IMLebanon

أحزاب السلطة تجمع صفوفها في الانتخابات النقابية تمهيدًا للاستحقاق النيابي

كتب نذير رضا في الشرق الأوسط:

عكست الانتخابات النقابية الأخيرة في لبنان، التفافاً من قبل بعض الأحزاب السياسية الكبرى التي تخطت خلافاتها السياسية، وجمعتها تحالفات انتخابية «على القطعة» أدت إلى فوز المرشحين المدعومين منها، استعداداً للانتخابات النيابية التي لم تظهر ملامح التحالفات فيها حتى الآن، في مقابل «تشظ» في مجموعات المعارضة واختلافات في الرؤى بينها يقوض ائتلافها في قوائم انتخابية واحدة.

وبعد خسارة مدوية حققتها أحزاب السلطة في انتخابات نقابية وجامعية خلال العامين الأخيرين في مرحلة ما بعد حراك «17 تشرين» 2019. استطاعت تلك الأحزاب أن تعيد لملمة صفوفها، وتخوض انتخابات نقابية يداً بيد، بشكل مباشر أو بالاتفاق على دعم مرشحين بعينهم، ما أنتج خسارة للزخم الذي انطلقت به المجموعات المدنية، التي تعاني من «تضعضع في صفوفها»، حسب ما تقول مصادر معارضة، على ضوء «الخلافات فيما بينها على التحالفات الانتخابية، والتعاون مع قوى معارضة أخرى كانت موجودة في السلطة في فترة سابقة».

وتلاقت أحزاب السلطة على دعم مرشحين محددين «فرضهم حضور المرشح وليس الاتفاق السياسي»، بحسب ما تقول مصادر معارضة، وظهر ذلك في انتخابات نقابة محرري الصحافة أول من أمس التي فازت فيها القائمة المدعومة من مختلف الأحزاب اللبنانية برئاسة النقيب الحالي جوزيف القصيفي، وسبقتها انتخابات نقابة المحامين، حيث دعمت أحزاب في السلطة لا تلتقي على عناوين سياسية واحدة، مرشحين، ثم المحامي ناضر كسبار الذي وصل إلى موقع النقيب، وتلتها تجربة انتخابات نقابة الصيادلة التي فاز فيها جو سلوم، وذلك خلافاً لتجربة نقابة المهندسين التي فاز فيها المهندس عارف ياسين الذي رشحته القوى المدنية.

لكن التلاقي السياسي على دعم مرشحين محددين في الانتخابات النقابية، «لا يمكن البناء عليه بوصفه تحالفاً بالكامل»، بالنظر إلى أن كل انتخابات «لها ظروفها وحساباتها». وتقول مصادر قريبة من «حركة أمل» إنه في الانتخابات النقابية، «جرى تقاطع بين الحركة وأحزاب أخرى بينها (الكتائب) و(المستقبل) و(الاشتراكي) مثلا وغيرهم على دعم مرشحين في الانتخابات النقابية، لكن ذلك تحكمت فيه ظروف محددة متصلة بطبيعة الانتخابية، ولا يمكن تعميمها أو البناء عليها على أنها تحضيرات للانتخابات النيابية التي لم تظهر معالم الترشيحات والتحالفات فيها حتى الآن».

وإذ نفت المصادر حصول تحالفات مع أي من قوى المجتمع المدني، قالت إن حركة «أمل» «فتحت الباب للتعاون مع المجتمع المدني منذ ما بعد 17 تشرين 2019، عبر دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لتمثيل الحراك في الحكومة، ثم دعوتهم في العام 2020 للتلاقي مع مطلبه لإقرار قانون انتخابات خارج القيد الطائفي والعبور نحو الدولة المدنية وإنشاء مجلس الشيوخ، لكن تلك المجموعات لم تستجب للدعوة». وقالت المصادر إن الأحزاب «إذا كانت تطور وضعها وتعيد تقييم مسارها، فستكون قيمة مضافة للوطن ولا تستدعي الخوف».

وتتعامل الأحزاب والقوى السياسية مع ملف الانتخابات النقابية بطريقة مختلفة عن الانتخابات النيابية التي تدخل فيها معايير مناطقية وحزبية بما يتخطى النقابات التي يعتبر المرشحون فيها من «النخب» وينتمون بأغلبهم إلى الطبقى الوسطى، ويفرضون ترشيحاتهم في بعض النقابات وبينها نقابة المحامين، على الأحزاب، كما تقول مصادر معارضة.

وبدا أن كل طرف وضع إطاراً لتحالفاته في الانتخابات النيابية المقبلة. ففي حين لم يقفل «الحزب التقدمي الاشتراكي» أبواب التحالف مع «القوات» و«المستقبل» في الدورة المقبلة، تؤكد مصادر «أمل» أن «التحالفات غير مقفلة مع أي طرف ضمن العناوين التي لا تتعارض مع ثوابت الحركة السياسية».

أحزاب المعارضة بدورها، لا تقفل ذلك الباب أيضاً، ضمن «العناوين والثوابت»، ويؤكد النائب المستقيل إلياس حنكش أن حزب «الكتائب اللبنانية» اتخذ خطاً واضحاً منذ سنوات، وحسم تموضعه في المعارضة، وعليه، فإن «كل نشاطاتنا نُفذت مع أشخاص من خارج مجلس الوزراء والبرلمان»، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الأقرب إلينا هم النواب المستقيلون والمجموعات والأشخاص الذين نتوافق معهم على أمرين، أولهما ملف السيادة ومعارضة الدولة ضمن الدولة، وكيفية مواجهة تدمير البلد»، وثانيهما «كيفية إدارة الدولة ومحاربة الفساد»، مؤكداً أننا «نتحالف مع أي شخص أو مجموعة ضمن هذين الثابتين».

غير أن تجربة «تضعضع المعارضة» في الانتخابات النقابية، أظهرت قوى المجتمع المدني وحيدة، ودفعتها لإجراء مراجعة، وسط تباينات جوهرية بين التيارات المدنية والمجموعات السياسية المولودة حديثاً بعد 17 تشرين. وتوضح مصادر معارضة أن الخلافات تبعثر المجموعات في اتجاهين مختلفين يظهران غياب مقاربة واحدة للانتخابات، قائلة: «أحدهما يرفض التحالف بتاتاً مع قوى سياسية كانت يوماً ما ضمن السلطة، والثاني لا يعارض ائتلافات انتخابية مع قوى معارضة، وتلتقي بالعناوين السيادية ومفهوم بناء الدولة معها، أو مع شخصيات مستقلة استقالت من الدولة وأجرت مراجعة لتجربتها». ويُضاف إلى ذلك انقسام القوى المدنية حول الطروحات المرتبطة بالمقاربات الاقتصادية أو العناوين السياسية المتصلة بـ«حزب الله» وغيره.

ويقول أحد مؤسسي مجموعة «أنا خط أحمر» وضاح الصادق إن تجربة المجموعات المدنية في الانتخابات النقابية «تحتاج إلى إعادة تقويم»، من غير أن يخفي التباينات التي دفعت أحزاب السلطة إلى «الاستفادة من عدم نضوجنا في العمل السياسي المعارض، لتحقيق خروقات في المشهد الانتخابي ويقود إلى اتجاه عاطفي ومتطرف بالرأي». ويضيف: «أثبتت التجربة أنه لا يمكن استبعاد كل مكونات المعارضة من أي استحقاق، ويجب أن يكون هناك تعاون لتحقيق الأهداف»، مشيراً إلى أن «تحقيق خرق لنقل المعارضة من الشارع إلى داخل المؤسسات، يحتاج إلى ائتلاف ربما مع قوة سياسية معارضة نلتقي معها بالعناوين السياسية، ونخفض سقف المعايير التي يفرضها شعار (نقاء الثورة) كي نتمكن من الائتلاف مع قوى فاعلة قادرة على إيصال صوتنا إلى المؤسسات».

ويشير إلى «إشكالية داخل صفوف المعارضة» يتمثل في الخلاف حول «تقبل مشروع بناء معارضة جدية على كامل لبنان وآخرين لا يتقبلون هذا الأمر، وهو جزء من المواجهة بيننا يقوض فرصنا لتحقيق خرق كبير في الانتخابات النيابية المقبلة».