IMLebanon

العقوبات الخليجية على لبنان أبعد من أزمة قرداحي؟

عند القراءة في حجم العقوبات السعودية والخليجية التي يتعرض لها لبنان، يقتضي عدم التوقف عند الازمة الديبلوماسية التي تسببت بها مواقف وزير الاعلام جورج قرداحي، وان كانت من احدى اسبابها وربما فتيلها عند حصر الملف بالعلاقة بين لبنان والمملكة. وهو امر يجب النظر اليه من زاوية أخرى تتصل بالتطورات الاقليمية والدولية ومسار المفاوضات الجارية بشان الملف النووي الايراني والعلاقات بين الرياض وطهران وانعكاسات ذلك على لبنان.

تتوقف مراجع سياسية وديبلوماسية أمام هذه المعطيات عبر “المركزية” مفضلة الفصل فيها من الزاويتين الداخلية والخارجية.

فعلى المستوى الداخلي والعلاقات البينية بين لبنان والمملكة لا يمكن تجاهل ما اصاب مساعي التهدئة مع السعودية ودول الخليج من وهن ادى الى الفشل في تنفيذ اي من الالتزامات التي قطعت سواء عن عجز متماد وفقدان لمقومات التصحيح، او لوجود نية بالتصعيد لدى فئة لبنانية تتجاهل اهمية العلاقات مع الخليج العربي وما زالت تنصح بضرورة التوجه شرقا بمعزل عن الفروقات الهائلة وحجم المصالح والفرص المتاحة بين الخيارين. فالتوجه الى مجموعة الدول الفقيرة في الشرق لا يساوي في اي من جوانبه ما بلغته العلاقات بين لبنان والغرب والخليج على اكثر من مستوى اقتصادي ومالي وتجاري وامني وعسكري عدا عن البرامج التي يقتضي تنفيذها لاستعادة الثقة بالحكومة اللبنانية ومؤسساتها سعيا الى انقاذ ما تبقى من مقومات الصمود في بلد يتجه الى الانهيار الكامل على قدميه.

وعلى هذه الخلفيات لا يمكن سوى الإعتراف بأن جزءا من اللبنانيين يستظل السلطة الشرعية حكوميا وامنيا للمضي في حربه ضد دول الخليج العربي ليأتي بالعقوبات الشاملة على البلاد والعباد، لاسباب تتصل بمقتضيات الصراع الاقليمي والتزاماته مع ايران تحديدا بمعزل عن باقي حلفائها الدوليين كالصين وروسيا وآخرين الذين يحتفظون بنسبة عالية من التنسيق مع هذه الدول، لا بل فقد سبقوا بعض الدول من اعداء ايران في مجالات تقنية وانمائية واستثمارية.

وبمعزل عن المعطيات التي تقود الى صورة سوداوية في ما بلغته التطورات المتسارعة، لا بد من الاعتراف بأن لبنان لم يستطع تنفيذ اي من التعهدات التي تم التفاهم بشأنها عند تسوية ازمات سابقة كتلك التي تسببت بها صفقة “الرمان المخدر” ومواقف وزير الخارجية السابق شربل وهبة من اجل ترميم العلاقات الاقتصادية والتجارية الى سابق عهدها. هذا عدا عن الاستخفاف اللبناني بردات فعل هذه الدول على مواقف وزير الاعلام والاصرار على اعتبارها اشكالا يمكن تطويقه بـ “عبارات ديبلوماسية منمقة” من دون ان يتفهموا حجم تنكر المملكة للتوضيحات اللبنانية بالحديث عن توقيت الحلقة المتلفزة واعتبارها سابقة لتوليه مهامه الوزارية بأسابيع عدة. وهو ما ادى الى اسراع الممكلة ومعها دول الخليج بامطار لبنان بـ “الإجراءات العقابية” في ساعات قليلة عشية يوم عطلة رسمية فيها.

وما زاد الطين بلة ان هناك من استخف بحجم الغضب السعودي وكاد يحصره عن قصد او نقص في المعرفة بما بلغته الخلافات الشخصية بين قرداحي وعدد من كبار مسؤوليها فترجمها مواقف تجاه الاحداث اليمنية تمحو ما له من مواقف مؤيدة للمملكة و”قيادتها الرشيدة والحكيمة” ومعهم مجموعة امراء الخليج قبل فترة وجيزة.

اما على المستوى الاقليمي والدولي هناك قراءة مكملة للصفحة الداخلية من الازمة، فالخطوات التي اتخذتها المملكة على قساوتها واعتبرت انها جاءت لتتوج مسارا شاملا لفرض العقوبات على اذرع ايران في المنطقة وهو ما بدأته قطر برزمة من العقوبات على كيانات وشخصيات خليجية، فلسطينية ولبنانية متهمة اياها بدعم “حزب الله” قبل ان تفرض المملكة عقوبات مماثلة على مؤسسة “القرض الحسن” فتلاقت في آلياتها واهدافها مع العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الاميركي جو بايدن على المؤسسات الايرانية الكبرى في “هجمة ارتدادية” تسارعت خطواتها ردا على “الطحشة الايرانية” غير المسبوقة التي بدأتها قبل فترة في اليمن ولبنان دعما لمواقفها المتشددة في مفاوضات الملف النووي واستبعادها امكان العودة الى الوضع الذي كان قائما قبل سحب اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالإتفاق المعقود في تموز من العام 2014 مع مجموعة الـ (5+1).

والملفت في هذه المواقف انها ارتبطت او جاءت ترجمة لرفض ايران البحث بأي ازمة خارج عن اراضيها ولا تتصل بالشؤون النووية كما هي الحال في لبنان واليمن في ما هي تستثمر “جيوشها الستة” في المنطقة في المفاوضات على انها ساحات ملحقة بإيران تتحكم بها للضغط في اتجاهي المفاوضات النووية والمفاوضات الايرانية – السعودية المباشرة وهو ما ادى الى موقف دولي واميركي وخليجي متشدد تجاه ايران وحلفائها الذين لا يدفعون الثمن كقوى محلية بقدر ما انعكست على بلدانهم وهو ما نشهد نموذجا منه على الساحة اللبنانية.

وقياسا على هذه الملاحظات على المستويين الداخلي والخارجي، ثمة اجماع ديبلوماسي على اعتبار ان لبنان تأخر كثيرا في معالجة هذا الوضع الخطير وتدارك نتائجه سواء عن عجز او غباء سياسي. وهو ما سيفرض مزيدا من مظاهر الازمة الخانقة التي ستنعكس على اكثرية اللبنانيين من دون تمييز والى اجل غير محدد. وان من الخطأ اعتبار ان ما حصل رفع من قدرة حزب الله ودوره على التحكم بالامور مقابل انهيار الدولة، او على انها ازمة فريق لبناني دون غيره فيما البلد بمختلف قواه ومواطنيه ينزلق الى مكان لا يمكن تقديره من اليوم. ولكن ذلك لن يطول فالتطورات السلبية ستأتي بالمشهد الجديد خلال ايام قليلة فلننتظر .