IMLebanon

حكومة ميقاتي “كيس ملاكمة” وانتظارٌ مُكْلِفٌ لـ… فيينا

 

تلتفّ «الأزماتُ المتسلسلةُ» حول عنق لبنان الذي يَمضي في «التزحلق على الجمر» داخل حفرةٍ باتت «عيْناه» على سقْفها الذي «يبتعد» يوماً بعد آخر وعلى قعرها الذي لا ينفكّ يزداد عمقاً.

وتشكّل هذه الخلاصة البالغة القتامة التوصيفَ الأقلّ سودوية الذي تعطيه أوساط واسعة الاطلاع للواقع اللبناني، في ظل تشابُكٍ «فتّاك» بين 3 معطيات:

• الأول انزلاق الانهيار المالي بتداعياته المعيشية إلى المرحلة «الأكثر ضراوة» وسط استمرار سعر صرف الدولار في الارتفاع (يناهز 23 الفاً و500 ليرة) مُمْعِناً في دفْع اللبنانيين وراء حفافي البؤس، وصولاً لإضاءة منظمة «اليونيسيف» أمس على «الوضع الخطير لأطفال لبنان»، محذرة من «أن حجم الأزمة وعمقها يفترض أن يُشكّل جرس إنذار للجميع ليستفيقوا الآن، وهناك حاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان عدم تضوّر أيّ طفل جوعاً، أو إصابته بالمرض، أو اضطراره الى العمل بدل تلقيه التعليم».

• والثاني تَحَوُّل الحكومة «كيس ملاكمة» بين مكوّناتها على خلفية محاولة الثنائي الشيعي «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري إقصاء المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، و«كيس رمل» في «معركة» مستمرة ضدّ دول الخليج العربي يخوضها الحزب بأدوات عدة وفي ساحات عدة، من دون أن يبرز ما يشي بقُرْب «فكّ أسْر» جلسات مجلس الوزراء التي بات يتقاذفها سباقٌ مضمَر على طريقة «ركل الطابة» بين أيهما أولاً: إيجاد حل لقضية بيطار كفاتحة لاستئناف العمل الحكومي، أو استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي لإحداث «ثقب» في جدار الأزمة مع الخليج؟

• والثالث إشاراتٌ سبّاقة إلى أن «رئاسية خريف 2022» صارت ملبّدةً بغيومِ ليس فقط عدم حصولها بل تمديد بقاء الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا «بقوةِ أمرٍ واقعٍ» بات له اسمٌ حَرَكي هو عدم التسليم إلى فراغ بحال تعذَّر انتخاب خلَفٍ ولم يكن تم بعدّ تشكيل حكومة مكتملة الصلاحيات في أعقاب الانتخابات النيابية في مايو المقبل، أو استخدام أيّ تطيير للاستحقاق النيابي في السياق نفسه، وذلك من باب «تجميع الأوراق» وتحصين وضعية رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي بكّر عون وبعد نحو 3 أشهر من انتخابه في الغمْز من أنه عنوان «خلافته الجيدة» قبل أن يبلور أكثر في حديثه الصحافي الأخير مواصفاتها وفق معادلة «لن يأتي بعدي رئيس كما قبلي. لن يكون بعد الآن رئيس للجمهورية لا يمثّل أحداً، ولا يمثّل نفسه حتى، بل ابن قاعدته».

وغداة لقاء عون وبري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بدا أن هذا الاجتماع لم يكن أكثر من «بروتوكولي» كرّر فيه كل رئيس موقفه «بلا زيادة أو نقصان» حيال المخارج الممكنة لاستئناف جلسات الحكومة لاسيما في ما خص قضية بيطار، وسط مسألتيْن لا تؤشران لإمكان تَرقُّب أيّ خرق وشيك في الأزمة الحكومية: الأولى عدم وضوح الرؤية حيال موقف «حزب الله» حتى من تجزئة التحقيق في بيروتشيما عبر فصل التحقيق مع الرؤساء والوزراء عنه مع سائر الملاحقين وإعادة الأول إلى المجلس الأعلى للمحاكمة وتفعيله، في ظل مؤشراتٍ إلى أن الهدف الرئيسي للحزب يبقى إقصاء بيطار عن مجمل الملف.

والمسألة الثانية «التسليم» الداخلي بأن استقالة قرداحي يملك لوحده أمر اتخاذها، بفعل «الدرع الواقي» السياسي الذي وفّره له «حزب الله»، وعدم توافر نصاب إقالته في مجلس الوزراء الذي يُصرّ ميقاتي أصلاً على تجنيبه الانفجار وتالياً الإطاحة بالحكومة وهو ما لا يريده رئيسها متكئاً على دعم غربي ومزاج سني مؤيّد لبقاء الحكومة، في حين استعيدت «نغمة» الرغبة في استطلاع «أثمان» استقالة وزير الإعلام ومفاعيلها المحتملة لجهة احتواء الأزمة مع الخليج، وهي النغمة التي حكمت سوء الإدارة الفاضح للبنان الرسمي لهذا الملف الذي يُخشى أن يوصل إلى عزلة عربية له.

وإذ ينشغل ميقاتي في اليومين المقبلين بزيارة الفاتيكان وروما على أن يتوجّه عون مطلع الأسبوع المقبل إلى قطر، فإن أجواء رئيس الحكومة أمس عكست إصراراً على الدعوة خلال أيام إلى جلسة لمجلس الوزراء «وليتحمّل كل طرف مسؤوليته»، مع تلميح مصادر قريبة منه (عبر موقع لبنان 24) إلى أن استعارته بعد لقاء قصر بعبدا عن «المرأة المطلّقة» رمت الى «توجيه رسالة سياسية واضحة وصلت الى المعنيين وفهموها جيداً»، ومن دون أن يتّضح ماذا سيكون موقف رئيس الحكومة بعد توجيه الدعوة بحال أصر الثنائي الشيعي على مقاطعتها ما لم يسبقها بت قضية بيطار وهل يمكن أن يَعقد جلسة «فاقدة للميثاقية»، أو ماذا ستكون تداعيات أيّ «تظهير» لوجود «ثلث معطّل» (سياسي) يمنع توافر نصاب التئام مثل هذه الجلسة.

ولم يكن عابراً أمس ارتسام مناخ رهان داخلي متجدّد على الجولة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في الخليج العربي ابتداءً من 4 ديسمبر المقبل، علّه يضطلع بوساطة «وجهاً لوجه» لاحتواء الأزمة بين لبنان ودول مجلس التعاون، في ظلّ اعتبار بعض الأوساط أن أي «بصيص نجاح» لمثل هذه الوساطة يقترن بأن تكون سبقته استقالة قرداحي، في مقابل تكرار دوائر سياسية أن «ما انكسر» بين بيروت والخليج بات أصعب من أن يُرمّم خارج إشاراتِ تصحيح ما تعتبره الرياض خصوصاً سقوط لبنان تحت هيمنة إيران «عبر وكيلها حزب الله» واتخاذ سلطاته الرسمية ما يلزم لدرء «الحرب التي يشنّها على المملكة» عبر الحوثيين، وسط اقتناعٍ بأن موقف المملكة ذات الصلة بأمنها القومي واستقرارها وأمان شعبها غير خاضع للأخذ والردّ وهو ما سبق أن عبّرت عنه كل محاولات إخراجها عن «النأي بنفسها» عن الواقع اللبناني التي خاضها ماكرون شخصياً طوال أزمة تشكيل الحكومة.

وفي غمرة كل هذه الانتظارات، تلفت الأوساط واسعة الاطلاع إلى أن المسرح الرئيسي الذي يتحرّك عليه الوضع اللبناني مازال الملف النووي الإيراني الذي يعود الى طاولة المفاوضات في 29 نوفمبر الجاري، وسط اعتبار أن نجاح هذه المفاوضات سيعني ضوءاً أخضر لحصول الانتخابات النيابية في لبنان ربيع 2022 وأن فشلها سيطيح بهذا الاستحقاق ليتدحرج «دومينو» تهاوي الاستحقاقات الدستورية وإدخال البلاد في نفق «المأزق الشامل» على متن الحبال المشدودة إقليمياً والتي قد تنقطع بالنظام برمّته.