IMLebanon

المرأة اللبنانية ليست بحاجة لـ”الكوتا”

كتبت ناريمان شلالا في “الجمهورية”:

نتج من الانتفاضات الشعبية التي شهدتها البلاد، تجمّعات ومجموعات مدنية معارضة للنظام الطائفي القائم، خلقت الرغبة لدى عدد كبير من السيّدات بالانخراط في الحياة السياسية. ويبدو أنّ رغبة المرأة اللبنانية لا تقابلها رغبة نيابية جدّية تقرّ «الكوتا النسائية»، على رغم نيلها تأييد غالبية الكتل السياسية. ولكن أليس من المُعيب التحدّث عن قانون «الكوتا» الذي يحدّد حجم مشاركة المرأة في الشأن العام بنسبة الثلث؟

لقد تحوّلت «الكوتا» طاولة للمقايضة والمزايدة السياسية، ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ لبنان كان قد وافق على خطّة تنموية تحت عنوان «أجندة 2030»، مُدرجة في 17 بندا، وصادرة عن مؤتمر «ريو» 1992، وتهدف هذه الخطّة إلى تحسين وضع المرأة في شتّى المجالات. وبعد أن أُجريت تعديلات عليها عام 2002 في قمّة جوهانسبورغ، واستُتبعت بقمّة «الريو» مجددًا عام 2012وقمة نيويورك عام 2015، أدخلها لبنان في بيان حكومته عام 2016 مُعترفا بذلك بدور المرأة في الحياة السياسية وضرورة تعزيزه.

وفي الإطار القانوني والتشريعي أيضا، لا بدّ من استذكار أبرز القوانين التي رافقت مسيرة المرأة اللبنانية وحدّدت حجم مشاركتها للوصول إلى مراكز القرار… ومن شأنها أن تكّرس مشاركتها في الحياة السياسية بنحوٍ مفتوح، ومن دون حاجة إلى قانون «الكوتا».

يروي أستاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية الدكتور روني خليل أنّ لبنان بعد موافقته عام 1952 على الاتفاقية العالمية في شأن الحقوق السياسية للمرأة؛ سمح للمرأة اللبنانية بالمشاركة في العملية الإنتخابية، إن من خلال التصويت أو الترشّح، وانطلقت المسيرة عام 1953. وكانت الانطلاقة آنذاك خجولة جدّا، تُرجمت بترشّح السيدة اميلي فارس ابراهيم عن دائرة زحلة، لكنّها لم تُوفّق. واستمرّ الوضع على هذا النحو لعقود من الزمن، إذ احتكمت مسيرة المرأة لواقعها المذهبي والمناطقي ولأحكام الأعراف. وفي كلّ مرّة تمّ تجاهل الدستور اللبناني (1926)؛ الذي يعترف أساسا بالمساواة بين الجنسين في تولّي الوظائف العامة وفي الحقوق المدنية والسياسية. الأمر الذي أدّى عام 1994 إلى صدور قانون ثانٍ يجيز للموظفة في السلك الديبلوماسي التي تتزوج من أجنبي أن تتابع أعمالها الوظيفية.

ويرى خليل أنّ بعض الإجراءات قد ساعدت على تحسين وضع المرأة ولو جزئيّا؛ كتشكيل لجنة برلمانية للمرأة والطفل، ولجنة وطنية لشؤون المرأة، إضافة إلى إحداث وزارة متخصّصة بشؤون المرأة والتي مع الأسف قد توقف العمل بها…

وعلى رغم موافقة لبنان على مقرّرات مؤتمر بيجينغ عام 1995، بما فيها المادة التي تنص على إعطاء كوتا (بنسبة 30%) للمرأة في كافة الإدارات والوظائف الرسمية، وموافقته عام 1997 على اتفاقية تمنع التمييز بين الجنسين، غير أنّ النّساء في لبنان يدخلن مجلس النواب متّشحات بالسواد؛ أي بعد وفاة الزوج أو الوالد أو الأخ. والسبب، بحسب خليل، أنّ المجتمع لا يزال حتّى يومنا هذا يفضّل الرجل على المرأة في الحياة السياسية، وإن بطريقة غير مباشرة. ومعظم السيّدات اللواتي دخلن معترك السياسة، تحدّرن من بيوت سياسية، ونادرا ما استطاعت امرأة كسر هذا الجدار، وإن فعلت ذلك، فيكون من باب الدخول في لوائح أو «محادل» انتخابية تابعة لتيار سياسي معيّن…

في هذا السياق يشير خليل إلى أنّ نسبة مشاركة المرأة السياسية شكّلت 6% فقط في الفترات الأخيرة. و7 % من النّساء حصلن على وظائف في الإدارات العامة من الفئة الأولى والثانية، ويبقى نادرا تعيين سيّدة في منصب محافظ أو سفير. وفي العام 2018 ترشّحت 111 أنثى في الإنتخابات النيابية مقابل 976 من الذكور، فاز منهنّ 6 فقط. وبلغ عدد المرشّحات لانتخابات 2009 النيابية 12 مرشّحة من أصل 706 مرشّحين. وفازت 600 إمرأة عام 2016 في الانتخابات البلدية. وفي الحكومة الأخيرة تمثّلت المرأة بمقعد واحد فقط، ما يطرح تساؤلات عدة.

ويُثني خليل في حديثه على جهود نساء رائدات من خارج الحياة النيابية والحكومية؛ لعبن أدوارا ريادية ساهمت في تطوير واحداث قوانين شملت نواح مختلفة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر السيّدة لور مغيزل… وإن عدنا بالتاريخ إلى فترة الإنتداب، لا يسعنا إلّا أن نذكر «سيدة القصر» نظيرة جنبلاط والدة الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، التي أدّت دورا سياسيّا بارزا بعد وفاة زوجها، وكان ابنها لا يزال طفلا، فاضطرت الى تحمّل وزر الزعامة مدّة من الزمن قبل تسليمها لإبنها كمال.

ويرى خليل أنّ التوعية الإجتماعية، بدءا من التربية البيتية إلى المدرسية، هي البداية لفكّ القيود عن المرأة اللبنانية، ولتعزيز فكرة المساواة بين الجنسين. حيث يجب على الرجل الإعتياد على فكرة تقاسم الأدوار في شتّى الميادين مع المرأة. كذلك يجب تعديل بعض القوانين واحداث أخرى، تتماشى مع متطلبات العصر وحركة الوعي… ومن الضروري التخفيف من تأثير قوانين الأحوال الشخصية، لجهة الميراث أو الطلاق وغيرهما… واعتماد قوانين مدنية مع مراعاة خصوصيات المذاهب واحترامها. يُضاف إلى كل ما سبق، تحفيز عامل الجرأة عند الأنثى في مجتمعنا، وتعزيز ثقتها بنفسها. فهي تشكّل نسبة ٥٤ % من مجمل المنتخبين، وهي قادرة في حدّ ذاتها على أن تقلب المعادلة، خصوصا أنّها حصدت نجاحات عدة، وتألّقت في ميادين علمية مختلفة.