IMLebanon

عام جديد.. والآليات الدفاعية عند اللبناني

كتب د. أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:

يومان ويودع العالم عام 2021، التي كانت سيئة على العالم أجمع وسيئة جداً على لبنان. ويستقبل الجميع عام 2022، وكلنا آمل أن تحمل معها راحة البال، والطمأنينة ومقومات الحياة للإنسان في لبنان والعالم. فربما مفاجآت سارة تنتظرنا جميعاً في هذا العام الجديد، أو ربما ستصعب المعاناة وستتكاثر الصعوبات التي واجهها جميع اللبنانيين خلال العام المنصرم. و»لولا فسحة الأمل»، لم يواجه الإنسان صعوبات جمّة لذا، لنتسلّح بالإيجابية ونواجه المآسي. ولكن، يتمتع أيضاً اللبناني بالآليات الدفاعية التي تساعده في تخطّي مشاكله. فما هي الآليات الدفاعية عند الإنسان؟ وكيف يمكن للبناني أن يواجه مشاكله بآليات دفاعية غير واعية؟

ها هي سنة 2021 تنتهي، وكلنا نقول لها «بدون رجعة». وإستطاع وبصعوبة كبيرة أن يتخطّى بعض اللبنانيين هذه السنة بالرغم من الإضطرابات النفسية والمآسي الإجتماعية التي نواجهها كل يوم. ولكن كلنا نتساءل ومن دون توقف: كيف يمكن للبناني أن يتحمّل هذه الأعباء كلها؟ ألا يحق له أن يعيش براحة وطمأنينة؟ والجواب بسيط لهذا السؤال وهو: بفضل الآليات الدفاعية يستطيع أي إنسان أن يواجه الصعوبات. فآليات «الدفاع النفسي» هي ردود فعل لا واعية، تهدف إلى حماية الإنسان من «قلق» يهدّد أمنه النفسي. فعندما يشعر أو يفكر الإنسان بقلقه، ولا يريد أو يواجهه، يستعمل بشكل غير واعٍ الآليات الدفاعية. وتمّ إستعمال هذا المصطلح في علم النفس عامة والتحليل النفسي خاصةً. وأحياناً يمكن أن نجد نصوصاً أدبية تُستعمل فيها مصطلحات الآليات الدفاعية.

تعريف الآليات الدفاعية

تُعرّف الآليات الدفاعية أو Mecanisme de défences بأنّها بعض العمليات اللاواعية التي تلجأ إليها «الأنا» لحماية الإنسان من قلق معين أو إضطراب / مرض نفسي في الأعصاب أو حتى في الذهان.

أول من تكلم عن الميكانيزمات الدفاعية هو أب التحليل النفسي «سيغموند فرويد» من خلال تفسيره لنظرية التحليل النفسي: «يُعتقد أنّ الآليات الدفاعية تحمي «النفس» من المشاعر والأفكار التي يصعب على «الأنا» التعامل معها». ويضيف «فرويد» بأنّ «الآليات الدفاعية تعزل النزوات والأفكار غير اللائقة وغير المرغوب بها وتمنعها من ولوج العقل الواعي»، كما انّها تخفف من الآلام النفسية وخصوصاً القلق الذي يُعتبر هو أساس لكل إضطراب نفسي. ويعني ذلك بأنّ الإنسان الذي يمرّ بمرحلة صعبة من حياته، ويواجه الكثير من التحدّيات، كاللبناني الذي يعيش «كل يوم بيومه» من دون أي آفاق لمستقبل زاهر. لذا، وللتخفيف من قلقه تجاه المجهول، يستسلم اللبناني للآليات الدفاعية بشكل غير واعٍ. ودور الأنا (أي الشخصية التي تربط الواقع الداخلي مع الواقع الخارجي) هو إيجاد التوازن ما بين الإضطراب (القلق مثلاً) الذي يواجهه هذا الإنسان وكيفية تقليصه.

الآليات الدفاعية وحياتنا اليومية

خلال يومياتنا، خصوصاً كلبنانيين، نلتجئ وبشكل واضح إلى الآليات الدفاعية. فبعض الأحيان يكون اللبناني واعيًا لاستخدامه الآليات الدفاعية، إلّا أنّ معظم الحالات تكون من دون وعيٍّ. فإذا كان لديك مسؤولية كبيرة تجاه شيء ما، قد يلجأ عقلك إلى نسيان هذه المسؤولية، وذلك لتجنّب المهمة المقيتة (التي فيها قلق). وهناك العديد من الآليات الدفاعية منها مع أشخاص ضمن تكيّف ومنها غير تكيف. ومثال على ذلك: التبرير والإنكار والقمع والإسقاط والرفض والتكوين العكسي. وكلنا يُلاحظ، بأنّ للآليات الدفاعية مهمّة إيجابية تجاه القلق المفرط عند الإنسان، ولكن بعض الأحيان تكون الآلية الدفاعية مُضرّة، مثال التجنّب خصوصاً إذا كان الشخص يلجأ طوال الوقت إلى الآليات الدفاعية بشكل مبالغ فيه وعمل التحليل النفسيّ، في كشف الآليات الدفاعية الخفية واستبدالها بطرق أكثر صحيّة للتعامل مع القلق.

الآليات الدفاعية اللبنانية

من أكثر الآليات الدفاعية التي إستعملها اللبناني خلال سنة 2021، والتي لطالما إستعملها في السنوات السابقة هي التالية:

أولاً، المُزاح، حيث يصوّب اللبناني كل مآسيه إلى الجوانب الطريفة أو المُثيرة للسخرية. هذه الطريقة ممتازة للتخفيف من قلقه.

ثانياً، التسامي، أي إستبدال مشاعر القلق بأفكار أكثر ملاءمة وحضارية أو حتى فنية. وآمن فرويد بأنّ التسامي دليل على نضج الفرد؛ حيث يتيح للفردِ المجالَ ليتصرّف بشكلٍ طبيعي ومقبولٍ اجتماعياً.

ثالثاً، الكبت والقمع النفسي، هي الآلية الدفاعية يرافقها الشعور بالذنب والقلق. يعمل على إبقاء الذكريات في معزلٍ عن الوعي. إلّا أنّ الذكريات المكبوتة لا تختفي، بل تؤثر على تصرفاتنا. وفي بعض الأحيان وبشكلٍ واعٍ يتم كبت ذكريات أليمة، وهذا يُعرف بالقمع النفسيّ. الكبت يُعتبر أساس ظهور باقي الميكانزيمات الأخرى، يظهر ذلك في الأحلام، زلات القلم، فلتات اللسان، وهذا كله بهدف تخفيض حدّة القلق النفسي والجسدي.

رابعاً، الإيثار – الغيرية (الإهتمام بالآخر) أو أن يُرضي الفرد احتياجاته الداخلية عبر مساعدة الغير والانتماء للآخرين أو اللجوء إلى الآخرين طلبًا للدعم النفسي.

خامساً، الإزاحة، هي قيام الشخص بالتنفيس عن إحباطه ومشاعره ونزعاته على أفرادٍ وأشياء لا تبعث التهديد في نفسه؛ لتكون ككبشِ «محرقة».

سادساً، العقلنة، فبسبب حدة القلق يتمّ إستعراض الأحداث من منظورٍ علمي وتحليليّ. فلا جانب عاطفي بل التركيز فقط على الجانب العقلاني وتفسير الآلام أو المشاكل بشكل علمي فقط.

سابعاً، الإنكار، وهو أكثر آليات الدفاع النفسيّ شيوعًا؛ فيبدو الشخص عاجزاً عن رؤية الواقع أو الاعتراف بالحقيقة الشفافة. كما ويُعرف الإنكار بأنّه رفضُ الإنسان رفضًا قطعيًّا الإقرارَ أو التسليمَ بوقوع حدثٍ ما في الماضي أو بأنّه يحدث حاليًا في الحاضر.

ثامناً، الإسقاط، حيث ينسب الشخص إلى الآخرين ما لا يتقبّله من صفاته ومشاعره. ويتيح الإسقاط للشخص التعبير عن توقٍ شديد أو رغبةٍ مُلِّحة بطريقةٍ لا يلاحظها الأنا، وبذلك يخفف من حدّة القلق.

تاسعاً، التبرير، وهو تفسير التصرفات والمشاعر غير المقبولة بأسلوبٍ عقلانيٍّ أو منطقيّ، مع تجَنُبِ الأسباب الحقيقية الكامنة وراءها.

سلوكيات الأهل الإيجابية تجاه أطفالهم

هناك بعض السلوكيات التي يمكن أن تساعد الأهل في تلقين أطفالهم الروح الإيجابية لسنة 2022:

– الإبتعاد عن المواضيع السياسية بشكل مفرط وإستبدالها بمواضيع تهتم لها العائلة.

– التفسير للطفل الأسباب التي تؤدي الى مشاكل في الدولة بشكل بسيط ومناسب لعمر الطفل، والإبتعاد عن إستعمال الكلمات غير المناسبة أمام طفلنا.

– تدريب الأطفال على التفاعل الاجتماعي وعدم الانسياق خلف المؤثرات والانفعالات الوجدانية والعاطفية.

– الهدوء في المعاملة مع الأطفال مهما كانت حالة العائلة الإقتصادية صعبة. فلا تنسوا بأنّ الطفل لا ذنب له بما إقترفه مسؤولو هذه الدولة.

وفي نهاية هذا المقال ونهاية سنة 2021، لا يسعنا إلّا أن نتمنى للجميع بشكل عام وللبنانيين بشكل خاص، سنة جديدة، حاملة معها طمأنينة البال والإنتماء لوطن.