IMLebanon

«وصْفة أممية» للبنان من «عنصريْن» داخلي و… دولي

 

«… آن الأوان للزعماء السياسيين أن يتّحدوا وأن يتجاوزوا الانقسامات والاختلافات.

وآن الأوان للمجتمع الدولي أن يعزّز دعمَه لشعب لبنان ويتضامن معه».

 

«تركيبةٌ» من مساريْن متلازميْن حدّدهما الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس في اليوم الثاني لزيارته بيروت علّهما «يسمحان لهذا الشعب بأن يستعيد في المستقبل القريب الحياة والازدهار اللذين تميز بهما لبنان في السابق».

ورغم التعاطي مع هذه «المعادلة» على أنها أقرب إلى «تجريب المجرَّب» مع طبقة سياسيةٍ «تَشارَكتْ» غالبيتها في سحق الوطن الصغير تحت أعتى انهيارٍ مالي، سواء بالفساد التقني أو بأخذه رهينة مشروع إقليمي «حتى آخِر نَفَسٍ» من «لبنان الذي كان»، فإن أبعاد هذه الرسالة من غوتيريس انطوت على انضواءٍ ضمني تحت السقف الذي رسمه المجتمع الدولي، مع بعض التمايزات في الأولويات والنبرة، للمسار الذي لا مفرّ منه لإخراج «بلاد الأرز» من الحفرة العميقة والذي يقوم على تولي حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بدعمٍ من مختلف القوى السياسية اعتماد الإصلاحات المالية والهيكلية والبنيوية، وبدء معالجة الاختلالات العميقة في التموْضع الاستراتيجي للبنان في المحور الإيراني وخارج نظام المصلحة العربية على أن تكون انتخابات 2022 النيابية مفتاحَ هذا التغيير المتعدّد البُعد والتداعيات.

وفي حين غابت في اليومين الأولين من زيارة الأمين العام للأمم المتحدة التي يُنهيها الأربعاء، المرتكزات السياسية للأزمة اللبنانية التي ترعاها قرارات صادرة عن مجلس الأمن تتصل بسلاح «حزب الله» والمخيمات وسيادة الدولة على أراضيها، فإنّ هذا العنوان بارتداداته البالغة السلبية التي لاحت مع «الزلزال الديبلوماسي» بين لبنان ودول الخليج، حضر في شكل غير مباشر من خلال كلام غوتيريس بعد لقائه ميقاتي عن «أن هناك سعياً كي يستطيع لبنان إنشاء عقد اجتماعي جديد وتطوير علاقاته مع الدول الخارجية».

أما رئيس الوزراء اللبناني فبرزت مقاربةٌ جديدة لمفهوم «النأي بالنفس» قدّمها على مسامع غوتيريس ويُخشى أن تكون لها تأثيراتٌ على مناخات وقف تدهور علاقات لبنان بدول الخليج والتي كانت برزت عبر «رعاية» الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال زيارته جدّة اتصالاً ثلاثياً ضمّه وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وميقاتي، قبل أن تبلور الرياض وباريس خريطة طريق صارت «خليجية» وتشكل رافعتها القرارات الدولية 1559 و1680 و1701 إلى جانب الإصلاحات التقنية بوصفها الـ «سيبة» لحصول لبنان الرسمي ومؤسساته على دعم مالي وسياسي.

فميقاتي جدّد «تأكيد التزام لبنان سياسة النأي بالنفس عن أي خلاف بين الدول العربية»، وقال: «لبنان لن يكون في مطلق الأحوال إلا عامل توحيد بين الأخوة العرب وحريصاً على أفضل العلاقات مع كل أصدقائه في العالم»، وهو الموقف الذي استوقف أوساطاً سياسية ذكّرت بأن «إعلان بعبدا» الذي تحوّل وثيقةً في الأمم المتحدة ارتكز عليها إنشاء «مجموعة الدعم الدولية للبنان» في 2013 نص على «تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة»، في حين جاءت نسخة رئيس الحكومة «المخفَّفة» وكأنها «تسحب» العنصر الإيراني (وحزب الله جزء منه) من توترات المنطقة التي أحالها إلى «خلافات عربية».

وفي موازاة ذلك، فإن غوتيريس ركّز في محادثاته أمس التي شملت أيضاً رئيس البرلمان نبيه بري ورؤساء الطوائف الرئيسية وزيارة تَفَقُّدية لمرفأ بيروت كما لطرابلس على النقاط الرئيسية الآتية:

• ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، كاشفاً أنه تلقى ضمانات رئاسية في هذا الإطار.

• الالتزام بأن تجري المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ عدد من الإصلاحات الإدارية والمالية اللازمة «كي يتمكن لبنان من الاستفادة من الإمكانات المتوافرة في ظل الدعم الدولي المتاح اليوم ما يضمن البدء بتحقيق نوع من التعافي».

• إجراء المفاوضات البحرية غير المباشرة للترسيم مع إسرائيل، مشدداً على «أننا لن ندخر جهداً لتسهيل المفاوضات للوصول إلى حلّ سريع لترسيم الحدود البحرية حتى يتسنى للبنان الاستفادة من الثروات الموجودة».

• اعتبار إجراء تحقيق حيادي ونزيه وشفاف في «الحدث المأسوي» المتمثل بانفجار 4 أغسطس في مرفأ بيروت أمراً بالغ الأهمية لضمان العدالة، مؤكداً «أن اللبنانيين يستحقون معرفة الحقيقة».

وفي سياق «الرسائل» البارزة، فإن غوتيريس تَعمَّد تكريس جزء كبير من زيارته للقاءات مع المجتمع المدني ومعاينات ميدانية لمناطق لبنانية الى جانب تفقُّد «الخط الأزرق» الحدودي مع اسرائيل وقوة «اليونيفيل»، وذلك في موازاة المواقف القاسية برسم السياسيين الذين كان دعاهم «لأن يستحقوا الشعب»، مؤكداً أنّ «القادة السياسيين لا يملكون عند مشاهدة معاناة الشعب اللبناني الحق في الانقسام وشل البلد».

وتوقّفت الأوساطُ السياسية عند حرص غوتيريس على تثبيت الاحتضان والدعم الأممي للجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية بوصفها «صمام أمان الاستقرار»، وسط تحذيرٍ لافت عبّر عنه قوله «لبنان في محور استراتيجياتنا وأولوياتنا وعلينا أن نتفادى أيّ شكل من أشكال النزاع التي شهدها في السابق لما في ذلك من عواقب وخيمة».

…. صفقة أم لا؟

وإذ ترافقتْ جولةُ الأمين العام للأمم المتحدة في المرفأ مع قيام عدد من الشابات والشبان برفْع شعار «إيران برّا» مع دعوة لتطبيق القرار 1559، فإنّ الشللَ الحكومي المتمادي منذ 12 أكتوبر الماضي شهد أمس أجواء متضاربة بعضها «ضخّ» ما بدا مناخاتٍ متعمّدة عن «صفقة جرى التوصل إليها» في ما خص «أصل» تعطيل جلسات مجلس الوزراء على خلفية إصرار رئيس البرلمان و«حزب الله» على إقصاء المحقق العدلي في انفجار المرفأ القاضي طارق بيطار أو أقلّه كف يده عن ملاحقة رؤساء الحكومة والوزراء وحصْر ذلك بالمجلس الأعلى لمحاكمة هؤلاء.

وبحسب هذه المناخات، فإن الصفقة بين الثنائي الشيعي وفريق رئيس الجمهورية ميشال عون تتضمّن «مقايضة السلّة» التي تنطلق من تولي مجلس الوزراء فتْح الكوة في جدار ملف بيطار عبر تعيينات جديدة تشمل رئيس مجلس القضاء الأعلى، بالتوازي مع مدعي عام التمييز، والمدعي العام المالي ورئيس التفتيش القضائي، وذلك بعد أن يكون المجلس الدستوري مهّد الطريق اليوم لـ «مقايضة» بيطار بقبوله طعن «التيار الوطني الحر» (حزب عون) بتعديلات قانون الانتخاب بما يعيد العمل باقتراع المغتربين لستة نواب يتم استحداث مقاعد لهم عوض أن يقترعوا للنواب الـ 128 الذين يتألف منهم البرلمان حالياً، وهي النقطة التي يعتبرها النائب جبران باسيل جوهرية في ملف انتخابات 2022 النيابية إذ تشكّل نقطة ضعف رئيسية في معركته الشائكة.

على أن هذه الأجواء ناقضتْها أخرى، استبعدت أولاً أن تتوافر الأكثرية المطلوبة في «الدستوري» لقبول الطعن اليوم، مروراً بما نقلته قناة «ام تي في» عن مصادر مطلعة على مواقف رئيس الجمهورية لجهة «أن لا صفقة على حساب التحقيق العدلي الذي يقوم به القاضي بيطار، والرئيس عون لن يقايض تحقيق المرفأ بإعادة تفعيل أي سلطة دستورية»، وسط اعتبار دوائر مراقبة أن مثل هذه الصفقة ستكون أشبه بصفعة شعبية لباسيل، ناهيك عن تداعياتها الخارجية المرجّحة ولا سيما إذا تم توريط الحكومة في إضعاف المحقق العدلي ومحاصرته.

وفي سياق متصل، بَرَزَ «الخروج الغاضب» لميقاتي بعد اجتماعه مع بري وردّه في شكل حاد على سؤال أحد الصحافيين عن نجاح «الصفقة» قائلاً «نحن غير معنيين»، وهو الأمر الذي ترافق مع تسريباتٍ عن نية رئيس الحكومة تقديم استقالته ليلاً بعد زيارة سيقوم بها لقصر بعبدا.

ومع نفي أوساط ميقاتي في شكل قطاع عدم صحة «الإشاعات» المغرضة عن استقالته، فإن الأجواء المتوترة جداً التي سادت لقاءه ببري عكست أن طريق التسويبة مازال مقفلاً، وسط تقارير نقلت أن رئيس الحكومة حاول الاستفادة من الزخم الأممي الذي تعبّر عنه زيارة غوتيريس والمواقف التي أطلقها لإقناع رئيس البرلمان بإحياء جلسات الحكومة ولكنه قوبل برفض من بري الذي تمسك بأولوية الوصول الى مخرج لملف بيطار واعتبار الحكومة مسؤولة في هذا الإطار، فغادر ميقاتي متجهّماً وفجّر غضبه أمام الصحافيين.

وكان ميقاتي أعلن قبيل زيارة بري تعليقاً على تعطيل الحكومة: «بتصير المطبات والألغام السياسيّة موجودة دائماً»، مضيفاً في ما خص إلحاح عون عليه الدعوة لجلسة حكومية بمَن حضر «مازلت أفضّل التريّث على المواجهة فالدعوة إلى الجلسة من دون توافق بين الوزراء أمرٌ غير محبّذ، ولن أذهب باتجاه سيناريو يضعنا أمام استقالات من الحكومة».

وأشار إلى أن «موقف الحكومة واضح، فنحن لا نتدخّل بالقضاء، ولكن على الأخير احترام الأطر الدستورية أيضاً. ونعم أنا مع المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء».

وبرزت إشارة سلبية نافرة من النائب هاني قبيسي (من كتلة بري) الذي رفع السقف بوجه عون وباسيل دون تسميتهما معلناً «الجميع يسعى إلى تكبير المشكلة ونشر الفتنة وزرع الخلافات، بل إلى تعميق الخلافات.

مَن يتولى أمور الناس عليه أن يسعى الى حل للمشكلة السياسية، لأن المشاكل السياسية أوصلت لبنان في ما مضى الى حرب أهلية، ومَن يتبوأ السلطة هذه الأيام ولا يبحث عن حلول، يريد ايصال لبنان الى فتنة داخلية لا ترحم أحداً».

وأضاف: «لا نوافق على ما تطرحون ونحن صوّتنا (في جلسة انتخاب عون رئيساً) بورقة بيضاء لن يتغير لونها ابداً، لأننا مع الحق والحق لا يمكن أن يتغير. وأنت يا من تتمسك بالسلطة تختلف مع جميع قادة الطوائف، فلا تستطيع أن تحكم في بلد طائفي وأنت تختلف مع زعماء الطوائف».

وختم: «إذا أردتم العدالة فعليكم أن تحققوها من خلال اعتقال المجرمين، لا من خلال كيد سياسي.

على الدولة أن تحمي المواطن واذا لم تتمكن من حمايته فعليها أن تستقيل من دورها لا أن تجدد ولايتها».