IMLebanon

اشتباك سياسي يحاصر قانون الانتخاب

كتب محمد شقير في “الشرق الاوسط”:

تتخوف مصادر سياسية بارزة من أن يتحول البرلمان إلى ساحة مفتوحة للاشتباك السياسي بدعوة رئيسه نبيه بري، اللجان النيابية المشتركة للاجتماع غداً (الثلثاء)، للنظر في رد رئيس الجمهورية ميشال عون، لقانون التعديلات على قانون الانتخاب الذي أقرّته هيئته العامة في جلستها التشريعية الأسبوع الماضي وتبنى فيه حرفياً مضامين الاعتراضات التي سجّلها وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، على التعديلات في مداخلته الاعتراضية في الجلسة من دون أن يحظى بتأييد الغالبية النيابية باستثناء حليفه «حزب الله»، وإن كان تمايز عنه بتأييده إجراء الانتخابات النيابية في 27 آذار 2022 في مقابل تناغمه معه بتخصيص دائرة انتخابية للمقيمين في بلاد الاغتراب لانتخاب 6 نواب، ما يرفع عدد أعضاء البرلمان إلى 134 نائباً.

وتلفت المصادر السياسية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الخلاف حول التعديلات التي أقرتها الهيئة العامة بغالبيتها النيابية أوجد مواد مشتعلة ستطغى على اجتماع اللجان المشتركة بعد أن مهّد لها «التيار الوطني» بهجوم سياسي صاعق استهدف حركة «أمل» برئاسة بري، ما اضطرها إلى الرد عليه بهجوم مماثل غير مسبوق لم يقتصر على باسيل وإنما انسحب مباشرةً على الرئيس عون وفريقه السياسي بتركيزه على «الغرفة السوداء» التي يديرها الوزير السابق سليم جريصاتي من خلال المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.

وتؤكد أن انعقاد اجتماع اللجان النيابية في ظل الأجواء المكهربة المسيطرة على الوضع السياسي العام والتي ستكون حاضرة بامتياز في مداخلات النواب حول التعديلات في ضوء امتناع عون عن التوقيع عليها، يتزامن هذه المرة مع استمرار تعطيل جلسات مجلس الوزراء على خلفية مطالبة «الثنائي الشيعي» بتنحية القاضي البيطار وكف يده عن مواصلة التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت، فيما لم يتوصل مجلس القضاء الأعلى إلى ابتداع تسوية لإعادة الروح إلى الحكومة المعطّلة في ضوء إصرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، على عدم التدخُّل تقيُّداً منه بمبدأ الفصل بين السلطات.

وتنقل المصادر عن مصدر نيابي بارز قوله إن الحكومة الميقاتية هي من أولى ضحايا «العاصفة الدموية» التي أصابت منطقة الطيونة في الضاحية الجنوبية لبيروت، وتقول إن المحاولات جارية لإخراجها من دوامة التعطيل بعد أن كادت تتحول قبل بلوغها الشهر الأول من ولادتها إلى حكومة تصريف أعمال، وهذا ما دعت إليه كتلة «الوفاء للمقاومة» – «حزب الله» في اجتماعها الأخير بدعوة الوزراء إلى تفعيل إنتاجيتهم، لكن كيف ومتى وهذا ما بقي عالقاً؟

وترى -حسب المصدر النيابي- أن قول وزير الثقافة القاضي محمد مرتضى باسم الثنائي إنه وزملاءه على استعداد لمعاودة حضور جلسات مجلس الوزراء في حال قرر ميقاتي توجيه الدعوة لاستئناف جلساته، لا يُصرف في مكان لأنه يدرك جيداً وسلفاً أنه لن يغامر بدعوته لئلا ينقل الاشتباك السياسي إلى داخل جلساته، وبالتالي لا يزال يلتزم بتدوير الزوايا لعله يدفع باتجاه إنقاذ حكومته من التعطيل، خصوصاً أنها تُعد من «أسرع» الحكومات في تاريخ لبنان التي تنصرف خلال مهلة زمنية قصيرة إلى تصريف الأعمال في الوقت الذي يأمل منها الجميع وبدعم دولي أن تعدّ ما التزمت به لجهة العمل على إنقاذ البلد وانتشاله من الانهيار بدلاً من أن يتدحرج نحو الانحدار.

وترى المصادر السياسية أن ارتفاع منسوب الاشتباكات السياسية والأمنية والقضائية في ظل الانكماش الاقتصادي والمعيشي الذي يحاصر اللبنانيين الذين لا يجدون من حلول لمشكلاتهم وأزماتهم المتراكمة، لم يكن قائماً لو أن الرئيس عون بادر منذ انتخابه رئيساً للجمهورية إلى التموضع في منتصف الطريق بين القوى السياسية بدلاً من أن يتصرف على أنه لا يزال في موقعه قبل انتخابه رئيساً لـ«التيار الوطني»، ما أفقده وبملء إرادته دوره التوفيقي الذي يتيح له الجمع بين اللبنانيين والتواصل معهم لئلا يبقى كما هو حاصل الآن بمنأى عن التواصل مع خصومه الذين هم في نفس الوقت على خلاف مع وريثه السياسي الذي نصّب نفسه رئيساً للظل بموافقة عمه والفريق السياسي المحيط به الذي لا يحرّك ساكناً ما لم يتلقّ الضوء الأخضر من باسيل.

وتؤكد أن عون هو من أوقع رئاسة الجمهورية في عزلة عن خصومه، وقرر أن يبتعد عنهم ولم يعد من همٍّ له سوى إعادة تعويم باسيل، وتسأل: لماذا لا يتدخل وأين تكمن مصلحته في ترك الأمور على غاربها؟ وتقول إن كل هذه الأزمات لا يمكن أن تتراكم لو أنه أخذ على عاتقه التصرف بحيادية بدلاً من أن يطلق يد صهره بعد أن منحه صلاحية مطلقة في تعطيل جلسات مجلس الوزراء سابقاً وأخيراً في تفويضه لتسمية وزرائه في الحكومة الميقاتية الذين أُخضعوا قبلها لامتحانات كشرط لدخولهم فيها.

وتلفت إلى أن عون يتحمل مسؤولية أولى في أخذ البلد إلى مزيد من التأزّم بعد أن هدم الجسور السياسية للتلاقي مع أبرز المكوّنات في البلد ما أدى إلى تحويل مبنى «التيار الوطني» في سنتر ميرنا شالوحي إلى غرفة عمليات تدير الشؤون السياسية والرئاسية في آن معاً.

لذلك فإن الاشتباك السياسي يحاصر اجتماع اللجان النيابية غداً في ظل غياب أي محاولة لتطويق جر البلد إلى أزمة مستعصية مع تنامي الشكوك بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها في ضوء إقحام البرلمان في انقسام أين منه الانقسامات السابقة وعدم الرهان على الضغط الدولي لإنجازها في موعدها بعد أن تبيّن للقاصي والداني أن إصرار الاتحاد الأوروبي على التلويح بفرض عقوبات على من اتهمه بعرقلة تشكيل الحكومة ولاحقاً بتعطيل الاستحقاق النيابي ما هو إلا قنبلة صوتية لا مفاعيل سياسية لها.

وفي هذا السياق، وفي غياب أي محاولة للوصول إلى تسوية لتفادي الاشتباك السياسي داخل اللجان النيابية، فإن عدم تشغيل المحركات حتى الساعة لإنقاذ الموقف يعني حكماً أن الاصطفاف السياسي داخل البرلمان الذي كان وراء إدخال التعديلات على قانون الانتخاب الذي لا يزال نافذاً، سيبقى على حاله ولن يبدّل في ميزان القوى للرهان على تفاهم يؤدي إلى تعديل في التعديلات المقترحة على القانون.

ويبقى السؤال بلسان المصادر السياسية عن السيناريو الذي يمكن أن يشهده اجتماع اللجان، وهل سينتهي إلى تأكيد المؤكد في الإبقاء عليها كما أقرتها الهيئة العامة في البرلمان في حال تقرر دعوتها لاجتماع يُعقد الخميس المقبل لعدم المساس بالمهل القانونية لإجراء الانتخابات في 27 آذار وبموافقة نصف عدد النواب زائد واحد، أي 65 نائباً؟ أم أن هناك مداخلات ليست مرئية ستفتح الباب أمام الوصول إلى تسوية بالتوافق على نسخة جديدة من التعديلات، وهذا يتطلب موافقة نصف عدد حضور الجلسة زائد واحد شرط أن يتأمن النصاب لانعقادها؟

إلا أن كل هذه التوقعات ما هي إلا تكهّنات -كما تقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»- لما لديها من مخاوف من أن تشهد جلسة اللجان نقاشاً حاداً يمهّد لدخول «التيار الوطني» في معركة كسر عظم تتجاوز بري إلى الأكثرية النيابية، خصوصاً أن باسيل كان في غنى عن استدراج «أمل» إلى اشتباك صاروخي لو أنه يريد من وجهة نظر خصومه إجراء الانتخابات في موعدها بدلاً من أن يُشعل التحضير لجلسة اللجان بمواد مشتعلة لا يمكن أن تنتهي إلا بطغيان فريق على آخر فيما تقف الحكومة الميقاتية على الحياد بينما يسعى «حزب الله» إلى مراعاة باسيل وإنما من دون أي صخب سياسي يمكن أن يهز علاقته بحليفه الاستراتيجي الرئيس بري أو يهددها.

وعليه فإن باسيل اختار «أمل» ليصوّب نيرانه السياسية على بري بعد أن أدرك -كما تقول المصادر- أنه في حاجة إلى استحضار خصم للتحريض عليه في الشارع المسيحي كبديل عن «القوات» لتفادي الإحراج مسيحياً كونه يتعرض إلى «حرب إلغاء» من «حزب الله» وأيضاً عن تيار «المردة» في ضوء الخطوط الحمر التي رسمها له أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله ليس بتنويهه بدوره فحسب، وإنما بمنعه المساس به.

ويبقى السؤال: كيف سيكون عليه الإطار العام لقانون الانتخاب في حال أن الهيئة العامة في البرلمان تمسّكت بحرفية التعديلات؟ وهل يلجأ باسيل بعد أن يصبح القانون نافذاً إلى الطعن فيه؟ وما الضمانة من أن ينسحب الخلاف على المجلس الدستوري في حال انعقاده للنظر فيه أو تعذر اجتماعه لتفادي إقحامه في انقسام طائفي ومذهبي؟