IMLebanon

عسر الكلام… لماذا؟ وكيف؟

كتب أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:

كم من المرات كنّا نريد أن نقول شيئاً ما أو أن نرد على كلام موجّه إلينا ولم نستطع الرد بسبب عدم قدرتنا على الكلام بدون سبب ظاهر. وكم من المرات كنّا نريد أن نواجه احداً ما بسبب تهجّمه علينا ولكن لم تخرج الأحرف من فمنا على رغم رغبتنا في الرد! كما هناك بعض الأشخاص ولأسباب فيزيولوجية لا يمكنهم بسهولة النطق… هذا ما نسميه «عسر الكلام». فما هو هذا الإضطراب؟ وما هي أسبابه النفسية؟ وكيف يمكن معالجته؟

كان جميع علماء النفس وخاصة الذين اهتمّوا بعلم النفس – النمو، يعتبرون انّ عسر الكلام هو محصور فقط عند الأطفال. ولكن العديد من الدراسات في التحليل النفسي فسّرت أن عسر الكلام، إذا لم يكن سببه عضوياً، فيزيولوجياً، سيكون سببه نفسياً. ولا يمكن أن نحصره فقط عند الأطفال ولكن نجد مئات بل آلاف الأمثلة عن أشخاص راشدين توقفوا عن نطق الكلمات من دون سبب واضح.

ما هو عسر الكلام؟

بشكل بسيط عسر الكلام هو توقّف أو صعوبة بالكلام أو نطق الكلمات لتأليف جملة كاملة. نجد عند الشخص الذي يعاني هذا الأمر أنه لا يمكنه ترتيب كلماته بطريقة مفهومة لإعطاء جملة مفيدة. وبسبب شعوره بعدم القدرة على إنتاج جمل تعبّر عن نفسه وعن أفكاره، يمكن أن يعاني في مرحلة لاحقة ضعفاً في الخطاب مع الآخر. أما أسباب عسر الكلام فيمكن أن تنقسم إلى فئتين: أسباب عصابية وأسباب نفسية. الأسباب العصابية يمكن أن تكون ناجمة عن خلل في الجهاز العصبي المركزي أو مشكلة فيزيولوجية في العضلة المسؤولة عن الكلام. أما بالنسبة للأسباب النفسية فيمكن حصرها بالتالي: قلق معمّم أو فوبيا اجتماعية أو أسباب اكتئابية أو توتر أو حتى تقدم بالسن وعدم التركيز وغيرها من الأسباب.

النطق وعمر الإنسان

خلال أول عشرة أشهر من حياته، يبدأ الإنسان بالكلام، كما يبدأ بالتواصل والتفاعل مع صوت الوالدين، ويفرح الطفل بإصدار الأصوات. أما في الشهر الحادي عشر، فيبدأ باستخدام الكلمات ويستطيع ان يفهم حوالى الثلاثين كلمة. وفي عمر السنتين، يصل مخزون الطفل اللغوي الى 300 كلمة ويستطيع أن يربط كلمتين أو ثلاث في جملة (بدون احترام قواعد اللغة) كما يمكنه لفظ اسمه. وفي عمر الثلاث سنوات، يستطيع الولد التعبير بجملة مركبة من ثلاث او أربع كلمات من خلال استعمال الافعال والصفات والضمائر ويبدأ بسؤال «لماذا؟». أما في عمر الاربع سنوات، فيتطور مخزون الطفل حتى يصل الى تسعمئة كلمة. يستطيع احترام القواعد اللغوية بشكل أدق في الجمل، كما يمكنه ربط جملتين والاخبار عن نشاطاته.

ولاحقاً، يستمر الإنسان في تطور تدريجي حتى عمر الست سنوات من ناحية استخدام الجمل المركبة والطويلة وصياغة الافعال بحسب موقعها في الجملة واستخدام الكلمات التي تدل على المكان والزمان بشكل صحيح. ويستمر هذا التطور طول أيام حياة الإنسان، فلا يمر يوم إلا ويتعلم الإنسان كلمة جديدة أو مفردة يستعملها في يومياته. ولكن في بعض الإحيان يواجه هذا التطور بعض المشاكل منها عسر الكلام الذي يمنعه من التعبير بشكل حر عن أفكاره وآرائه.

الأسباب النفسية لعسر الكلام

العديد من الأسباب النفسية تكون كفيلة بعسر الكلام عند الشخص الراشد، ويمكن أن نستعرضها على الشكل التالي:

– عدم وجود حافز للكلام عن موضوع لا يريد الراشد التكلم عنه. مثال: لا يريد شخص أن يتكلم عن موضوع أو أن يجيب عن سؤال معين تمّ طرحه عليه، نجد عند هذا الشخص عدم القدرة للإجابة مع عدم قدرة لنطق الأحرف.

– عدم القدرة على التواصل مع الآخرين يخفف من الثقة بالنفس التي تدعم عسر الكلام خاصة عند البدء بالحوار مع الآخر.

– التقدم بالعمر ومشاكل صورة الذات وعدم تقبل مرحلة الشيخوخة وعدم القدرة على السماع بشكل جيد، كل هذه الأسباب يمكن أن تكون سبباً منيعاً لتبادل الحوار مع المجتمع.

– القلق الإجتماعي يمكن أن يكون سبباً مباشراً لعسر الكلام.

كما انّ هناك العديد من الأسباب النفسية الأخرى التي يمكن أن تؤدي إلى هذه المشكلة، منها الإكتئاب والأمراض النفسية.

الحل؟

عندما يعاني الشخص عسر الكلام وعدم القدرة على التعبير بشكل حر، يجب على الاخصائي النفسي أن يتحرّى إذا كان هذا الشخص يعاني قلقا خفيفا أو معمما أو اكتئابا. كما يمكن اللجوء إلى أخصائي النطق الذي سيساعد في تخطي هذه المشكلة من خلال التمارين الأساسية، فيؤدي دوراً في إعادة تعليم اللغة وإعادة تأهيل قدرات الشخص على التواصل مع العالم الخارجي. يبدأ دوره بتقييم شخصي للمشكلة التي يعانيها. ويساعد هذا التشخيص على معرفة نقاط القوة والضعف لديه. بعد ذلك، يضع خطة علاجية دقيقة وملائمة لقدراته. ومن المهم تدخل الأخصائي بشكل سريع عند وجود المشكلة لإمكانية الوصول إلى الأهداف بشكلٍ أسرع والعودة قدر المستطاع إلى الأسس الطبيعية للتطور. ويقدّم اخصائي النطق واللغة في جلسات مع الراشد الذي يعاني عسر الكلام تمارين لغوية وحوارية لتعزيز التواصل غير اللفظي (التواصل البصري، الإنتباه البصري والسمعي، الذاكرة السمعية والبصرية…)، وتكمن أهمية تلك الجلسات في توسيع المخزون اللغوي عند الراشد، وتركيب الجمل بشكلٍ صحيح ومفهوم (طبعاً هنا نتكلم عن عسر كلام مرضي وبحاجة لتدخل سريع)، كما يعمل الأخصائي على مساعدة الشخص على تطوير المهارات، ألا وهي القدرة على استخدام اللغة ضمن النطاق الإجتماعي.