IMLebanon

لبنان “يدير ظهره” لأزمته مع الخليج… وكأن شيئاً لم يكن

 

… على طريقة «صفحة وطويناها» ورَفْضٌ وأعلناه لـ«الرأي الشخصي»، الذي عبّر عنه وزير الإعلام جورج قرداحي وأساء فيه للسعودية والإمارات، يتعاطى لبنان الرسمي مع واحدةٍ من أكثر المحطات قتامة في علاقاته مع دول الخليج العربي والتي تكتسب هذه المرة أبعاداً أكثر حدة في ذاتها كما في تداعياتها المتدحرجة بعدما بدت وكأنها «النقطةَ التي أطفحت كأس» تَهَوُّر لبناني متمادٍ في الانقلاب على صلاته التاريخية مع بلدان «حزام الأمان» للوطن الصغير ودفْعها إلى المهوار.

وغداة الغضبة الخليجية بوجه تصريحات قرداحي والتي راوحت توصيفاتها بين أنها «مشينة ومتحيزة» ومسيئة لدول تحالف دعم الشرعية في اليمن وتتنافى مع الأعراف الديبلوماسية، وبين أنها تعبّر عن «ابتعاد لبنان المتزايد عن أشقائه العرب»، أمعنتْ بيروت في مقاربة هذه الأزمة الديبلوماسية على أنها «زوبعة في فنجان» رغم الإشارات البالغة التعبير عن الاستياء الكبير التي عكستْها استدعاءاتُ سفراء لبنان وممثليه في كل من السعودية والكويت والإمارات والبحرين ورسائل الاحتجاج الشديد التي حُمِّلوا إياها.

وغاب أمس هذا العنوان الطارئ عن أجندة الاهتمام الرسمي الذي كان يتعيّن بالحدّ الأدنى أن يواكب الاستياء الخليجي بـ«خلية أزمة» تحتوي أي تفاعلاتٍ إضافية لتصريحات قرداحي التي تَمَسَّك بها باعتبارها «حرية رأي» أدلى به قبل توليه منصبه ورافضاً الاعتذار ومصعّداً بوجه «الابتزاز ومَن يُمْلي علينا مَن يجب أن يستقيل أم لا»، في حين اكتفى رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بـ «النأي بالنفس» عنها بوصفْها صادرة قبل أسابيع من دخول وزير الإعلام في حكومته ولا تعبّر عنها، مع تكرار أن لبنان حريص على أحسن العلاقات مع الدول العربية.

وقد كرر الرئيس ميشال عون أمس هذا الموقف مؤكداً أن تصريحات قرداحي «صدرت عنه قبل توزيره، وبالتالي لا تعكس وجهة نظر الدولة اللبنانية التي تحرص على القيام بكل ما يساهم في وقوف المملكة العربية السعودية إلى جانب شعب لبنان، وخصوصاً في الظروف الراهنة، علماً أن مواقف أي طرف سياسي لبناني لا يجوز أن تُعتبر مواقف الدولة اللبنانية ويتم التعامل معها على هذا الأساس».

وإذ اعتبرت أوساطٌ مطلعة أن تعطيل الحكومة منذ 17 يوماً وفّر عليها انتقال هذا الملف «الساخن» إلى طاولة مجلس الوزراء حيث كان سيتعمّق «الإحراج» للبنان الرسمي في عدم قدرته ولا رغبة غالبية أركانه ومكوّنات حكومته في تصحيح ما يتجاوز موقفاً أصدره وزير، ليطاول مساراً متكاملاً من التموْضع الإقليمي الذي أوصل علاقات بيروت مع دول الخليج العربي إلى مرحلة بالغة الحراجة.

وفي حين أعربت هذه الأوساط عن دهشتها حيال تمادي الائتلاف الحاكم في لبنان في استجرارِ الصدماتِ السلبيةِ في الروابط مع الخارج الذي يشكل «طوق النجاة» لبلاد الأرز من الحفرة المالية وخصوصاً مع بلدان الخليج التي تبقى قاطرة أي مسار إنقاذٍ والتي تتوسّط بيروت عواصم غربية لحضّ هذه البلدان على القفز فوق انزلاق لبنان إلى الحضن الإيراني لـ «رعاية» مسيرة إخراجه من كبوته، لاحظتْ أن السلطة التي «وضعت جانباً» خيار إقالة قرادحي أو حضّه على الاستقالة تخوض مخاطرة كبرى في ترْك «العاصفة الديبلوماسية»، تأخذ مداها والرهان على أن «تفلت» منها مجدداً و«كأن شيئاً لم يكن».

وفيما دعت هذه الأوساط لقراءة معاني تصنيف السعودية مؤسسة «القرض الحسن» التابعة لـ «حزب الله» كياناً إرهابياً لارتباطها بأنشطة داعمة للحزب مع تأكيد «مواصلة العمل على مكافحة الأنشطة الإرهابية لحزب الله والتنسيق مع الأشقاء والأصدقاء الدوليين لاستهداف مصادر الدعم المالي له» توقفت عند حجم الاستياء الذي جرى التعبير عنه على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً من ناشطين ومواطنين سعوديين والدعوات لمقاطعة لبنان.

وترافق ذلك مع ما نقلتْه صحيفة «عكاظ» السعودية عن مصادر من أن ثمة توجهاً لإدارة مجموعة «mbc»، لإغلاق جميع مكاتبها في لبنان بشكل نهائي، وانتقالها بكامل معداتها إلى الرياض، في أعقاب التصريحات المسيئة التي أدلى بها قرداحي ضد المملكة والإمارات، وذلك بعدما كان رئيس مجلس إدارة المجموعة الشيخ وليد بن إبراهيم آل إبراهيم استنكر كلام وزير الإعلام اللبناني «واتهاماته المغرضة استهدفت السعودية والإمارات»، معتبراً هذه المواقف «مستغرَبة جداً وغير مقبولة بتاتاً، وهي لا تُعبّر إلا عن الآراء السياسية المنحازة والمنحرفة لمطلقيها، والمجحفة بحق ثوابتنا وتضحياتنا ومواجهتنا شبه اليومية للاعتداءات الإرهابية على أهلنا وأراضينا في المملكة (…)».

وفي موازاة ذلك، غرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على صفحته على «تويتر» كاتباً: «كنا بغنى عن هذا التحليل أو التصريح الهميوني لوزير الإعلام اللبناني الذي حرق ما تبقى من أواصر العلاقات بيننا وبين دول الخليج التي كانت وستبقى الحاضن الأساس لمصالح لبنان واللبنانيين».