IMLebanon

الأطبّاء للميسورين والـ”ركّ” على المستوصفات!

كتبت ريتا بولس شهوان في “نداء الوطن”:

إن “انفجرت” مرارة المواطن، يتوجه الى المستشفى. وقبل ذلك، يطلب من الطبيب ان يحدد له ما يجب ان يجري له من فحص للدم للتشخيص، وان يتمنى على المختص “التخمين” بقيمة ما يتقاضاه. هذه المعاناة الصحية التي تزور كل منزل من منازل اللبنانيين تدفعهم إلى تكرار عبارة “الله يبعد عنا الامراض” اذ ان تلك الامراض أصبحت مكلفة. هكذا تجد في كسروان، المتن وجبيل عدداً كبيراً من المواطنين الذين يتوجهون الى مستوصفات “منظمة فرسان مالطا” او تلك التي يموّلها حزب القوات اللبنانية وهذه المعلومات عن تلك المراكز أصبحت متبادلة بكثافة عبر تطبيق “واتس اب” بين سكان هذا المحيط الذين يخبرون بعضهم البعض ان في هذه المراكز هناك طبيب مختص، وفق لائحة طويلة، يقدم لهم كشفية مجانية، وبعدها يحصلون على الدواء مجاناً او يدفعون مبلغاً رمزياً سنوياً. هذا المستوصف هو ملجأ ايضاً لغير القادر على تصحيح اسنانه، فحنان زارت أحد المراكز المدعوم بايجاره من البلدية وهبات خارجية وقامت بتركيب “رصاصة” وهي تعلم انها قد تغيرها كل فترة اذ ان النوعية ليست “باب اول” لكن لا قدرة لديها لزيارة طبيبها الذي كانت تلجأ اليه عند حالات الألم. اما ديزيريه بعد الم مبرح وليال لم تعرف فيها طعم النوم، تمنت على الطبيب المختص “قبع” سنها بدون ان تزرع آخر الذي سيكلفها بالدولار، ألف دولار فريش مما يعني وفق راتبها ما يعادل 10 سنوات من العمل.

الاسنان كما الصحة النسائية التي ما عادت لبعض النساء تدبيراً سنوياً، اذ قد يصل مبلغ زيارة الطبيب لكشف كامل الى المليون ليرة مما دفع نبيلة الى زيارة طبيب أرخص، لان المليون هذه ستتوزع على الادوية، ومراجعات خلال الأشهر القادمة وزوجها غير قادر على تأمين هذا المبلغ لها، ان لم يصب باقي افراد العائلة بما يتوجب زيارة طبيب آخر. وفي اتصال “نداء الوطن” مع عدد من الاخصائيين تبين أن الأسعار قد تبدأ من الـ 300 الف ليرة لتصل الى المليون ان قبل الطبيب بالليرة اللبنانية وذلك حسب التخصص. وسألت “نداء الوطن” بعض الأطباء من نفس الاختصاص لماذا تختلف التسعيرة بين جونية او المتن عن الطبيب في بيروت عللوا ذلك ان تلك العيادات في بيروت التي قد تكلف سنوياً نصف مليون دولار يختلف مصروفها عن تلك في كسروان القادر صاحبها على التخفيف من عبء الفاتورة النهائية.

يعترف عدد من الأطباء الذين اتصلنا بهم انهم ما عادوا يتكلون على المواطن من الطبقة الوسطى اذ برأيهم تلك نادرة. فحتى في المرض وعلاجه هناك سياسة توفير. فعند أطباء الاسنان هناك من يطلب من المختبر ان يؤمن له بضاعة تركية وصينية الا من هو قادر على تحمل تكاليف السوق الأوروبية او الأميركية من المختبرات التي تصنع الاسنان.

شارل سرور وهو طبيب صحة عامة، من الأطباء الذين لا يرفعون اسعارهم لذا يجد مرضى في عيادته بشكل دائم، واحساساً مع المواطن يتقاضى اقل من تسعيرة النقابة التي اطلقتها منذ اشهر وهي 150 الفاً أي 50 الف ليرة علماً انه في السابق كان يتقاضى ما يعادل الـ 20 دولاراً أميركياً.

بعض الأطباء الذين يرفعون اسعارهم الى الـ 400 الف يبررون أنهم بحاجة الى ان يسددوا فواتيرهم مع إدراكهم أنها قيمة مرتفعة على الشعب اللبناني حتى لو كان الطبيب متخصصاً. اذاً الكهرباء وكل مصاريف العيادات ترهق الأطباء وخصوصاً الذين يستخدمون معدات وآلات كهربائية فيخبر احد أطباء الاسنان معاناته لـ”نداء الوطن” مصنفاً ان كل علاج يختلف عن الآخر وقد تبلغ سقوف الأسعار ارقاماً خيالية بالنسبة الى المواطن اللبناني، فالذي كان في وقت سابق يكلف 40 دولاراً على سعر الصرف الف وخمسمئة وهي سعر الرصاصة، أصبحت اليوم تكلف 15 دولاراً على سعر الصرف الحالي أي ثلث الرقم السابق، وهكذا تجرى الأمور على كل المعدات المستخدمة من البنج الذي كان بالف وخمسمئة الف ليرة وأصبح اليوم سعر العبوة مئة الف. هكذا يخفّض من ربحه أي “اجرة اليد” الى ما يعادل الـ 7 دولارات على سعر الصرف 10 آلاف ليرة ليكون ما يحصده من المريض 70 الف ليرة كربح “صافٍ” ولا يمكن رفع الأسعار اكثر من ذلك على حد تعبيره، على المواطن اذ ان المواطنين غير قادرين على تحمل كل هذه التكاليف. يتّكل هذا النموذج من أطباء الاسنان كما متخصصين آخرين على الزبائن الآتين من خارج لبنان اذ يعوضون خسارتهم عليهم فيسددون بالدولار حتى ان بعض الأطباء يسألون مرضاهم اللبنانيين ان كانوا يعملون خارج لبنان او بأي عملة يسدد راتبهم، بما معناه ان كانوا يملكون مالاً كافياً معللين “الطبقية” المستجدة طبياً بين مريض “بالدولار” ومريض “باللبناني”.

الاتكال على الزبائن القادمين من الخارج أي السواح الذين يزورون لبنان كسياحة طبية ما زال يشكل فسحة امل للأطباء الذين يستبشرون خيراً على الرغم من كل السواد المحيط في هذا البلد، غير ان حتى السياحة هذه بسبب كل الظروف الاقتصادية التي تنعكس على القطاع ككل فيتراجع، فهل تضع الحكومة سياسة صحية وهي التي لم تباشر بأي اجراء يذكر في أي قطاع لتنقذ فيه أرواح المواطنين قبل الأطباء؟