IMLebanon

الحكومة المعلّقة على «حبال المرفأ»: عون يريد «جلسة بمن حضر».. وميقاتي يتفادى الاشتباك

 الثنائي الشيعي باقٍ على المقاطعة.. حتى لو استقالت الحكومة

يعرف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تماما، أن المعادلة التي طرحها من قصر بعبدا «الحكومة ماشية لكن مجلس الوزراء مش ماشي» بمعنى أن الحكومة باقية ومستمرة لكن مجلس الوزراء لا ينعقد، لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية.

فهناك الكثير من الأمور والمسائل الضرورية الملحة التي لا تحتمل تأجيلا وانتظارا، وجدول أعمال مجلس الوزراء بات مزدحما بأكثر من مائة بند حيوي يندرج إقرارها في إطار تسيير عجلة الدولة وأمورها، مثل إقرار الموازنة العامة وإحالتها إلى مجلس النواب، وتشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات، والموافقة على عدد من الاتفاقيات أبرزها استجرار الغاز المصري والكهرباء من الأردن، وتجديد العقد الموقع مع شركة «ألفاريز» للتدقيق الجنائي، وإقرار إصلاحات عاجلة مواكبة للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

لكن الرئيس ميقاتي، ورغم وجود حاجة ماسة لانعقاد مجلس الوزراء، ليس واردا لديه استئناف جلسات الحكومة قبل معالجة الأسباب التي أدت إلى توقفها، ولا يستطيع تلبية رغبة الرئيس ميشال عون بالدعوة الى «جلسة بمن حضر»، حتى لو قاطعها وزراء «أمل» وحزب الله.. والمشكلة ليست في تأمين النصاب العددي لجلسة الحكومة بل في تأمين ما اصطلح على تسميته «النصاب الميثاقي» الذي يسقط بمقاطعة وزراء طائفة معينة. ومن الواضح أن ميقاتي لا يريد تكرار تجربة «حكومة السنيورة» في فترة ما بين 2006 و2007 التي ظلت تجتمع رغم مقاطعة الوزراء الشيعة، ورغم احتجاج الرئيس نبيه بري ووصفه لها بأنها حكومة مبتورة وغير ميثاقية. كما أن ميقاتي يتفادى الدخول في اشتباك سياسي مع الثنائي الشيعي، ويعتبر أن انعقاد مجلس الوزراء في غياب مكون طائفي سيكون بمنزلة قفزة في الهواء، ربما تؤدي الى تفجير الحكومة من الداخل وتسريع سقوطها.

ثمة عوامل أخرى تدفع ميقاتي الى التريث وممارسة ضبط النفس، منها الحرص على علاقته الجيدة مع الرئيس نبيه بري وعلى التنسيق معه ومراعاته. وهذا ما حصل أثناء تشكيل الحكومة بتأييد إسناد حقيبة المال الى يوسف خليل، بخلاف رغبة الرئيس ميشال عون.

يضاف الى ذلك عامل «سياسي تقني» مفاده أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء انتهت من إعداد أكثر من 140 بندا لإدراجها على جدول الأعمال، وأكثر من 80 بندا منها في حاجة الى توقيع وزير المال (الشيعي) لتصبح نافذة، فكيف سيكون عليه الوضع داخل الحكومة في حال امتنع وزير المال عن التوقيع وأعاد المراسيم والقرارات الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء؟! في هذه الحال سيدخل البلد في أزمة سياسية مفتوحة على خلفية أن رئيس الحكومة يتحدى الثنائي الشيعي، وهذا ما لا يريده ميقاتي ولن يقدم عليه.

في حسابات ميقاتي «المتريث» أن الوقت كفيل بحل الأزمة، مراهنا على ارتفاع الضغط الشعبي للمطالبة ليس باستقالة الحكومة وإنما بضرورة وقف تعطيل الجلسات. وفي حسابات ميقاتي أيضا أنه يمكن تعبئة «الفراغ الحكومي» والاستعاضة عن «اللاجلسات» باللجوء الى «الموافقات الاستثنائية» من رئيسي الحكومة والجمهورية على الأمور الملحة، وبعقد اجتماعات للجان الوزارية بهدف تسيير المرافق العامة من دون مجلس الوزراء.

وهذا ما حصل في قرارات رفع الحد الأدنى للأجور وإقرار سلفة شهرية لموظفي القطاع العام، ووضع اللمسات الأخيرة على البطاقة التمويلية، ومتابعة موضوع الإجراءات على الحدود والمعابر. وهناك من يقول إن رئيس الحكومة «مرتاح» لهذا الستاتيكو الذي يرى فيه إنتاجية أكثر من اجتماعات الحكومة.

وهناك من يذهب الى أكثر من ذلك ويقول إن لدى رئيس الحكومة نية مبطنة باستخدام مقاطعة الجلسات وعدم انعقادها لتنفيذ أجندته على انفراد بالاستعانة بفريق مستشاريه، وهذا ما حدث مثلا بإعداد مشروع قانون «الكابيتال كونترول» من دون المرور بمجلس الوزراء.

وبإجراء مفاوضات منفردة مع صندوق النقد من دون تعاون وتنسيق مع رئيس الجمهورية. لكن المشكلة التي يواجهها ميقاتي الآن أنه موجود بين نارين: المقاطعة الشيعية والاعتراض الرئاسي، فالرئيس ميشال عون يريد جلسة لمجلس الوزراء بمن حضر، حتى لو لم يحضر وزراء حزب الله، وليس مستعدا للاستمرار في «الموافقات الاستثنائية».

في الواقع، بدأت التصدعات تظهر في العلاقة بين عون وميقاتي بعد أشهر من التناغم والانسجام في مسائل عدة، كان من بينها التمسك بمبدأ فصل السلطات ورفض البت بمصير القاضي طارق البيطار وإقالته على يد مجلس الوزراء، وبضرورة الفصل بين الملف الحكومي (جلسات مجلس الوزراء) والملف القضائي (التحقيق العدلي).

الموقف من استئناف جلسات الحكومة بات يشكل عامل خلاف وتوتر بين عون وميقاتي، ولكن أيضا، وقبل ذلك، بين عون وحزب الله. عون المستاء من بعض أداء ميقاتي لجهة الانفراد في إدارة ملفات والتقرير في شأنها وتحييد موقع الرئاسة أو لجهة الانحياز الى بري والتنسيق الزائد معه، مستاء أيضا من حليفه حزب الله ويتهمه ضمنا عبر أوساطه بالمشاركة في مشروع القضاء على آخر الفرص المتاحة أمامه لتسجيل إنجازات واختراقات في ملفات أساسية وملحة.

فالرئيس عون، ومع بدء العد العكسي لعهده، لم يعد يمتلك ترف الوقت والانتظار وتأجيل أي ملف، بدءا من ملف التدقيق الجنائي، وصولا الى إجراء تشكيلات وتغييرات في مواقع أساسية في الدولة بينها حاكمية مصرف لبنان.

من الواضح الآن، واستنادا الى الوقائع، أن ثمة اختلالا في العلاقة بين «الرئيس والحزب»: الرئيس عون يتصرف من خلفية أن التحالف مع حزب الله بات عبئا ومكلفا ويعود عليه بالخسائر السياسية والشعبية أكثر مما يدر عليه أرباحا، وحزب الله يتصرف من خلفية أن عون بات من الماضي، وأن الاعتبارات الأخلاقية تحكم العلاقة معه أكثر من الحسابات والمصالح السياسية.

وجاءت أزمة الحكومة لتؤكد على اضطراب أجواء العلاقة الثنائية وعلى وجود «بداية أزمة» تتسرب الى التيار الوطني الحر، قيادة وقواعد، وحيث تكثر الانتقادات بحق الحزب تصريحا أو تلميحا.

مقابل إصرار عون على عدم تنحية القاضي البيطار وعلى عدم ربط موضوع المحقق العدلي بالحكومة وجلساتها، يصر حزب الله على بت موضوع البيطار وربط جلسات الحكومة بهذا الأمر. وإذا كان مطلب الحزب الأساسي هو تنحية البيطار، فإن رأس سقف التسوية الذي يقبل به هو «تقييد» البيطار عبر فصل ملاحقة المدعى عليهم من السياسيين عن التحقيق العدلي. فقد كشف الحزب أوراقه وحدد الأولويات وخريطة الحل لأزمة عدم انعقاد مجلس الوزراء. هو باق على قراره بمقاطعة أي جلسة للحكومة مهما كان الثمن، وحتى لو كان «استقالة الحكومة» أو استمرارها معطلة، وهو يرمي كرة التعطيل بطريقة أو بأخرى في وجه رئيس الجمهورية وفريقه وعلى رأسه النائب جبران باسيل.

الثنائي الشيعي يحمّل عون وباسيل مسؤولية عدم السير بالحل الذي اتفق عليه في «لقاء الاستقلال»، وبالتالي مسؤولية استمرار أزمة الحكومة وعدم انعقادها. إثر هذا اللقاء طرحت فكرة أن يبادر مجلس النواب إلى خطوة تجعل القاضي ملزما بالعمل ضمن سقف محدد. استند أصحاب الوجهة هذه إلى المواد الدستورية التي أثارها الرئيس نبيه بري مع عون وميقاتي، وقد سمع تفهما وقبولا من الرجلين بأن الدستور يوجب الفصل في الملفات. لكن بري لا يريد خطوة من جانب واحد، بل يريد تفاهماً يتيح انعقاد جلسة نيابية بنصاب واضح وتصويت واضح يجعل القرار واضحا وحاسما لجهة اعتبار المحقق العدلي غير مخول دستوريا لتولي ملف الرؤساء والوزراء كما فعل في ملف القضاة المشتبه في مسؤوليتهم عن الجريمة. ولم يقرر باسيل السير في العملية من خلال ليس تأمين نصاب الجلسة فحسب، بل التصويت أيضا. إلا أن باسيل، الذي لا يعارض تسوية هذا الملف، لا يريد مراكمة تأثيرات سلبية على حملته الانتخابية، ويخشى انعكاس خطوة كهذه تراجعا إضافيا في شعبية التيار.

المشكلة التي بدأت بين بري وعون وتطورت لتصبح في جزء منها بين ميقاتي وعون، دخلت مرحلة الضغوط المتبادلة: رئيس الحكومة يرفض الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء، ورئيس الجمهورية يرد بوقف الموافقات الاستثنائية.. رئيس المجلس يضغط بورقة وقف جلسات الحكومة، ورئيس الجمهورية يرد بوقف جلسات مجلس النواب وعدم فتح دورة استثنائية. الثنائي الشيعي يطرح تنحية البيطار أو تصويب مساره أولا، ورئيس الجمهورية يرد بأولوية انعقاد مجلس الوزراء بمعزل عن أي مسألة أخرى. جلسة من دون شروط مسبقة وبمن حضر إذا اقتضى الأمر.