IMLebanon

طرح عون للامركزية المالية يدخل لبنان في انقسام طائفي

كتب يوسف دياب في “الشرق الاوسط”:

عكس خطاب الرئيس ميشال عون حول اللامركزية المالية الموسعة، خلافاً جوهرياً بين المكونات السياسية اللبنانية أثار مخاوف أطراف لبنانية رأت فيه مدخلاً للتقسيم المقنّع.

ولا يختلف اثنان في لبنان على أهمية اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة التي نصّ عليها صراحة اتفاق الطائف الذي انبثقت منه وثيقة الوفاق الوطني والدستور، إلا أن اللامركزية المالية باتت موضع انقسام طائفي واضح، بحيث إن أغلب القوى المسيحية لا تعترض على هذا الطرح، وإن لم ير فيه البعض أي جدّية، لا سيما أن مبادرة عون تأتي في الأشهر الأخيرة من عهده.

ويرى النائب والوزير السابق بطرس حرب أن «الطائف نصّ بوضوح على اللامركزية الإدارية الموسعة لتكون على مستوى القضاء، عبر إنشاء مجالس محليّة لإدارة شؤون المنطقة، وأن تتضمن مشاريع إنمائية سواء لدى البلديات أو إدارات الدولة». ويؤكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «اللامركزية المالية إن ترافقت مع اللامركزية المالية والإنمائية، لا تعني لا مركزية القرار السياسي أو الفيدرالية، بمعنى أنها لا تستطيع أن تتخذ قرارات سياسية بمعزل عن الدولة المركزية»، معترفاً بأنها «فكرة جديدة أتت نتيجة هيمنة بعض الأحزاب المسلّحة على قرار الدولة المركزية ومواردها المالية».

ولا يجد حرب حرجاً في تقبّل فكرة اللامركزية المالية «شرط ألا تتعارض مع وحدة الدولة اللبنانية». ويقول: «لو طبقنا الطائف بكل بنوده ومنها اللامركزية الإدارية لكنّا وصلنا تلقائياً إلى اللامركزية المالية، ولما بقيت البلاد تحت قبضة السلاح والفاسدين»، معتبراً أن هذا الأمر «يعطي المناطق حقّ الاستفادة المالية من دون المساس بالشأن الوطني العام ومن دون أن تكون مدخلاً للفيدرالية أو التقسيم».

اللافت أن أشدّ خصوم عون في الشارع المسيحي (القوات اللبنانية) يؤيد فكرة اللامركزية المالية، وإن شكك بنوايا رئيس الجمهورية وفريقه، حيث وصف قيادي في حزب «القوات اللبنانية» كلام الرئيس عون بأنه «مجرّد تمنيات» لا ترجمة لها على أرض الواقع. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «اللامركزية الإدارية والمالية كانت جزءاً من إعلان النوايا بين (القوات) والتيار الوطني الحرّ، وتمّ إقرارها في اتفاق معراب الذي انتهى وسقط منذ سنوات»، لافتاً إلى أن «اللامركزية المالية عبارة عن مشروع تنموي لا يرتبط بالفيدرالية أو التقسيم، إلا أن مبادرة عون أتت متأخرة ولا تعدو كونها كلاماً للمزايدة والاستهلاك والاستنهاض الشعبي في الشارع المسيحي».

الترجمة الدستورية لكلام عون، لا يمكن فصلها عن الواقع السياسي المتأزم، الذي يطرح عناوين خلافية في ذروة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها لبنان، وفي البعد القانوني يشير الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك إلى أن «نصوص الطائف واضحة لجهة اللامركزية الإدارية الموسعة». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «اللامركزية الإدارية في حال تطبيقها ستستتبع بلامركزية مالية حكماً، وهذا لا يعني إطلاقاً انفصال عن الدولة المركزية».

وبغض النظر عن خلفيات طرح الرئيس عون في هذه المرحلة، يشدد مالك على أنه «لا سبيل للخروج من الأزمات والتراجع في الخدمات واستشراء حالة الفساد، إلا باعتماد اللامركزية، وهذا يحتاج إلى شرح واتفاق مسبق على كيفية تطبيقها، وإلّا تكون مبرراً لطروحات الفدرلة أو التقسيم». هذه الأفكار المقبولة في الوسط المسيحي، تلاقي رفضاً قاطعاً في الشارع الإسلامي، إذ نبّه النائب ياسين جابر، عضو كتلة «التحرير والتنمية» ورئيس لجنة تطبيق القوانين في البرلمان، إلى أن «طروحات الرئيس عون تجاوزت ما هو متفق عليه في الطائف». وذكّر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المقصود باللامركزية الإدارية هو تسهيل المعاملات الإدارية للمواطنين». وعبّر عن تخوفه من جنوح البعض نحو فكرة انسلاخ كل فريق عن الآخر. وقال: «عندما كنّا نناقش في اللجان النيابية موضوع اللامركزية الإدارية، تفاجأنا بأن أفكار بعض الزملاء (نواب التيار الوطني الحرّ) تنسف ما جاء في الطائف وتظهر الجنوح نحو الرغبة بأن يعيش كل فريق لوحده، وهذا ما تسبب بتوقف الاجتماعات التي خصصت لبحث تطبيق اللامركزية الإدارية».

ولفت النائب جابر إلى أن «التجربة السويسرية في الفيدرالية مختلفة عمّا يريده البعض في لبنان»، وأضاف: «في سويسرا معلوم أن المناطق الغنية تموّل المناطق الفقيرة، أما نحن وبعد 100 عام على قيام دولة لبنان الكبير، يريدون العودة إلى التقسيم»، مشيراً إلى أن «ثمة مناطق استفادت إلى أبعد الحدود من خيرات الدولة وأنشأت بناها التحتية على حساب مناطق أخرى، واليوم يطالبون بالاستقلال»، مذكراً بأن «الدول لا تبنى على قاعدة الغني يأكل الفقير».

من جهته، أعلن الوزير السابق ونقيب المحامين الأسبق رشيد درباس، أنها «ليست المرة الأولى التي تطرح فيها اللامركزية المالية»، مستغرباً «إمعان البعض في فرز المواطنين على قدر الضرائب التي يسددونها». وقال درباس لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الطرح لا يدفع إلى الفيدرالية فحسب، بل إلى الاستقلال وهذا انقلاب على الطائف». وحذّر من «محاولة خلق مالية مستقلّة لكلّ فريق توطئة لإنشاء جيش مستقلّ ثم سياسة خارجية مستقلّة، وهذا يدغدغ حساسية البعض على أبواب الانتخابات النيابية»، مشدداً على أن «الضريبة التي يدفعها اللبنانيون، يعود صرفها لسياسة الحكومة وليس لسياسة الكنتونات، وبالتالي فإن اللامركزية المالية ليست سوى هرطقة لن توصل إلّا لمزيد من الشرخ والانقسام».