IMLebanon

الأعياد خارج حسابات اللبنانيين

جاء في “العرب” اللندنية:

قبل نحو أسبوعين من موسم الأعياد تفتقد بيروت زحمة أسواقها. تغيب زينة عيد الميلاد وأضواؤه عن شوارعها وتطغى إعلانات شركات تحويل الأموال وبيع الخزنات على عروض الهدايا والألعاب والمشروبات.

بعد عامين من أزمة اقتصادية غير مسبوقة نسي أغلب اللبنانيين بهجة الأعياد التي لم يعد لها طعم عندهم بسبب قلة الإمكانيات. وتغرق الشوارع -حتى في الأحياء الكبرى التي لطالما شكّلت قلب العاصمة النابض- ليلاً في ظلام تتلاشى معه الحركة تدريجياً.

وعوضاً عن إعلانات ضخمة مروّجة للمجوهرات والهدايا والمشروبات وحفلات نهاية العام كما العادة، ترتفع في الطرق الرئيسية المؤدية إلى العاصمة لوحات إشهارية تروّج خزنات وماكينات احتساب الأموال وتخفيضات على التحويلات المالية من الخارج وداخل البلاد.

يقول أحد مسؤولي المبيعات في شركة “سمارت سيكيورتي” المتخصصة في تقديم خدمات في القطاع الأمني “ارتفعت مبيعات الخزنات بين 35 و50 في المئة منذ بدء الأزمة الاقتصادية في العام 2019”.

كما ارتفعت مبيعات أنظمة الأمن الصغيرة، بما في ذلك الكاميرات وأجهزة الإنذار، وفق المسؤول ذاته الذي لفت إلى ازدياد الطلبات كذلك على تركيب غرف محصّنة وخزائن كبيرة الحجم.

ومنذ فرض البنوك قيوداً مشددة على عمليات السحب والتحويلات إلى الخارج عند بدء الانهيار الاقتصادي، الذي صنّفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، اختار اللبنانيون الاحتفاظ بمدخراتهم في منازلهم. وتقدّر قيمة تلك الأموال اليوم بعشرة مليارات دولار.

وجرت العادة أن تكتظ اللوحات الإشهارية على الطرق، سواء منها اللوحات الإلكترونية أو نظيرتها العادية، في مثل هذه الفترة من العام بإعلانات ترويجية احتفاء بالكريسماس، لكن غالبيتها اليوم خالية من الإعلانات أو مطفأة.

وكانت البنوك من أبرز زبائن شركات الإعلانات، وتحل مكانها اليوم شركات تحويل الأموال التي تجذب أموال المغتربين من الخارج لمساعدة عائلاتهم في مواجهة أزمة حادة وانهيار الليرة التي فقدت أكثر من تسعين في المئة من قيمتها مقابل الدولار.

ويوضح رئيس مجلس إدارة شركة “بيكاسو” أنطوني فينسنتي أن عمل شركته -التي تعدّ إحدى أبرز شركات الإعلانات على الطرق- انخفض بنسبة تسعين في المئة مقارنة بما كانت عليه الحال قبل اندلاع الأزمة عام 2019.

ويضيف “الشاشات الرقمية مطفأة، ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى انقطاع التيار الكهربائي”.

وتتجاوز ساعات تقنين التيار الكهربائي 22 ساعة يومياً، ما يجعل كلفة إنارة اللوحات الإشهارية خصوصا -منذ رفع الدعم عن استيراد الوقود، من بينه المازوت الضروري لتشغيل المولدات الخاصة- باهظة جداً ولا تستطيع أي شركة تحمّلها.

في وسط بيروت الذي لطالما شكّل وجهة الباحثين عن هدايا العيد من العلامات التجارية الفاخرة تبدو الحركة خجولة. وعلى واجهة أحد المحال كُتبت عبارة “رغم كل شيء” تضيء وتنطفئ ليلاً.

في أحياء أخرى من العاصمة وضعت أشجار مزينة، لكن أنوارها تنطفئ عندما ينقطع التيار الكهربائي.

في شارع الحمرا الرئيسي في بيروت، حيث المحال التجارية والمقاهي والمطاعم، تبدو أجواء الاحتفالات بموسم الأعياد خجولة أيضاً. ويفتقد الشارع الزينة والأنوار الملوّنة، حتى إشارات السير مطفأة في الشارع الذي اعتاد أن يشهد اكتظاظاً خصوصاً في ساعات الذروة.

وتغيب كذلك أغنيات الميلاد التقليدية التي كانت تصدح من المحال والمقاهي طيلة شهر كانون الأول. وعلى العديد من واجهات المحال المقفلة ألصقت عبارتا “للبيع” و”برسم الإيجار”.

وحدها محال الصيرفة تعمل بلا كلل؛ حتى أن الصرافين باتوا يوزعون أكياساً بلاستيكية سوداء على الزبائن لحمل أموالهم، وذلك على وقع التدهور الكارثي في سعر الصرف.

وكانت منظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة (يونيسف) قد ذكرت أن 77 في المئة من العائلات اللبنانية تفتقر إلى الطعام الكافي وأن 60 في المئة منها لا تشتري الطعام إلا عن طريق الدفع الآجل أو اقتراض المال.

داخل سوبرماركت في حي راق في بيروت يتجاوز ثمن زجاجة الشامبانيا من الحجم الصغير الأبخس ثمناً 900 ألف ليرة، وهو ما يفوق الحدّ الأدنى للأجور المحدد بـ675 ألف ليرة، وما يساوي أقل من 25 دولارا، وفق سعر الصرف الحالي في السوق الموازية.

في السنوات السابقة كانت عروض الأعياد (قوالب الحلوى ومستلزمات الميلاد والزينة…) تكاد تعيق الرؤية داخل المحال التجارية، لكن الوضع هذا العام مختلف تماما.

وتقول كريستين كريدي مبتسمة “ثمّة عرض هذا العام خاص بالمنظفات، اشتر عبوة واحصلْ على الثانية مجاناً”.

وتضيف “أعتقد أنها فرصة للتركيز على المعنى الحقيقي لعيد الميلاد، لكن عليّ الاعتراف بأنني كنت أستمتع بالتسوّق استعدادا لهذا العيد”.

وبينما تدفع عربتها إلى الأمام تقول “على أي حال لم يبق فرح في لبنان سواء أكان في عيد الميلاد أو في أي يوم آخر”.

وقالت ريتا (أم لطفلين صغيرين) لـ”بي بي سي” -وهي تشتري بعض الطعام من دكّان صغير في شارع فرن الشباك التجاري الذي تقطن فيه- إن الوضع الاقتصادي والسياسي السيء في البلاد أثّر على قدرة عائلتها الشرائية. وأكدت أنها لم تستطع شراء ثياب جديدة أو أي هدايا لطفليها، مضيفة “تأمين الطعام أهمّ”.

ويبلغ عدد سكان لبنان حوالي 5 ملايين نسمة، ويضم البلد أكبر نسبة من المسيحيين في الشرق الأوسط حيث يتم الاحتفال بعيد الميلاد في جميع أنحاء البلاد.

ومن المتوقع أن يشهد لبنان بعض الاحتفالات بالكريسماس إثر عودة المغتربين الذين سيأتون لقضاء العطلة في بلادهم، ولكن ذلك لا يعني أن الناس أصبحوا أفضل حالا.