IMLebanon

بن سلمان ساير ماكرون: فرصة “مشروطة” للبنان

منذ عام ونصف العام تقريبا، اي منذ قراره الاشراف من كثب على ملف لبنان، غداة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، يحاول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون جاهدا اقناعَ السعودية بشبك الايدي مع فرنسا والتعاون معها لاخراج لبنان من محنته، اي بوقف سياسة القطيعة مع بيروت التي تعتمدها المملكة منذ سنوات، على اعتبار انها صارت “مقاطعة” ايرانية. الا ان كل جهود ماكرون هذه باءت بالفشل واصطدمت برفض سعودي.

وبحسب ما تقول مصادر دبلوماسية مطلعة لـ”المركزية”، فإن الرياض لم تكتف فقط بالانكفاء عن لبنان، بل صعّدت في شكل غير مسبوق ضد الدولة منذ شهر ونيف، معلنة وإن في شكل غير نافر، دخولَ الدول الخليجية في “حرب” دبلوماسية وتجارية ضدها، اثر تصريحات الوزير السابق جورج قرداحي. الصيف الماضي، زارت السفيرتان الاميركية والفرنسية دوروثي شيا وآن غريو نظيرهما السعودي وليد بخاري في اليرزة، اكثر من مرة، قبل ان تحزما حقائبهما وتتوجها الى الرياض، حيث عقدتا اجتماعات مع مسؤولين في الخارجية السعودية لاقناع المملكة بتليين موقفها من المسألة اللبنانية وبمعاونة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة آنذاك سعد الحريري في مهمته، لما لمباركتها من تأثير ايجابي على عملية التأليف، غير ان المملكة فضّلت البقاء على حيادها، وجُلّ ما تمكّنت الدبلوماسيتان من انتزاعه من الرياض كانت مشاركة في مؤتمر دولي لدعم لبنان “انسانيا”.

لكن ماكرون لم ييأس وقرر المحاولة من جديد. بعد التصعيد وسحبِ دول مجلس التعاون سفراءها من بيروت، توجّه “سيد الاليزيه” الى الخليج متسلّحا بورقة تقديم قرداحي استقالته وبمواقف عدة صدرت طوال الاسابيع الماضية عن نظيره الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي شددت على الحرص على افضل العلاقات مع الدول العربية والخليجية ورفض كل ما يمسّ أمنها. لكن هذه المرة، وخلافا لكل التوقعات، تجاوبت المملكة مع ضيفها.

على مدى اشهر كانت فرنسا تدافع على مسامع القيادات الخليجية عموما والسعودية خصوصا، عن نظرية ان “نفض الرياض يدها من لبنان وانكفاءها عنه، هي ابرز العوامل التي تسببت بتقوية النفوذ الايراني فيها. فبعد ان تركت المملكة الساحة لطهران، اشتدت سطوتها عليها وراحت تسرح وتمرح فيها على هواها. اما عودة الحضور السعودي الفاعل الى لبنان فستخلق توازنا يوقف اختلال الميزان المحلي لصالح ايران”. ومع ان هذه النظرية لا تقنع الرياض التي ترى ان المؤسسات الدستورية في لبنان تغطّي اداء حزب الله وهي واقعة تحت سيطرته، وبالتالي لن تحقق هذه العودة اي فرق، الا ان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز قرر هذه المرة، مسايرة ماكرون. هو لن يعيد العلاقات الى سابق عهدها بين الجانبين طبعا، والحضور السعودي في بيروت لن يعود ايضا الى ما كان عليه “ايام العزّ”، غير ان الرياض ستعطي بيروت فرصة “مشروطة”: اضبطي حدودك، اضبطي الاطراف و”الألسنة” التي تتهجم علينا وتُصدّر الينا السلاح والمسلحين والممنوعات، باشري في الاصلاحات الاقتصادية والمالية الحقيقية وفي محاربة جديّة للفساد، طبّقي القرارات الدولية. وعندها، لن تجدينا الا بقربك، ندعمك بالمساعدات والاموال والاستثمارات… بن سلمان اذا، رمى الكرة في مرمى الدولة اللبنانية، ولم يكسف ماكرون و”أراح” أذنيه من معزوفة “ابتعادك عن لبنان مضرّ”، فانفتح “نصفيا” على لبنان باتصال مباشر اجراه برئيس حكومته، على ان يُكمل هذه الانفتاحة في حال أبلت بيروت حسنا.

فهل ستلتقط المنظومة هذه الفرصة الذهبية وتبني عليها وتُظهر جدية في الاصلاح الاقتصادي و”السيادي”، لتكسب الدعم الدولي والعربي و”الخليجي” فيما البلاد بأمس الحاجة اليه؟ ام انها ستضيّعها من جديد لحسابات حزبية واقليمية وشخصية ورئاسية وانتخابية؟.!