IMLebanon

محاولة اغتيال الكاظمي… كأنّها في مأرب أو الطيونة!

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:

لطالما ارتبط أي حدث في العراق بما يجري في لبنان، فالحديث عن اوتوستراد مفتوح يربط طهران ببيروت للوصول إلى اقرب نقطة من حدود «العدو الصهيوني»، رسم دوراً لبغداد لا يختلف عمّا هو مطلوب من دمشق وبيروت. وإن ارتبطت محاولة اغتيال رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي بمستجدات اليمن ولبنان، وإن جرت في بغداد، يمكن القول انّها جرت في مأرب أو الطيونة. لماذا وكيف؟

أجمعت التقارير الديبلوماسية التي جُمعت من بغداد واكثر من عاصمة عربية، على انّ لا يمكن الفصل بين محاولة اغتيال الكاظمي ومجمل التطورات والأحداث الجارية في اكثر من دولة عربية على تماس سياسي في ما بينها، الى درجة يمكن القول انّها تحولت منذ فترة ساحة واحدة. وعليه، فإنّ الربط بين ما شهدته «المنطقة الخضراء» في بغداد صباح اول امس الاحد، وما يجري في اليمن ولبنان والرياض، بات منطقياً الى حدّ بعيد، من دون عزلها عن النتائج التي انتهت إليها الانتخابات النيابية العراقية، وما جاءت به من تحوّلات سياسية خلطت الأوراق وأعادت النظر بموازين القوى الجديدة التي انتجتها، والتي يمكن ان تؤدي في حال من الاحوال، الى إمكان التجديد للكاظمي في رئاسة الحكومة العراقية. فليس مضموناً ان يستمر خلفه في رعايته للحياد العراقي وللحوار بين الرياض وطهران، وفي نهجه المتصالح مع دول الجوار، ومحاولته ان يكون على مسافة واحدة منها.

وفي انتظار ما ستنتهي اليه التحقيقات الجارية للكشف عن تفاصيل محاولة الاغتيال، والجهات الكامنة وراءها، من تلك التي أوحت وخطّطت، الى تلك التي نفّذت ووضعت القدرات التي استُخدمت فيها، توصلاً الى تحديد هوية الخاسر من فشلها والمستفيد منها لو نجحت. واياً كانت النتيجة، سيبقى الربط قائماً بين مختلف هذه التطورات، على انّها حلقات من سلسلة واحدة امتدت على مساحة منطقة واحدة، ألغت الحدود بين عدد من الدول، تمتد من ايران والعراق الى سوريا وصولاً الى لبنان، وحيث انتشرت «الجيوش الإيرانية الستة» التي أُنشئت خارج أراضي الجمهورية الاسلامية. وعندها يمكن ربطها سياسياً باليمن والسعودية ومناطق التوتر المفتوحة على شتى الاحتمالات، في إطار النزاع المفتوح بين محورين كبيرين، يتنازعان على مساحة المنطقة ويستخدمان فيها ما يمتلكان من قدرات عسكرية واقتصادية ومالية وديبلوماسية.

وإن دخلت التقارير السياسية والديبلوماسية في شرحها لتفاصيل المشهد المحيط بهذه الحرب المفتوحة بين هذين المحورين، يمكن الإشارة اليهما من خلال التحضيرات الجارية للمفاوضات بينهما على طاولتين كبيرتين. إحداهما في فيينا، حيث تجري المفاوضات الخاصة بالملف النووي الإيراني، والتي قد يعود اليها أبطالها من طهران وواشنطن ومجموعة الـ (5+1) في التاسع والعشرين من الجاري، إن تمّ تذليل بعض العقبات التي أدّت الى إطالة الفترة الفاصلة بين آخر جلسة منها واللقاء المقبل. والثانية، كانت تُعقد في بغداد بين المملكة العربية السعودية وايران، وقد عُلّقت منذ فترة بسبب خلاف كبير بين طرحين متصلبين من الطرفين، جمّدا الحوار الذي كان قد رعاه واستضافه الكاظمي المستهدف بمحاولة الاغتيال.

واستناداً الى خريطة التطورات هذه، يمكن النظر الى محاولة الاغتيال الفاشلة على انّها تشكّل محطة لها دلالاتها، وأُريد لها ان تكون مأساوية لو نجحت، للتعبير عن حدّة الخلافات بين الرياض وطهران، نتيجة أحداث وصفت بأنّها طارئة، جمّدت مساعي إحياء العلاقات بينهما، وألغت الجلسة الخامسة التي كانت متوقعة في النصف الثاني من الشهر الماضي، بعدما انتهت الجلسة الرابعة والاخيرة في 20 ايلول الماضي الى خلاف كبير تسببت به «الطحشة» الإيرانية في اليمن، والتي ترجمتها حماوة المعارك في مدينة مأرب اليمنية وفي اتجاه العمق السعودي، قبل الإعلان عن المقاطعة السعودية الناتجة من تصريحات وزير الاعلام جورج قرداحي تجاه ما يجري في حرب اليمن تحديداً، والتي ربطتها الأطراف الموالية لإيران في لبنان بأحداث الطيونة ـ عين الرمانة، كما بردّة الفعل على تصريحات قرداحي، نتيجة الفشل في مواجهة الحصار الحوثي لمأرب وعدم القدرة على لجم الضربات الصاروخية في اتجاه الأراضي السعودية، وهي نظرية أحكمت الربط بين الحدثين لإصرار اصحابها عليها دون غيرهم من اللبنانيين.

عند هاتين المحطتين الامنيتين في لبنان واليمن، تتوقف التقارير الديبلوماسية لتوحي انّ محاولة الإغتيال شكّلت ترجمة للخلافات التي فجّرت الأحداث فيهما. واليهما ردّت القراءات المعمّقة اسباب تفجّر العلاقة بين الرياض وطهران، وزادت من حدّتها النتائج التي ادّت اليها الانتخابات النيابية العراقية، التي اعطت موقعاً متقدّماً للرياض والإمارات العربية المتحدة، من خلال انتصار القوى العراقية المدعومة منهما صراحة، وتلاقيهم الانتخابي مع قوتين عراقيتين أُخريين، عمادهما رجل العراق القوي الجديد قائد «التيار الصدري» مقتدى الصدر، ومعه رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، فتشكّلت الأكثرية النيابية العراقية الجديدة، التي أبقت الكاظمي في موقعه القوي، بما يضمن بقاءه في رئاسة حكومة العراق. وهو ما عكسته صراحة الاتهامات بالتزوير والتلاعب بالنتائج التي وجّهتها القوى الموالية لطهران، بعد أن فقدت جزءاً كبيراً من تمثيلها النيابي، لكتل «الحشد الشعبي العراقي» و»حزب الله العراقي» و»عصائب الحق» وحلفائهم، من التشكيلات الأخرى الموالية لإيران، سواء تلك التابعة لـ»فيلق القدس» أو للحرس الثوري الإيراني، وهو ما شكّل نكسة حقيقية لهما، بعدما باتا يمسكان بالسلطة في ايران منذ وصول الرجل المتشدّد الى اعلى هرم السلطة فيها الشيخ ابراهيم رئيسي، خلفاً للرجل الإصلاحي المعتدل حسن روحاني.

واستناداً إلى هذه المعطيات، لا يمكن تجاهل اي ربط اضافي بين محاولة الإغتيال والتحولات التي قادت إليها الإنتخابات العراقية، وهي نظرية لا تزال تخضع للرصد المكثف، للتثبت من صدقيتها، وخصوصاً عند الربط بين نتائجها المخيبة لأنصار طهران، والزيارات التي قام بها قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الجنرال اسماعيل قاآني الى بغداد، وتحركات انصاره غداة صدور النتائج، وتلتها زيارة أخرى له الى بيروت تزامناً مع أحداث الطيونة، والإعلان عن العقوبات السعودية والخليجية على لبنان، التي قدّمت صورة عمّا بلغه الاحتقان بين الرياض وطهران، فكانت بيروت وبغداد مسرحاً لوجوهها الحادة والمتفجرة.

وعليه، واستناداً الى ما ترمز اليه هذه المستجدات، بُني الرهان على ما يؤدي الى استكشاف عناوين ومحطات خريطة الطريق، الى مستقبل الوضع في العراق وفي مناطق التوتر الاخرى، التي انخرطت فيها القوى عينها والتي تتنازع على مساحة واسعة، إلى درجة يمكن معها القول انّ محاولة اغتيال الكاظمي وإن جرت في «المنطقة الخضراء» من بغداد، فإنّه يمكن القول بالمنطق السياسي وكأنّها وقعت على حدود مأرب اليمنية او على مقربة من مستديرة الطيونة في بيروت.