IMLebanon

لمَن سيسلّم “الجنرال” مفاتيح قصر بعبدا؟

كتب فاروق يوسف في العرب اللندنية:

لو لم يكن هناك ميشال عون وتياره لقلنا إن لبنان وقع ضحية لحزب الله الذي هو بمثابة سلطة احتلال إيراني. هل هذا كلام محايد فيه قدر من الإنصاف لأطراف عديدة ومنها حزب الله؟

ما لا يمكن الاتفاق عليه أن يكون عون نفسه صناعة إيرانية. ولكن عون في حد ذاته مجرد خروج طفيف على النص اللبناني الذي شهدت لغته تدهورا سريعا منذ أكثر من ثلاثين سنة. يومها كان اتفاق الطائف قد حفز قواعد الوفاق الطائفي على التماسك وهو الأمر الذي رفضه عون بشدة وحارب من أجل أن لا يجد طريقه إلى الواقع.

هُزم عون غير أن اتفاق الطائف قد تم اختراقه في ظل الاجتياح العاطفي الذي قامت به ظاهرة المقاومة التي لم تكن حكرا على حزب الله بالرغم من أنه نجح في أن يستولي عليها ويحتكرها لنفسه ومن ثم يتمدد من خلالها ليضع الدولة تحت إبطه ويسير بها إلى هلاكها.

لنستعد الوقائع. بعد أن تحولت المقاومة إلى مقاولة إيرانية لم تعد في حاجة إلى عاطفة اللبنانيين. عام 2008 كان واضحا أن سلاح المقاومة لم يعد مجرد مجموعة من البنادق تزيّن أكتاف الشباب لتذكّر بأيام تحرير الجنوب التي كانت أشبه بالعيد، بل صار مصدر خطر سيشعر كل لبناني بالخوف في مواجهته. ليس السلاح الذي احتل بيروت يومها هو سلاح المقاومة الذي صار من الصعب التنقيب عنه.

نعم بالتأكيد. تلك حكاية تنطوي على حقائق هي الأخرى صحيحة، غير أنها لا تنفي الحقائق الأصلية ولا تناقضها. كأي جماعة دينية لا يخطئ حزب الله طريقه نحو هدفه في وعد المحرومين والفقراء بحياة أفضل لكن عن طريق الموت أو ما يُسمى بالشهادة. بمعنى أنه سيكون على اللبناني من أجل أن يحظى برعاية حزب الله أن يكون مستعدا لملاقاة الموت في كل لحظة. تلك هي القاعدة التي يعرفها كل شباب الضاحية الجنوبية الذين ذهبوا للموت في سوريا واليمن وحتى في العراق.

الحياة الأفضل من وجهة نظر الحزب مرهونة بالإقبال على الموت من أجل أن يظل المشروع “الشيعي” قائما. وليست تلك التسمية سوى غطاء زائف للمشروع التوسعي الإيراني الذي نجح حزب الله في أن يضع لبنان الدولة في خدمته.

وهكذا يكون عون مجرد تعليق خارجي يمكن الاستغناء عنه في أي لحظة. وهذا ما لم يفهمه جورج قرداحي أنه رجل طارئ على العملية السياسية في بلد، الاستغناء عن رئيسه ورئيس حكومته أمر ممكن في أي لحظة.

عون الذي فشل في أن يكون بطلا في حربه عام 1990 أخفق في أن يحفظ للموارنة كرامتهم في منصبهم الرمزي الذي هو عنوان لبنان الذي قررته فرنسا وهو قرار فيه الكثير من الصواب.

لا يهم هنا إنصاف الرئيس اللبناني كونه خصم نفسه. فهو كان دائما كذلك. المهم ما الذي كان يجري أمامه وهو رئيس الجمهورية من خروقات ومخالفات في حق الدستور هي بمثابة جرائم ضد الإنسانية توجت بجريمة تفجير ميناء بيروت في آب 2020.

لقد اختصرت تلك الجريمة كل شيء ووضعت عون في إطاره الحقيقي حين قال “نحن ذاهبون إلى الجحيم”. معك ودونك فإن لبنان ذاهب إلى الجحيم سيادة الرئيس. ذلك ما يمكن قوله لعون الذي سيرفض مغادرة قصر بعبدا بعد انتهاء فترة رئاسته مستندا على حزب الله الذي قد يتخلى عنه إذا ما وجد حليفا مارونيا شابا.

هل سننتهي من عون لنذهب إلى متواطئ يشبهه ليستمر لبنان في متاهته التي لن تفتح تسوية سعودية – فرنسية دروبها في اتجاه منفذ الخلاص؟

لا يواجه حزب الله الآن أي أزمة. ربما تكون أزمة العيش التي يواجهها اللبنانيون الآن هي ما يرغب فيه. فهو يريد شعبا يعيش تحت خط الفقر. ذلك هو الشعب الذي يطيعه وينفذ أوامره ويذهب معه إلى الموت أو الجحيم الذي تحدث عنه عون المترف. لا يبحث حزب عن بديل لعون بقدر ما يسعى إلى أن يكون قصر بعبدا قبرا كبيرا لآخر رؤساء لبنان.

سيفرح عون لو أنه عرف أنه سيكون آخر رؤساء لبنان. ولكن فرحه لن يطول. ذلك لأنه سيكون أشبه بعبدالله الصغير الذي سلم غرناطة فكانت نهاية الأندلس. سيسلم الجنرال مفاتيح قصر بعبدا إلى حسن نصرالله بعد أن اطمئن إلى أن أثاث بيته قد وصل إلى باريس.