IMLebanon

بن سلمان يسجّل في مرمى ماكرون! (بقلم رولا حداد)

منذ انفجار مرفأ بيروت وكل مبادرات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تفشل الواحدة تلو الأخرى. زار بيروت في 6 آب 2020 وساهم في امتصاص نقمة اللبنانيين المفجوعين على المنظومة الحاكمة، ثم عاد إلى بيروت مجددا في 1 أيلول 2020 وأعطى مهلة أسبوعين لتشكيل حكومة مصطفى أديب. اعتذر أديب وعاد إلى برلين وتم تكليف الرئيس سعد الحريري، ولكن لم تُشكل حكومة طوال 11 شهراً تدرّجت فيها مطالب ماكرون من حكومة مصغرة من متخصصين مستقلين إلى أي حكومة لا همّ.

اعتذر الحريري وغادر إلى أبو ظبي وتم تكليف نجيب ميقاتي الذي نجح بالتشكيل بعد الاتصال الشهير بين ماكرون والرئيس الإيراني الجديد ابراهيم رئيسي، لكن “حزب الله” ما لبث أن عطّل الحكومة التي لم يكن يرغب وإيران في أن تولد لإبقاء البلد في الفراغ.

ذهب ماكرون في جولة خليجية شملت أبو ظبي والدوحة وجدّة، وطموحه محاولة إعادة وصل ما انقطع بين لبنان من جهة والسعودية ودول الخليج العربي من جهة ثانية. أراد الرئيس الفرنسي أن يمنح لبنان جرعة مالية من الخزينة السعودية وأن يعيد التمثيل الدبلوماسي بين البلدين وأن يعيد فتح خط الصادرات اللبنانية إلى المملكة، وحمل في يده استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي فقط لا غير. والنتيجة تمثلت في البيان السعودي- الفرنسي المشترك الذي صدر والذي شدد فيه الطرفان على ضرورة حصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية وضرورة تطبيق القرارات الدولية 1559 و1680 و1701 في إشارة واضحة إلى ضرورة نزع سلاح “حزب الله”. كما دعا البيان إلى الالتزام بـ”الطائف” الذي هشّمه “حزب الله” بممارساته، كما أشار البيان إلى ضرورة إنجاز الإصلاحات.

هكذا وعوض أن يجر ماكرون ولي العهد السعودي إلى ملعبه، تمكن الأمير محمد بن سلمان من فرض أجندته والتسجيل في مرمى ماكرون وفرض ما تهرّب الأخير من الدعوة إليه منذ انفجار المرفأ وزيارتيه إلى بيروت وحتى اليوم: نزع سلاح “حزب الله”!

لم تغيّر السعودية موقفها قيد أنملة، والبيان السعودي- الفرنسي المشترك يكاد يكون نسخة طبق الأصل عن البيان المكتوب الذي قرأه السفير السعودي في لبنان وليد البخاري من قصر بعبدا إثر الزيارة اليتيمة التي قام بها إلى القصر الجمهوري بناء على دعوة من الرئيس ميشال عون.

ما ظهر أنه تغيّر هو فرنسا في هذا البيان، وهي باتت اليوم محرجة في اتجاه آخر مختلف عشية البدء بالحملات الانتخابية في المعركة الرئاسية الفرنسية التي يسعى فيها ايمانويل ماكرون لتجديد ولايته. فهل يستطيع حاكم الإليزيه في الأشهر الأخيرة من ولايته الأولى أن يفرض على “حزب الله” تنفيذ القرار 1559 وحصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية فقط؟

في هذا الإطار كان من المفيد أكثر لماكرون أن يزور طهران ويقوم بمسعى للوساطة في موضوع سلاح “حزب الله” عوض زيارة جدّة. فالمشكلة اللبنانية والقرار بحلها يكمنان في طهران وليس في أي مكان آخر. فإما أن يقتنع نظام الملالي في طهران برفع هيمنته عن “وطن الأرز” والطلب من حزبه في لبنان تسليم سلاحه إلى الجيش اللبناني لتتمكن الدولة والمؤسسات في لبنان من العودة إلى الحياة، وإما أن يبقى فرحاً باحتلال بيروت وإبقائها في جهنم الانهيار والعزلة.

عبثاً ذهب ماكرون ليبحث عن حلّ في السعودية، لأن الحل المطلوب موجود في إيران إن شاءت، وإن لم تشأ يبقى الحل الوحيد بفرض تطبيق القرارات الدولية ليتسنّى للدولة اللبنانية أن تمسك بزمام قراراتها السيادية، وعندها تستعيد علاقاتها وتهب الدول الخليجية لنجدتها. أما اليوم فإن العقبات أمام التزام لبنان بمضامين البيان السعودي- الفرنسي الصادر عقبات كثيرة يعرفها ماكرون تمام المعرفة مثلما يعرف من يعرقل كل الحلول في لبنان ويمنع حتى انعقاد مجلس الوزراء.

لذلك فإن إيمانويل ماكرون أخطأ العنوان في زياراته، إلا إذا كانت أهداف جولته محصورة بتوقيع بعض العقود والصفقات بين الدول الخليجية والشركات الفرنسية ليتمكن من الترويج لنفسه لولاية ثانية ليس أكثر!