبكة الكهرباء الأكثر تعبيراً عن «انفصالٍ نافر» عن أبعاد ودلالات ما جرى هو الذي اعتبر أن التقارير في شأن ما حصل «مبالغ بها» وأن «الوضع اليوم ليس أسوأ من الوضع سابقاً»، فإن «نجاة» لبنان من استمرار العتمة الشاملة لأيام بعدما سلّمت قيادة الجيش 6 آلاف كيلوليتر من الغاز أويل من احتياطيه مناصفةً بين كل من معملي دير عمار والزهراني ما أدى لعودة الشبكة، أمس، إلى عملها الجزئي، لم يخْلُ من عنصر «ارتيابٍ مشروع».

وعبّرت مصادر سياسية عن هذا الارتياب مشيرة إلى أنه تحت ستار الظلام الشامل تم إمرار بندِ سبق أن شكّل قبل أشهر محور تجاذبات سياسية كبيرة ويتّصل باستقراض 100 مليون دولار من مصرف لبنان (بقرار من مجلس الوزراء) لزوم مؤسسة كهرباء لبنان لتأمين فيول يرفع ساعات التغذية بالتوازي مع ما يوفّره الفيول العراقي المستبدَل، وبانتظار انتهاء ترتيبات استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سورية في غضون نحو شهرين.

وقد حرص وزير الطاقة في معرض طمأنته إلى أنه«بعد انقضاء الثلاثة أيام (التي توفّرها الكمية التي أمّنها الجيش لمعملي دير عمار والزهراني) وتوقّف المعملين سيستعاض عن طاقتهما الإنتاجية بأخرى من معملي الذوق والجيه الحراريين بعد تغذيتهما من مادة الفيول أويل التي وصلت مساء السبت (المستبدلة من النفط العراقي الخام)»، على تأكيد أنه تم الجمعة «الحصول على موافقة المركزي للحصول على 100 مليون دولار وأرسلت إلى دائرة المناقصات لإجراء استدراج العروض لاستيراد الفيول، ويساعد هذا الأمر في رفع ساعات التغذية الكهربائية بحلول أواخر الشهر الجاري».

وفيما سيكون ملف الكهرباء غداً على طاولة مجلس الوزراء حيث سيُطْلِع فياض الحكومةَ على نتائج زيارتيه لكل من القاهرة وعمان حيث بحث ملف استجرار الغاز والكهرباء، وعلى وقع استقبال ملك الأردن عبدالله الثاني، أمس، الرئيس نجيب ميقاتي (كان في زيارة خاصة للأردن)، حيث جدد العاهل الأردني وقوف بلاده«المستمر إلى جانب لبنان وشعبه الشقيق وجرى بحث آليات توسيع التعاون في شتى المجالات»، تلقّى لبنان مفاجأة غير سارة عبر تَعَمُّد الإعلام الاسرائيلي رمي«قنبلة دخانية»من خلال القناة 12 بإعلانها أن«غاز توليد الطاقة الذي سينقل من مصر إلى لبنان بالأنابيب عبر الأردن وسورية هو غاز إسرائيلي».

وأشارت القناة إلى أن هناك خطة تشرف عليها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لـ«إنقاذ لبنان» من الظلام الناجم عن النقص الحاد في الكهرباء، من خلال إمداد البلاد بالغاز المصري الآتي من سيناء عبر الأردن وسورية.

وأضافت: «واشنطن ستعفي هذه الخطة من العقوبات التي كانت فرضتها على نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

والغاز المصري سيتدفق إلى لبنان في غضون عام أو أكثر إذا سارت الخطة على ما يرام وهي تعتمد على استخدام الغاز المتدفق من العقبة عبر خط أنابيب في قاع البحر الأحمر، ومن هناك عبر الأردن ومن ثم إلى سورية، والتي من خلالها سيتم نقله إلى لبنان».

ولفتت إلى أن «خط الأنابيب المصري شمال سيناء الذي من المفترض عبره أن يتم نقل الغاز يتم تزويده من إسرائيل»، مشيرة إلى أنه «لا توجد خيارات أخرى لإمكان نقله من دون الاعتماد على الغاز الإسرائيلي الذي يتم تزويد مصر وكذلك الأردن منه والتي يمكن أن تكون جزءاً من الحل لنقله إلى لبنان».

وتابعت أن «المحادثات التي تجري الآن على مستوى عالٍ لم تقدم أي بديل آخر، ويبدو أن (حزب الله) سيغض النظر عما يجري ما دام أن الكهرباء ستنير لبنان، في حين أن نظام الأسد سيستغل ذلك من أجل العودة إلى العلاقات مع الدول العربية».

وإذ طرح هذا التطور أسئلة حول كيف ستتعامل الحكومة مع «الإعلان الاسرائيلي» خصوصاً «حزب الله» الذي يطل أمينه العام السيد حسن نصر الله، مساء اليوم، حيث سيتناول ملفات عدة بينها التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وسط توقعات بأن يعطي دفعاً لعرض وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بإنشاء معملين للطاقة في لبنان، واصل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي التصويب ضمناً على دخول المحروقات الإيرانية إلى لبنان عبر سورية معلناً أنه «بقدر ما يحتاج لبنان، في أزمته الكبيرة، إلى مساعدة أصدقائه والمؤسسات النقدية الدولية، يجب أن تحافظ الدولة على استقلال البلاد وسيادتها وعلاقاتها الطبيعية، فلا يكون بعض المساعدات العينية غطاء للهيمنة على لبنان والنيل من هويته ودوره المسالم في هذا الشرق».
https://www.alraimedia.com/article/1557861/خارجيات/لبنان-يداوي-العتمة-بخطوات-خبط-عشواء