IMLebanon

لبنان يسلّم ماكرون “المفتاح” فهل تُقفل الأزمة مع الخليج؟

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية: 

صورتان متناقضتان تحوّلتا عالميّتيْن، واحدة لبلدةٍ لبنانية آسِرة بجمالها وطبيعتها الساحرة، والثانية لـ «لقطةٍ» امتزج فيها الذعر والأمان في لحظة فقدانِ أمنٍ أسرتْ بقعةً لبنانية ونكأت أبشع صور الحرب الأهلية.

هي العدسةُ توّجت بلدة بكاسين (قضاء جزين – الجنوب) كواحدةٍ من أفضل القرى السياحية في العالم بين أكثر من 170 قرية في 75 دولة (في النسخة الأولى من المبادرة بمناسبة انعقاد الدورة 24 للجمعية العامة لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة UNWTO في مدريد)… وهي العدسة أيضاً التقطت «الدعسةَ الزائدة» في اللعب على حافة الحرب الأهلية إبان ما عُرف في 14 اكتوبر الماضي بأحداث الطيونة بين «حزب الله» وحركة «أمل» وبين مناصرين لـ «القوات اللبنانية» والتي انطبعت، الى حصيلتها الدموية، بتحوّل عناصر من الجيش اللبناني «دروعَ حمايةٍ» للمدنيين وخصوصاً الأطفال، وبينهم عسكري صنّفت «رويترز» صورته وهو يُنقِذ تلميذةً ويؤمن انتقالها بسلام إلى ذويها كإحدى صور العام 2021 من ضمن 97 صورة اندرجت تحت هذا التصنيف.

صورتان تشكّلان غيضاً من فيض «ألبوم» راكَم على مدار الـ 2021 مَشاهَد من «الجحيم» اللبناني وعن فقرٍ لم ينفكّ يتسع مع أحزمة الجوع والوجع، حتى تكاد روزنامة السنة التي بدأ العدّ العكسي لأفولها تُختصر بشريطٍ «بالأسود والأبيض» ليومياتِ بؤساء، ما خلا ومضاتِ ضوء من بنات الطبيعةِ وكأنها لتكفكف دموع وطنٍ اقتيد شعبه إلى «تعذيب جماعي».

صورتان من عامٍ لا يشي بأي حال بأنه طوى آخِر صفحاته القاتمة. فما بقي من «السنة الجهنّمية» يَعِدُ بأن لا يقلّ «ضراوةً» وبأن ينقل لبنان إلى 2022 على متن أزمة حكومية مستحكمة منذ 12 اكتوبر الماضي ويتم «التحايل» على تشظياتها الفتّاكة عبر تفعيل عمل الوزارات «بالمفرّق» وتحويل رئيس الوزراء بمثابة «وزير أوّل» في حكومة «ماشية» ومجلس وزراء لا يجتمع.

وإذ لم تكن لاحت أي مؤشرات لاحتمال أن تحمل الأيام القليلة المقبلة انفراجاتٍ على مستوى الإفراج عن جلسات الحكومة التي عُلَّقت على اشتراط «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري تنحية المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، برزت مناخات مفاجئة أمس عن اتجاه وزير الإعلام جورج قرداحي لإعلان استقالته اليوم في سياق تسليم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون «مفتاحاً» في جولته الخليجية لفتح باب النقاش وخصوصاً مع السعودية في موضوع الأزمة مع لبنان التي فجّرتْها تصريحات قرداحي العدائية للمملكة ولدولة الإمارات العربية المتحدة.

وبعدما برزت خشية من أن يكون لبنان الرسمي «تَعايَشَ» مع موجة الإجراءات الأولى الخليجية التي أعقبت بث تصريحات قرداحي مكتفياً بـ «ديبلوماسية تلزيم» المخارج لوساطاتٍ عربية وغربية من دون القيام بـ «الخطوة الأولى» التي تقع على عاتقه والتي تشكلها استقالة قرداحي، سرت معلومات أمس عن أن الفرنسيين ألحّوا على المسؤولين اللبنانيين قبيل بدء جولة ماكرون أن «يسلّفوه» هذه الورقة لينطلق منها في محاولة احتواء الأزمة ووقف تدحْرجها، وسط معلومات عن أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كان التقى وزير الإعلام الأربعاء لحضّه مجدداً على الاستقالة التي كان «حزب الله» رسم حولها خطاً أحمر قبل أن يرتسم أمس جو أقل تشدداً بإزائها عبّر عنه نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم بإعلان «ان هذه الاستقالة مرتبطة بما يقدّره قرداحي والمعطيات التي قد تحصل».

ويسود رصْد لوقع هذه الاستقالة المتوقّع إعلانها اليوم على مسار الأزمة التي تعتمل منذ أواخر اكتوبر الماضي حين سحبت الرياض والكويت والإمارات والبحرين سفراءها من دبيروتولها وأبعدت سفراء لبنان فيما أوقفت السعودية أيضاً كل الواردات من «بلاد الأرز»، قبل أن تؤكد أن «أصل المشكلة» وضعية «حزب الله» وهيمنته على القرار اللبناني بوصفه «وكيلاً لإيران» و«يشارك بإعلان الحرب على المملكة عبر دعمه الحوثيين»، وصولاً لإعلان وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان آل سعود «أننا لا نرى أي فائدة من التواصل مع الحكومة اللبنانية في هذه المرحلة الزمنية»، مضيفا «نعتقد أن الطبقة السياسية في حاجة للنهوض واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحرير لبنان من هيمنة حزب الله وإيران من خلاله».

وفي موازاة ذلك فإن الأنظار شخصت على مسار الانتكاسة الحكومية المتمادية والذي كان تشابك في أحد جوانبه مع «الزلزال» الديبلوماسي بين لبنان والخليج، وسط رصْدٍ لما إذا كانت استقالة قرداحي من ضمن «صفقة» أو مقايضة على قاعدة «نزْع أنياب» القاصي بيطار وكف يده عن ملاحقة الرؤساء والوزراء وتكريس ذلك في عهدة المجلس الأعلى لمحاكمتهم عبر آلية تمر بالبرلمان في ظل رفْض رئيس الجمهورية ميشال عون وميقاتي أي توريط للحكومة في هذا الملف القضائي.

وفيما كانت بيروت تتلقى إشارات إلى إمكان تلاشي ما بقي من «صبرٍ» دولي على القيادات اللبنانية التي تُمعِن في جرّ البلاد من حفرة إلى أخرى أعمق، و«تعليقها» على حِبال الملفات الاقليمية ولا سيما النووي الإيراني ومقتضيات لعبة «الشدّ أو الترخية» على امتداد ساحات نفوذ طهران، برزت إشاراتُ تَشَدُّد صدرت عن رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يحضّ على توجيه دعوة لجلسة لمجلس الوزراء بمعزل عن مآلات قضية بيطار، وهو ما يتريّث فيه حتى الساعة ميقاتي حرصاً على عدم تفجير الحكومة من داخلها.

وعلى وقع ما بدا محاولة من ميقاتي للتكيّف مع تعطيل مجلس الوزراء عبر «الاستعاضة» عن جلساته بلقاءات وزارية وقراراتٍ تمرّ بـ «طريق مختصر» عنوانه الموافقات الاستثنائية، نقلت صحيفة «النهار» عن مصادر رئاسية أن عون أبلغ إلى ميقاتي في لقائهما أول من أمس أنه لم يعد يقبل بمثل هذه الموافقات ولن يوقع عليها بعد الآن ما دامت الحكومة غير مستقيلة ولكن معطّلة ويمكنها الاجتماع واتخاذ القرارات المطلوب اقرارها في مجلس الوزراء.