IMLebanon

موفد بابوي إلى لبنان مطلع العام الجديد

جاء في “المركزية”:

“لنفكر بلبنان، الذي يعاني من أزمة لا سابق لها، وحيث الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تبعث على القلق الشديد”. هذا ما قاله البابا فرنسيس في رسالته التقليدية لمناسبة عيد الميلاد. ولا يفوّت البابا فرنسيس فرصة إلا ويذكر لبنان في صلاته، وها هو يوفد في مطلع العام الجديد وزير خارجية الفاتيكان بياترو غالاغير الى لبنان للاطلاع على الاوضاع عن كثب. كما من المتوقع أن يلتقي البابا رئيس الكنيسة الأرثوذكسية البطريرك كيريل، بطريرك موسكو وكل روسيا. فقد زار مسؤول العلاقات الخارجية في الكنيسة الارثوذكسية المونسينيور هيلاريون الفاتيكان واجتمع مع البابا ناقلا إليه رسالة من كيريل ورغبة في الاجتماع. وكان اللقاء لتحديد موعد الزيارة والترتيبات لذلك، بحيث يكون الاجتماع مسكونيا ويلتقي كيريل اركان حاضرة الفاتيكان. ومن المعروف ان البطريرك الروسي مؤثر جدا في القرار في موسكو وله موقعه ودوره في السلطة ويولي لبنان اهتمامه وقد سبق واوفد المونسنيور هيلاريون الى لبنان اكثر من مرة، فهل من مشروع إنقاذيّ قريب للبنان؟

في زيارة وزير خارجيّة الفاتيكان غالاغير إلى لبنان، يعتبر زياد الصّائغ المدير التّنفيذي لـ”ملتقى التأثير المدني” أنّ “الكرسيّ الرّسوليّ وبتوجيهات مباشرة من البابا فرنسيس، ومُتابعة دقيقة من أمين سرّ الدّولة الكاردينال بيترو بارولين، وتنسيقٍ مع وزير خارجية الفاتيكان المطران غالاغير يقوم بدبلوماسيّة مكوكيّة هادِئة وفاعلة بالاستناد إلى الخطر الوجوديّ الذي يواجهُه لبنان. وقد كان لهذه الدبلوماسيّة التأثير العميق في السياسة الدّوليّة، بل هي باتت مِحوَرها. وما زيارة الأمين العام للأمم المتّحدة، على بعض الفولكلوريّة التي رافقتها، وعدم جديّة النّقاشات التي جرت مع ممثّلين مفترضين عن المجتمع المدني لم يكُن واضحاً معايير اختيارهم، ما هذه الزيارة سوى ثمرة من جهود فاتيكانيّة هائِلة للتأكيد على أنّ لبنان العضو المؤسِّس في الأمم المتّحدة تحت المجهر”.

ويضيف الصّائغ: “بطبيعة الحال ثمّة تنسيق مع جامعة الدّول العربيّة ومصر ومع المملكة العربيّة السّعودية خصوصاً، التي رَعَت اتّفاق الطّأئف، كما مع الأزهر الشريف ومع مرجعيّة النّجف، وهُنا نفهم كم ان الفاتيكان حريصٌ على الموازنة بين فرادة لبنان اللّبنانيّة  وانتمائِه إلى الهويّة العربيّة، كما ورد في إعلان بيت مري حول لبنان السيّد حقيقة عربيّة في نهاية تشرين الثاني الفائت، وبالتّالي ارتباطِه العضويّ بمنظومة الأسرة الدّوليّة لحقوق الإنسان والحريّات بما هو نموذجٌ في التنوّع”.

وعن أيّ إمكانيّة لتشكيل خارطة طريق إنقاذيّة في زيارة غالاغير، يُشير الصّائغ إلى “أنّ الفاتيكان يعلَمُ عميقاً جذور الأزمة في لبنان، ويعِي أنّ محاولاتٍ حثيثةٍ لتغيير هويّته قيد التّنفيذ وهو يُناهِضُ جهاراً حِلف الأقليّات واستِدعاء الحمايات، وثابِتٌ في موقِفه من موجب قِيامِ الدّولة المدنيّة، دولة المواطنة الحاضنة للتنوّع، وهذا خطٌّ ترجمه البابا فرنسيس في كلّ مساره، وكان أوجه في توقيع وثيقة الأخوّة الإنسانية مع شيخ الأزهر، ومن بعدها في زيارته للسيّد علي السيستاني في النّجف الشريف. من هنا أهميّة المسار الدّيني في العمليّة الإنقاذيّة في ظِلّ تورّط المنظومة السياسيّة الحاكمة في تدميرٍ منهجيّ للبنان، وهنا يجب أن نؤكّد على خطورة تحالُف المافيا – الميليشيا القائم”.

أمّا عن خيبة الفاتيكان من لقاء الأولّ من تمّوز، وتراجُعه خطواتٍ عن الدّعوة لقمّة إسلاميّة – مسيحيّة فيكتفي الصّائغ بالقول: “في فمِنا ماء. وحكمة الفاتيكان وتاريخُه النّضاليّ من أجل كرامة الإنسان، ولبنان العيش الواحِد أبعد من أن تتأثّر بانفعالاتٍ وأجندات. بوصلة الفاتيكان أخلاقيّة ولا أحَد يؤثّر عليها مهما نخر السّوس هنا. فلنترُك للفاتيكان دراسة خطواتِه، وهو على تواصُلٍ مع لبنانيّات ولبنانييّن مستقلّين فاعلين مُنزَّهين، ومن يثبُت إلى المنتهى يخلُص كما يقول السيّد المسيح. يبقى الحديث عن زيارة البابا فرنسيس الى لبنان، وهو وحده يحدّد توقيت ذلك، بالاستناد إلى معايير واضحة المعالِم بما يعني إنطلاق مسار دقيق لوقف الإنهيار في لبنان”.

وبالإشارة إلى زيارة بطريرك موسكو كيريل إلى الفاتيكان ولقائه المُرتقب مع البابا فرنسيس فيستعيد الصّائغ ما قالَه من أسابيع لـ”المركزية”: “الفاتيكان يعي ضرورة إنجاز مسار حِواري مع روسيا حول القضيّة اللبنانيّة بصفتِها تؤدّي دوراً فاعلِاً في الشرق الأوسط، وبالتّالي من الواضِح أن لا تمايُز أميركيّأً – أوروبيّاً – روسيّاً – عربيّاً عن خياراتِ إنقاذ لبنان، وبالتّالي مع الطّابع المسكوني الأرثوذكسي – الكاثوليكي للزّيارة، والحضور القويّ الذي سيكون لأزمة روسيا – أوكرانيا، خصوصاً وأنّ الكاثوليك يشكّلون حوالي 10% من مجمل المسيحييّن في أوكرانيا، فإنّه من المُرجّح بالتأكيد أن يكون لبنان على جدول الأعمال بقوّة، بالإضافة إلى سوريا، وفي تقديري سيُتابع بعدها البطريرك كيريل نِقاشاً هادئاً مع كنيسة أنطاكيا الأرثوذكسيّة، مع الاعتِراف باستقلاليّة كلّ من الكنيستين، سيُتابع البحث في مآلات موقف هذه الكنيسة من الأزمة في سوريا، بالاستناد إلى الحاجة لتنزيه أيّ تموضُعٍ عن أجنداتٍ سياسيّة مُحدَّدة”.

ويختم الصّائغ: “الكرسيّ الرسوليّ لا دبابات لديه ولا جُنود، لكنّه يمتلك ثباتاً في الحقّ ونَفَساً طويلاً في معالجة جذور الأزمات وليس مسبِّباتها. وأسِف لأنّ قياداتٍ مسيحيّة “مفترضة” في لبنان تخلّت عن ثوابت الكيان اللّبناني، وهذه جريمة خيانة عظمى توازيها قياداتٌ أخرى “مفترضة” اختارت التّواجُه في حين يجب أن تلتقي على المصلحة الوطنيّة العليا، وهنا للكنيسة المارونيّة الأمّ دورٌ أساسيّ في إيقافِ هذا الإنحدار، وللانتلجنسيا الوطنيّة دورٌ أيضاً في إنهاء مسار شدّ العصب الطّائفيّ – المذهبيّ إذ لا حقوق لأيّ طائفة، بل هناك حقوقٌ فقط للمواطن اللّبنانيّ، أمّا الضمانات فهي للجماعات الرّوحيّة تُقدّمها الدّولة المدنيّة، ودولة الدستور والقانون والكفاءة، دولة المواطنة، دولة السّيادة الناجِزة، دولة حصريّة السّلاح بيد القوى العسكريّة والأمنيّة الشّرعيّة، لا أحلاف أمراض النّفوذ وأيديولوجيّات الغيبِ التّائهة. نحتاج توبةً في زمن الميلاد. لبنان الرّسالة سينتصر. لبنان العيش الواحِد أقوى. هذه رسالة إنسان لبنان”.