IMLebanon

“ليّ الأذرع” السياسي يشتدّ فوق “التايتنيك” اللبنانية 

لا يقتصر «شَدُّ الأحزمةِ» في لبنان على الواقع السياسي والمالي الذي يُنْذِرُ بمزيدٍ من التهاوي في «سقوطه الحُرّ» وبأن «يَجْرِفَ» معه قطاعاتٍ جديدةً «نَجَتْ» حتى الساعة من الانهيار الشامل، إذ تَدْخُلُ «بلادُ الأرز» مدارَ عاصفة «أوميكرون» بلا أي «أحزمةِ أمانٍ» صحية تَساقَطَتْ الواحدةَ تلو الأخرى على امتدادِ نحو عامين من أسوأ أزمةٍ تضرب الوطنَ الصغير ووضعتْه أمام مخاطر وجودية.

وفي حين تنشغل بيروت في اليومين المقبلين بـ «زيارة التضامن مع لبنان وشعبه» التي بدأها أمس الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس لوضع المسؤولين اللبنانيين أمام مسؤولياتهم في تصحيح المسار المدمّر الذي ينحو بالبلاد نحو مصيرٍ مشؤوم، فإن «أجراسَ التحذير» من موجة «كورونا» فتّاكة أخذت تطغى على «أجراس العيد» الذي يحلّ هذه السنة مُثْقَلاً بفواجع معيشية تتمدّد في مختلف الاتجاهات.

 

وفيما «يستنفر» العالمُ مع العدِّ العكسي لاحتفالاتِ الميلاد ورأس السنة، وسط عودةِ دولٍ لسيناريوات الإقفال شبه الكامل وتشديد أخرى الضوابط في محاولةٍ لتفادي «تسونامي» إصاباتٍ قد يضع القطاعات الصحية بمواجهةِ اختباراتٍ مؤلمة سبق أن عاشتْ «كوابيسَها»، فإن لبنان الذي تحوّل أشبه بـ «دولة زومبي» يُلاقي طلائع «غزوة» أوميكرون – التي سبق معها كل الدول العربية بأعلى عدد إصابات بهذا المتحور تجاوزت السبعين – بلا أي «دروع حماية» في ضوء الوقائع الآتية:

• النقص الكبير في عدد الأسرّة مقارنة مع ما كان عليه الواقع إبان العام الماضي إذ بلغ حينها 2500 في حين لا يتجاوز اليوم 916 سريراً، وذلك بعدما أصابت تشظيات الانهيارِ القطاعَ الاستشفائي والصحي حيث أقفلت مستشفياتٌ أقسام «كورونا» ولم تعد قادرة على معاودة فتْحها في ضوء الأكلاف العالية وعدم توافر آليات مع الدولة والجهات الضامنة لتغطية هذه الأكلاف المرتبطة بالارتفاعات المجنونة في سعر صرف الدولار.

• أن لبنان «يقلع» في غمرة اقتراب «إعصار أوميكرون» من معدل إصابات يومية يراوح بين 1500 و2000، ومن نسبة إشغال لأسرّة المستشفيات يناهز 70 في المئة (نحو 630 حالة استشفاء) وبينها نحو 290 في العناية الفائقة (بنسبة إشغال نحو 78 في المئة)، الأمر الذي جعل أصواتاً ترتفع وبينها لوزير الصحة فراس الأبيض تحذّر من العودة للإقفال الشامل بحال خرجت الأمور عن السيطرة في فترة الأعياد وما يتخللها من اختلاط عائلي كما في حفلات رأس السنة، وإذا لم تنجح السلطات المعنية في فرْض الضوابط التي أعلنت عنها والتي تبدو بالنسبة للكثيرين أبعد من أن تبدّل في المسار الوبائي الذي يبشّر بالأسوأ، وسط وقوع الدولة اللبنانية مجدداً في مفاضَلة «قاتلة» بين أولويتيْن: ترْك فسحة للاقتصاد الذي يعيش على «أجهزة التنفس الاصطناعي»، و«الحق بالصحة والحياة» لمواطنين لم تعُد إلا قلة قليلة منهم قادرة على تحمُّل تكلفة دخول مستشفى والحصول على دواء.

• أن عملية التطعيم واجهت في الأشهر الماضية ثغراً في ضوء تعدُّد أنواع اللقاحات المعتمدة وتردُّد اللبنانيين حيال بعضها، بعدما قُسمت على فئات عمرية، ما تسبَّب بتأخير دورة التلقيح، قبل أن تشهد في الفترة الأخيرة دفعةً كبيرة إلى الأمام مع فتْح الباب أمام جميع مَن هو مؤهَّل عمرياً لتلقّي «فايزر».

ولكن نسبة الملقحين على عدد السكان (من 12 سنة وما فوق) ما زالت نحو 34.9 في المئة (تلقوا جرعتين) ونحو 41.7 في المئة تلقوا الجرعة الأولى، في حين أن عدد الذين تلقوا الجرعة المعززة يُعتبر جيداً نسبياً وهو نحو 250 ألفاً. علماً أن نسبة المسجلين على المنصة الخاصة بالتلقيح يسجل ارتفاعات متزايدة ويومية بحيث ناهز 63 في المئة.

• الهجرة الكبيرة للأطباء والجسم التمريضي والتي تسببتْ بنقص في الكوادر الطبية لا يمكن سدّه، وبدأت آثاره تظهر في العديد من المستشفيات، ما يجعل «جبهة التصدي» لموجة كورونا الآتية مشوبة بـ «خروق» بنيوية خطيرة.

• إن لبنان «يستورد» يومياً عشرات الإصابات بكورونا من دول عدة، في ظل توقعات بأن ترتفع هذه الأرقام في الفترة المقبلة حيث يسجّل المطار كل سنة في مثل هذا الوقت ارتفاعاً في عدد القادمين لتمضية الأعياد مع عائلاتهم، وهي «الطقوس» التي أصبح لها في ظل الأزمة المالية أبعاداً أكثر أهمية، إذ بات المغتربون يحوّلون حقائبهم «صيدليات نقّالة» تحمل أدوية مقطوعة في بيروت أو صارت خارج القدرة على دفع ثمنها مع رفْع الدعم شبه الكامل عن غالبيتها، إلى جانب هدايا العيد التي أضحت حلماً للعدد الأكبر من أطفال الوطن الجريح.

وفي موازاة «السيناريو الأسوأ» بدأت الأزمة الحكومية المستحكمة منذ 12 اكتوبر الماضي، وتَفَجُّر المعارك السياسية بين مكوّنات الحكومة، تأخذ بجريرتها قطاعاتٍ «صمدت» بوجه الانهيار المالي، وآخرها الاتصالات والانترنت الذي كان على وشك أن ينقطع لـ «يختفي» لبنان عن «الوجود» في فضاءاته بما لذلك من تداعيات كارثية أوشكت أن تكون الضربة القاضية.

فوزير الاتصالات جورج قرم حذّر أمس في معرض كشفه «توقف سنترال طرابلس – التبانة وعدد من السنترالات الأخرى بسبب نفاد المازوت»، من «خطر انقطاع الاتصال والانترنت في الساعات والأيام المقبلة تدريجاً على كافة الأراضي اللبنانية»، مشدداً على «وجوب حسم موضوع فتح الاعتماد لهيئة (أوجيرو) بـ350 مليار ليرة لبنانية بعدما كانت أقرّت في مجلس النواب»، وموجهاً «نداءً عاجلاً إلى رئيس الجمهورية ميشال عون بضرورة حلّ هذا الموضوع نهائياً وتوقيع الاعتماد بصورة عاجلة كي تتمكن (أوجيرو) من تلبية حاجاتها، وإلّا على الاتصال والإنترنت السلام».

ورغم ان رئيس الجمهورية استجاب ووقّع هذا الاعتماد أمس، فإن موضوع «الموافقات الاستثنائية» بات جزءاً من «الحرب الرئاسية» بين عون وفريقه وبين رئيس البرلمان نبيه بري على خلفية احتجاز الأخير وشريكه في الثنائية الشيعية «حزب الله» جلسات الحكومة في سياق الضغط لإقصاء المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار أو حصْر مهمته بملاحقة غير السياسيين، في حين يحاول عون فتْح «دفرسوار» عبر حضّ رئيس الوزراء نجيب ميقاتي على الدعوة لجلسة حكومية بمَن حضر والضغط عليه عبر التلويح بوقف منح توقيعه على موافقات استئثنائية من دون العودة لمجلس وزراء «ما زال مكتمل الصلاحيات».

وتسود أوساط سياسية الخشية من أن يكون «لي الأذرع» بين عون وبري أمام محطات أكثر شراسة، في ضوء تَوَقُّع ارتداداتٍ متطايرة للقرار الذي سيصدره المجلس الدستوري يوم غد في الطعن الذي تقدَّم به نواب «لبنان القوي» (كتلة عون) في التعديلات التي أُدخلت على قانون الانتخاب الذي اعتُمد العام 2018، وخصوصاَ لناحية إسقاطه استحداث 6 مقاعد إضافية للمغتربين (الدائرة 16) والإبقاء على اقتراعهم للنواب الـ 128 كل في دائرته، وهي النقطة التي يعتبر «التيار الوطني الحر» أنها «الخاصرة الرخوة» في معركته الانتخابية في استحقاق ربيع 2022.

وإذ تشي أجواءٌ بأن المجلس الدستوري يتجه للخروج بـ «لا قرار» حيال الطعن بما يجعل التعديلات ساريةً، على أن يبقى بيد عون التحكّم بموعد إجراء الانتخابات (أوصى البرلمان بأن يكون في 27 مارس وهو ما رفضه التيار الحر) التي جزم رئيس الجمهورية بأنه لن يوقّع مرسوم الدعوة إليها إلا على أساس أن تقام في 8 أو 15 مايو، فإن من شأن «خسارة» التيار الحر «معركة الطعن» أن يفتح المزيد من «الأبواب الساخنة» ويسعر المشاحنات السياسية فوق «هشيم» واقع مالي ومعيشي مأسوي، وتحت عيون خارجٍ يحضّ اللبنانيين على وقف «التقاتل فوق التايتنيك» وإطلاق مسار الإصلاحات التقنية كما السياسية – السيادية التي ترتكز على قرارات دولية ذات صلة بسلاح «حزب الله» ولن تغيب عن محادثات غوتيريس في لبنان حيث كانت أول لقاءاته أمس مع رئيس الجمهورية.

وكان الأمين العام أعلن فور وصوله الى المطار «عندما كنتُ المفوض السامي لشؤون اللاجئين، جئتُ إلى لبنان مرات عدة، ولمستُ وقتها تضامن شعب لبنان مع العديد من اللاجئين. أعتقد أن الوقت قد حان لنا جميعاً، في العالم، للتعبير عن نفس التضامن مع شعب لبنان. لذلك، إذا أردتُ وصف زيارتي إلى لبنان بكلمة واحدة ستكون كلمة تضامن».
https://www.alraimedia.com/article/1568252/خارجيات/لي-الأذرع-السياسي-يشتد-فوق-التايتنيك-اللبنانية