IMLebanon

باسيل أمام خيارات انتخابية صعبة!

كتب محمد شقير في “الشرق الاوسط”:

يتفرغ رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، لإعادة ترتيب بيته الداخلي، مع إطلاقه المرحلة الأولى لاختيار مرشحيه لخوض الانتخابات النيابية التي فتحت الباب أمام تظهير الخلافات داخل «التيار» إلى العلن، وهي التي لم تقتصر على السجال الناري الذي لا يزال يتفاعل بين نائب جزين زياد أسود والنائب السابق أمل أبو زيد، على خلفية أن الأخير حل في المرتبة الأولى في الانتخابات التي اقتصرت على المحازبين، وسجل تقدماً لا يستهان به على منافسه أسود، وانسحبت إلى دوائر انتخابية أخرى كانت وراء عزوف عدد من النواب الحاليين عن الترشح للانتخابات النيابية.

فباسيل يواجه مشكلة في اختياره لمرشحي «التيار»، أسوة بعدد من القوى السياسية الأخرى، وإن كانت تتريث في اختيار مرشحيها، من دون أن تخفي قلقها حيال قدرتها على الحفاظ على حضورها النيابي، كما هو حالها الآن، وتحسب ألف حساب لدخول المجتمع المدني طرفاً في المنافسة الانتخابية، على الرغم من أن المنضوين إليه يواجهون مشكلة تتعلق بقدرتهم على توحيد صفوفهم لخوض الانتخابات على لوائح موحدة لإحداث تغيير في التمثيل النيابي، وإعادة تكوين السلطة في لبنان.

ويشارك باسيل كذلك الطبقة السياسية قلقها حيال الرهان على المجتمع المدني في إحداث تغيير في ميزان القوى، ويواجه في المقابل صعوبة في اختيار المرشحين القادرين على تأمين التمويل المالي لتغطية النفقات الانتخابية الذين يتخوفون من سريان العقوبات الأميركية المفروضة عليه، لما سيكون لها من مفاعيل سلبية على مصالحهم التي تتوزع بين لبنان والخارج، إضافة إلى أنهم يتحسبون لردود الفعل، في حال أنه سيجدد تحالفه الانتخابي مع «حزب الله» الذي تسبب بتدهور العلاقات اللبنانية – الخليجية.

كذلك فإن باسيل الذي يرأس حالياً أكبر كتلة نيابية في البرلمان الحالي، بالتزامن مع وصول الرئيس ميشال عون إلى سدة الرئاسة الأولى، لم يعد في موقع المؤثر كما كان في السابق، بعد أن دخلت ولاية عون السنة الأخيرة، وهو ما يفقد باسيل ورقة رابحة أتاحت له أن يتمدد نفوذه السياسي إلى داخل الإدارات والمؤسسات العامة.

وبكلام آخر، فإن باسيل اليوم غير باسيل بالأمس لأن الناخبين لن يخضعوا للضغوط والإغراءات مع اقتراب ولاية عون الرئاسية من نهايتها، على الرغم من أن الشغل الشاغل للفريق السياسي المحسوب عليه الذي يتمتع بنفوذ فاعل داخل القصر الرئاسي يبقى محصوراً في إعادة تعويمه سياسياً، وينصرف حالياً لتوفير الدعم المطلوب له، وإن كان يعتقد أن نفوذه أخذ يتراجع، في ظل الكوارث التي حلت بلبنان.

ويواجه باسيل أيضاً في تحضيره لخوض الانتخابات هذه المرة مشكلة لم تكن موجودة من قبل، تتعلق بتداعي قيادات وكوادر كانت وراء التأسيس لدخول «التيار الوطني» في الحياة السياسية لتشكيل «الخط التاريخي» احتجاجاً على تفرده في قيادة التيار، واتخاذه قرارات لم تكن في محلها، من دون عودته إليهم، ولو من باب التشاور.

فالخط التاريخي شكل إحراجاً لباسيل الذي يمعن، كما يقول قيادي سابق في التيار لـ«الشرق الأوسط»، في تماديه في رسم السياسة العامة، من دون تقيده بالأصول الديمقراطية، مستفيداً من فائض القوة الذي يتمتع به عون، ولم يتردد في تجييره لمصلحته، من دون أن يأخذ بوجهة نظر أبرز القيادات التي كانت وراء تأطير التيار، وتحويله إلى حزب سياسي.

ويؤكد القيادي السابق أن عدم تدخل المؤسس، أي الرئيس عون، لردع باسيل ووقف جنوحه نحو السيطرة، وصولاً إلى تفرده في اتخاذ القرارات ورسم السياسة العامة للتيار، وفي إصدار قرارات بفصل من يعترض عليه، كان وراء الويلات التي حاصرته، ويقول إنه جرت محاولات خجولة لاسترداد «الحرس القديم» الذي أخلى بخروجه الساحة لباسيل، لكنها ولدت ميتة، ويعزو السبب إلى أنها لم تأخذ بوجهة نظر المحتجين على أدائه منذ أن تولى قيادته خلفاً لمؤسسه رئيس الجمهورية.

ويلفت القيادي السابق إلى أن الحرب الكلامية التي اندلعت بين أسود وأبو زيد، على خلفية اختيار المرشحين عن دائرة جزين – صيدا، لن تكون الأخيرة، وستنتقل العدوى تباعاً إلى الدوائر الأخرى، لأن ما يهم باسيل البحث عن مرشحين لتمويل معركته الانتخابية، وإن كان التفضيل بينهما لا يكمن فقط في قدرة أبو زيد على تأمين الدعم المادي فحسب، وإنما لأنه لا يشكل استفزازاً للناخبين الشيعة في الدائرة، بخلاف أسود الذي يشكل رأس حربة في استهداف «الثنائي الشيعي»، بتركيز هجومه على حركة «أمل» أو «حزب الله».

ويرى أن باسيل، وإن كان يراهن على قدرة أبو زيد (من بلدة مليخ قضاء جزين) على الحصول على أصوات شيعية لا يؤمنها فقط من الناخبين في بلدته المختلطة، وإنما من بلدات شيعية أخرى، بعد أن تسبب أسود في حرمان «التيار» في الانتخابات السابقة من التأييد الشيعي، فإنه يتطلع إلى المرشح القادر على تأمين التمويل الذاتي لمعركته الانتخابية.

ويسأل: هل احتل أسود المرتبة الثانية في الترشيحات بعد أبو زيد، وبفارق كبير جداً في الأصوات، لأنه تجرأ على انتقاد ورقة تفاهم «التيار» مع «حزب الله» الموقعة في 6 شباط 2006، مع أن منسوب الانتقادات الداخلية لها أخذ يرتفع وبدأ يظهر للعلن، من دون أن يصار إلى إخضاعها لمراجعة نقدية تؤدي إلى تصويب ما أصابها من خلل، خصوصاً أن السواد الأعظم داخل التيار بدأ يطلق عليها النار ظناً منه أنه يقطع الطريق على حزب «القوات اللبنانية» الذي بدأ يسجل تقدماً على حسابه في الشارع المسيحي؟

لذلك، فإن «التيار» سيواجه مشكلات كبرى في اختيار مرشحيه، سواء في دوائر بعبدا والمتن الشمالي وكسروان – جبيل، وصولاً إلى شمال لبنان، ولن يكون في مقدوره استرداد من غادروا مواقعهم في تكتل «لبنان القوي»، سواء باستقالة النائب نعمت أفرام من البرلمان أو بانقطاع زميله شامل روكز عن حضور اجتماعات التكتل، وصولاً إلى عزوف رجل الأعمال النائب روجيه عازار عن الترشح في كسروان، لما لديه من مصالح في الخارج يريد عدم تعريضها إلى أضرار.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن عازار اتخذ قراره بعدم الترشح في الوقت المناسب لأن الكتلة المالية لتغطية انتخابات كسروان – جبيل ستحمل الرقم الأعلى منها، فيما يصر باسيل على ترشيح الوزيرة السابقة ندى البستاني عن هذه الدائرة التي ستحظى بالدعم الأكبر من ناخبيها لتأمينها الحاصل الانتخابي الذي يوصلها إلى البرلمان.

وعلمت أيضاً أن النائب إلياس بو صعب لم يحسم أمره حتى الساعة بالترشح عن دائرة المتن، وكان قد اعتذر بعد أن أبدى موافقته على أن يحل ضيفاً على برنامج «صار الوقت» الذي يعده الزميل مرسال غانم، واضطر لاستبدال زميله النائب أسعد درغام به.

وعليه، فإن باسيل يقف الآن أمام خيارات انتخابية صعبة، في ظل انسداد الأفق في وجه تعاونه مع الحزب «التقدمي الاشتراكي» في الجبل، وهذا ما ينسحب على تيار «المستقبل»، على الرغم من أن رئيسه، الرئيس سعد الحريري، لم يحسم حتى الساعة خياراته الانتخابية، ترشحاً واقتراعاً، إضافة إلى الطلاق السياسي مع «القوات» وحزب «الكتائب» الذي يراهن على حصر تحالفه بالحراك المدني، أو بقسم منه إذا تعذر عليه التوحد في لوائح موحدة.

وينسحب وضع باسيل على الشمال، لأنه قد يضطر لخوضها وحيداً، إلا إذا تحالف مع الحزب «السوري القومي الاجتماعي»، المتحالف مع خصمه زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، وبالتالي سيكون مضطراً للتحالف مع حليفه «حزب الله»، وهذا يشكل إحراجاً له إذا لم يحسن إخراجه للعلن لعله يشكل حساسية له في شارع المسيحي، فيما أن الأبواب موصدة في وجه تحالفه مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري لانعدام الكيمياء السياسية بينهما، إلا إذا تولى «حزب الله» إيجاد صيغة مركبة لقيام تعاون انتخابي أقله في دائرة بعبدا، بصفته أمراً واقعاً في ظل بحثه عن تحالفات مفقودة لا أمل له في استعادتها.