IMLebanon

استعدادات لخطوات دولية تثير غضب السلطة

جاء في “المركزية”:

ثبت بالوجه الشرعي ان سياسة المناكفات والجدل الطائفي والحشد المذهبي هي احدى الوسائل الناجحة – في وقت افتقدت فيه موارد الدولة التي يمكن استغلالها – من أجل استقطاب اللبنانيين وشد العصب للفوز بالمواقع واحتفاظ القوى السياسية بـ “الرايتنغ الشعبي”. فهي من انجح السياسات والاستراتيجيات المعتمدة لبنانيا منذ فترة من الزمن وفي اوقات حرجة للهروب من مظاهر الفشل والتهرب من المسؤولية والتنصل من تبعاتها وإنكار حجم المأساة التي يعيشها اللبنانيون.

يعترف اكثر من طرف كان ضحية لهذه المعادلة عبر “المركزية” بأن من اتقن هذه السياسة، اعطي الدفع الكافي من بيئته الشعبية فمضى في المواجهة التي ضمنت للطرفين المتواجهين ما يريدونه من تحشيد، الى ان دفع آخرون الثمن حتى ان بعضهم غاب عن الساحة السياسية وخصوصا اولئك الذين احتفظوا لأنفسهم بالسياسات التقليدية فعقدت السنتهم امام المد المذهبي والطائفي ولم يتمكنوا من مواجهة “التسونامي” الذي تسبب به.

على هذه الخلفيات، ومن دون العودة الى سلسلة التجارب التي اعتمدت في انتخابات العام 2018 وتلك التي رافقت العديد من الازمات التي لجأ خلالها ابطالها الى بيئاتهم المذهبية للحماية، جدد المراقبون الحياديون التحذير من الانجراف الشعبي وراء ما يجري تحضيره من سيناريوهات تهدف الى تحقيق هذه التوجهات. ومن هذه المنطلقات بالذات دعا المراقبون الى رصد المواقف التي يمكن ان ترفع من منسوب التوتر الطائفي التي تقود الى تضييع المسؤولية الملقاة على الدولة اللبنانية بمختلف أدواتها الحكومية والادارية كما القضائية والنقدية من اجل اعادة تصويب البوصلة والتركيز على توحيد سبل المواجهة لمعالجة الازمات. فما اقفلت عليه السنة الماضية من مواجهات بين أهل الحكم دلت على أولويات مختلفة لدى كل منهم وان التقوا على أي من منها، فهم مختلفون حول كيفية مقاربتها ومعالجتها.

وإن دخل بعضهم في التفاصيل يضطر الى العودة الى ما انتهى اليه العام المنصرم على معادلة مربكة قد تستمر في الأشهر الاولى من العام الجديد في ظل فقدان أي توجه يوحي ان هناك نية لدى أهل الحكم بتغيير أي من استراتيجياتهم المعتمدة. ففي الوقت الذي نجح فيه “الثنائي الشيعي” في كربجة العمل الحكومي وتأثيرات ذلك على السلطة القضائية وما تركته من احداث امنية أمكن ضبطها، فإن ما عبرت عنه عطلتا الميلاد ورأس السنة من قطيعة بين كبار المسؤولين ابعدت التوقعات باحتمال استغلال هذه الفترة من أجل البحث في ما يمكن القيام به تاركين البلد رهينة المواجهات التي سجلت بين أهل الحكم ومنها التي شاهدناها بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وسط صمت القوى الاخرى ولا سيما الثنائي الشيعي الذي كانت سياساته وكيفية التعاطي معها سببا في الخلاف الذي تظهر بينهما في الأيام الاخيرة .

عند هذه المحطة، دعا المراقبون الى رصد المواقف التي ستحفل بها الساعات المقبلة انطلاقا من المواقف المنتظرة لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل المقررة غدا وما هو منتظر من كلام سيطلقه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مطلع الاسبوع المقبل لرصد بورصة التوجهات المقبلة. علما ان مثل هذه المواقف ستكون لها تردداتها على اكثر من مستوى. فإن عودة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من عطلته العائلية في لندن لن تغير شيئا، وإن واكبتها عودة الرئيس سعد الحريري فقد يتغير شيء ما، على الاقل، قد ينتهي اللغط الذي واكب الحديث عما ينوي القيام به في المرحلة المقبلة بعدما تعددت السيناريوهات المتداولة.

وبانتظار معرفة اتجاه الريح التي ستلف البلاد وما ستكون عليه المواقف المربكة والمشتتة، يبدو واضحا ان الاسابيع المقبلة ستقود البلاد الى مدار الانتخابات النيابية ولن يطول الوقت لتظهر اولى التفاهمات التي يمكن ان تتحكم بالتحالفات الانتخابية في المدى الذي لا يتجاوز الشهر الاول من العام الجديد قبل ان تضغط المهل الدستورية لتفرض اخرى قد لا تكون مألوفة وهو ما سيزيد من حال الارباك التي تسببت بها الازمة النقدية والمالية والتي قد تقود الى اسوأ انتخابات نيابية – كما يتوقعه كثر من الداخل والخارج – بحيث ستتحكم بعض الدولارات الطازجة التي تستعد بعض القوى لاستخدامها بالكثير مما هو منتظر على فظاظته.

وعليه، تحدثت مصادر ديبلوماسية مطلعة عن توجهات دولية لفرض رقابة اقسى وادق من قبل، على مجريات العملية الانتخابية، وهو ما سيثير عاصفة من الرفض الذي ستعبر عنه قوى السلطة التي بدأت تشكك بأداء منظمات المجتمع المدني والقوى التغييرية كوسيلة لإبعاد شبح المراقبة الدولية على الانتخابات والتي سيزيد من ازمتها الفشل المنتظر بإطلاق بعض البرامج الإغاثية تحت شعار تعزيز “الحماية الاجتماعية” لعلها تكون مادة اغراء للناخبين. وما يدل الى مثل هذه النية أرجاء البعض منها ان نجحت في استكمال المراحل التحضيرية لها الى توقيت يقترب قدر الامكان من فتح صناديق الاقتراع لاستغلال النفوذ وهو ما سيؤدي الى رفع منسوب الاتهامات التي ستوجه الى أركان السلطة على خلفية تورطهم وغرقهم في سباق سيكون علنيا لتقاسم ما تبقى من موارد الدولة ومردود المساعدات الدولية المنتظرة ان وصلت الى ايديهم.

انطلاقا من هذه المعادلات المتشعبة لا يبدو ان مطلع العام الجديد سيحمل شيئا من المتغيرات المرغوب بها على اكثر من مستوى فما أورثه العام المنصرم للعام الجديد، سيفرض حلا من الروتين القاتل الذي سيزيد من آلام اللبنانيين ومعاناتهم ما لم تظهر بوادر انتفاضة شاملة تتلاقى فيها القوى التغييرية على توجه واحد وتشكيلات انتخابية واسعة تعيد النظر بتركيبة المجلس النيابي الذي افتقد فيه المشرعون ورجال القانون والدستور في ظل سيطرة أصحاب الفتاوى الجاهزة غب الطلب وتعزز مواقع سلاطين البلاط في كل المواقع.