IMLebanon

«حرب الرئاستين» تُمَدّد المأزق الحكومي إلى 2022

 

لم تُسدّ فقط كل المَنافذ التي يمكن أن تُفْرِجَ عن جلسات مجلس الوزراء اللبناني المعلَّقة منذ 12 أكتوبر الماضي، بل إن جدران التعطيل تزداد سماكةً حتى باتت كل الوقائع تؤشر إلى تَمَدُّد الأزمة الحكومية إلى «ما بعد بعد» بداية 2022، في ضوء اشتداد المكاسرات السياسية وأكثرُها ضراوة «الحربُ الرئاسية» على جبهة قصر بعبدا (الرئيس ميشال عون) – عين التينة (الرئيس نبيه بري) والتي بات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي واقعاً «بين ناريْها».

فالحكومةُ دخلتْ «منطقةَ الأعاصير» السياسية والمالية – النقدية والاجتماعية في الوقت الذي يخوض رئيسُها ما يشبه «سباق بدَل» مع «أزماتِ» بيروت في علاقتها مع دول الخليج العربي، متنقّلاً بين وقف «عدّاد» قنبلةٍ موقوتةٍ، وبين التقاط قنبلة أخرى تُرمى بين يديْه من قلب التصدّعات العميقة في بنيان الدولة «المتحلِّلة» التي ينخرها الفساد التقني والسياسي اللذان أوصلاها إلى «الاستسلام» أمام اقتياد لبنان إلى المحور الإيراني بقوة نفوذ «حزب الله»، وهو ما قابلتْه دول الخليج أخيراً بإعلان «طفح الكيل».

 

ولم تحمل الساعاتُ الماضيةُ إلا إشارات تَحَوُّل المواجهة بين عون وفريقه وبين بري إلى مواجهة «لا عودة فيها إلى الوراء وأياً تكن الأثمان والنتائج»، وهذا ما عبّر عنه الجوّ المتصاعد من عين التينة حيث تم تظهير أن المعركة المعلَنة من الثنائي الشيعي (رئيس البرلمان وحزب الله) لإقصاء المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار أعمق بكثير من كونها تستهدف «شخصاً وقاضياً يعمل باستنسابية وتسييس وخلافاً للقانون والدستور»، بل باتت بمثابة «خط دفاع» عن «حقوق المكوّن الشيعي» وعن «منحى لتحميله وزر بيروتشيما».

ولم يكن عابراً في هذا السياق ما نقلتْه صحيفة «النهار» عن أجواء بري من أنه في ما يشبه «الانتفاضة» التي يخوضها بـ«المرقّط» وبسلوكٍ يستحضر مرحلةَ 1984 بمواجهة الرئيس أمين الجميل، وذلك فيما كانت «الملاكمة الكلامية» بين نوابه ونواب فريق رئيس الجمهورية تتخذ منحى تصعيدياً تصاعُدياً يقطع الطريق على أي تسوياتٍ أو مبادرات بدا أن الأزمة تجاوزتْها.

واستوقف خصوم «التيار الوطني الحر» (حزب عون) محاولته المزدوجة لـ «دق اسفين» في العلاقة بين بري و«حزب الله» «وابتزاز» الحزب عبر «تذكيره» بما قد «يخسره في السياسة بعدما ربحه في الحرب» في حال مضى بتعطيل الحكومة التي يحضّ عون رئيسها على الدعوة لانعقادها ولو قاطَعَها الثنائي الشيعي، وذلك في إطار سعيه إلى «كسْر بري» و«الهروب إلى الأمام» من عدم القدرة على تحمُّل الأكلاف الشعبية لأي تغطية لإقصاء بيطار أو تجزئة مهمته وحصْرها بغير السياسيين (رؤساء حكومة ووزراء).

وفي حين كان «التقاصُف» بين نواب بري وفريق عون يتم بـ «عيارات» من نوع الدعوة «لإبطال توكيل رئيس البرلمان بالكلام عن الثنائي الشيعي، وأنا أعلم حجم الحرج الذي يعيشه حزب الله من كلام بري» وفق ما عبّر النائب جورج عطا الله، ليردّ النائبان علي بزي وعلي خريس بلغة «الكذب الذي يجعل صاحبه أسير الوهم» و«كلما جنّ العوني…افرحلوا» و«الهذيان» و«جهنّم التي أوصلنا إليها عهدكم»، بدا رئيس الحكومة على عجْزه عن إدارة هذه الأزمة المتطايرة بغير «الانحناء أمام العاصفة»، وهو أكد أمس «أن المطلوب من الجميع التخلي عن اعتبار الحكومة متراساً للكباش السياسي الذي لا طائل منه».

وإذ اعتبر أن «عدم انعقاد مجلس الوزراء يشكل ثغرة أساسية نعمل على معالجتها بهدوء وروية، لجمع الشمل الحكومي من جديد، بعيداً عن الخطوات المجتزأ»، كرر «ان الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء، في الظروف الحالية المتشنجة، ومن دون تأمين الحد الأدنى من التفاهم ستكون كمن يؤجج الخلاف، ما يؤدي الى تفاقم الامور وتصبح أكثر تعقيداً»، مشدداً على «أن الوقت لم يعد مناسباً للتعطيل أو المكابرة أو فرض الشروط والشروط المضادة فيما مستويات الانهيار تتطلب تضافر كل الجهود للمعالجة».

وأضاف «في هذه المناسبة ايضاً التي نوجه فيها رسالة بأن لبنان عازم على المضي في العمل على تطبيق كل التزاماته الدولية وتقيده بالشرعية الدولية، لابد ايضاً من التأكيد مجدداً تمسك لبنان بعمقه العربي وبعلاقته الوطيدة بالدول العربية الشقيقة ولاسيما دول الخليج العربي.

واستطراداً فإن لبنان، المتمسك بحرية التعبير والقول، لن يكون منبراً ومعبراً للاساءة الى أي دولة عربية أو التدخل في شؤونها.

أما المزايدات في هذا الاطار فلا يمكنها أن تحجب الحقيقة وهي ان العمق العربي للبنان يشكل بالدرجة الأولى المتنفس الحقيقي والمدخل للخروج من الأزمات التي يمر بها».

في موازاة ذلك، كان رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في الخارج خالد مشعل يبدأ لقاءاته في العاصمة اللبنانية التي وصل إليها أول من أمس، على وقع وهج انفجار مستودع ذخيرة في مخيم البرج الشمالي (صور – جنوب لبنان) تابع للحركة التي رفضت الإقرار بأن المخزن يحتوى أسلحة بل «اسطوانات أوكسجين مخصصة لمرضى كوفيد – 19» وأن الانفجار الذي أودى بأحد كوادرها حمزة شاهين «سببه احتكاك كهربائي».

وفيما أثار هذا الانفجار الذي وقع في «أرض القرار 1701» علامات استفهام حول توقيته وملابسات حصوله، فإن الخشية الأكبر تمثّلت في أن يشكل «عود ثقاب» لإشعال الخلافات الفلسطينية المتعددة البُعد وفق ما عبّر عنه استهداف مشيّعي شاهين بالرصاص ما أدى إلى مقتل 3 من «حماس» (وجرْح نحو 10) التي اتّهمت «عناصر قوات الأمن الوطني الفلسطيني التابعة للسلطة الفلسطينية» بالوقوف وراء «المجزرة»، وسط مخاوف من أن يتحوّل لبنان ساحة لصِدام فلسطيني – فلسطيني تمهّد له توترات متدحرجة بين الطرفين في الداخل كما الخارج، وذلك في سياق استهدافاتٍ ذات صلة بأكثر من ملف فلسطيني وإقليمي.

وكان بارزاً أن مشعل اختار تدشين لقاءاته اللبنانية من دار الفتوى التي زارها للمرة الأولى حيث التقى مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، وأطلق مواقف وجّه فيها رسائل إلى الداخل اللبناني ومَن أثاروا موضوع السلاح داخل المخيمات خصوصاً ذات الصلة بـ «محور المقاومة»، في موازاة تأكيده رفض الانجرار الى «احتراب (فلسطيني) داخل المخيمات».