IMLebanon

رؤساء الحكومات السابقون: التجارب مع عون لم تكن مشجعة

كتب محمد شقير في الشرق الأوسط:

لم يحمل الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله أي جديد، وواصل هجومه على المملكة العربية السعودية في محاولة للقفز فوق الخلاف بين حليفيه «حركة أمل» و«التيار الوطني الحر»، لعله يتفادى، كما يقول رئيس حكومة سابق لـ«الشرق الأوسط»، الإحراج الذي يحاصره، وإن كان تذرع بالحديث عنه في إطلالة لاحقة، مبدياً تفهمه مطالبة النائب جبران باسيل بتطوير «تفاهم مار مخايل» على قاعدة التمسك به.

فنصر الله حصر خطابه في التهجم على السعودية، كما يقول رئيس الحكومة السابق؛ الذي فضل عدم ذكر اسمه، بالنيابة عن طهران، وتصرف على أنه «الناطق الرسمي باسمها في المنطقة، من دون أن يأخذ على عاتقه مقاربة الخلاف المستعر بين حليفيه بعد أن خرج عن السيطرة، مع أن مصادر محسوبة على محور الممانعة في لبنان ترى أنه أراد أن يقول عن السعودية ما لم تقله طهران؛ مما أدى إلى رفع منسوب الاحتقان السياسي في لبنان الذي ينازع من أجل البقاء بعد أن حلت به الكوارث من كل حدب وصوب من دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراج لتفادي الانهيار الذي أوقعته فيه المنظومة الحاكمة».

ولم يلتفت رئيس الحكومة السابق إلى دعوة نصر الله للحوار استجابة للرغبة التي كان أبداها رئيس الجمهورية ميشال عون تأكيداً منه بأن دعوته هذه ولدت ميتة لإضاعة الوقت من جهة؛ وللاستهلاك المحلي من جهة ثانية، ويعزو السبب إلى أن نصر الله ومن قبله حليفه جبران باسيل «أوديا بها قبل أن ترى النور؛ لأن من يرد تحضير الأجواء للحوار؛ فلا يبادر إلى إطلاق رصاصة الرحمة عليه، رغم أن صاحب الدعوة يفتقد المصداقية التي يمكن أن توفر الضمانة لتنفيذ ما يمكن أن يُتفق عليه في حال تأمين النصاب السياسي لإحيائه لئلا يقتصر الحضور على أهل البيت وآخرين من باب رفع العتب».

ويؤكد أن هناك استحالة أمام استئناف الحوار «ما دام من يرعاه هو من أعاق تنفيذ ما اتفق عليه في حوارات سابقة وأسهم تحالفه مع حليفه (حزب الله) في تعطيل المؤسسات الدستورية؛ وصولاً إلى احتجازها، ولم يفرج عنها إلا بعد أن أيقن أن طريقه إلى الرئاسة الأولى أصبحت سالكة»، ويقول إن من أخفق في تحقيق ما تعهد به في خطاب القسم الذي ألقاه فور انتخابه رئيساً للجمهورية؛ «لن يكون في مقدوره تحقيقه بمفعول رجعي وهو يستعد لإنهاء ولايته الرئاسية التي لم يبق منها سوى أشهر عدة».

ويكشف عن أن دعوة عون للحوار «مردودة من قبل رؤساء الحكومات السابقين، ويتعاملون معها على أنها ساقطة سلفاً، ليس هرباً من تحملهم المسؤولية؛ وإنما لأن تجاربهم السابقة معه لم تكن مشجعة بعد أن تخلى بملء إرادته، استجابة لطموحات وريثه السياسي باسيل، عن دوره كحامٍ للدستور ورمز لوحدة البلاد، ما أفقده القدرة على التوفيق بين اللبنانيين والتدخل من موقعه كحكم عن دوره لحل النزاعات والعمل لتقريب وجهات النظر».

ويرى رئيس الحكومة السابق أنه «لم يعد من هم لدى عون سوى تأمين جلوس باسيل إلى جانب الآخرين على طاولة الحوار في محاولة لإعادة تعويمه سياسياً لعله يسترد شعبيته التي أخذت تتراجع بسبب توفيره الغطاء السياسي لـ(حزب الله) وتماديه في خرق سياسة النأي بلبنان عن صراعات المنطقة»، ويقول إن عون «تسرع في إبداء رغبته بدعوة القوى السياسية للحوار؛ لأن عامل الوقت لم يعد لمصلحته، وهو يتفرغ الآن لتوظيف نفوذه الذي أخذ يتهاوى لعله يوفر الخدمات السياسية لباسيل لإنقاذ وضعه الانتخابي، اعتقاداً منه بأنه يشكل له؛ بالتناغم مع (حزب الله)، رافعة تعيد له الاعتبار في الشارع المسيحي».

ويتهم عون بتوزيع الأدوار مع «حزب الله» بالتفاهم مع باسيل؛ «لإيهام الشارع المسيحي بأنه يعيد النظر في تحالفاته وصولاً إلى تطوير ورقة التفاهم، وإنما هذه المرة بطبعة جديدة يوهم فيها المسيحيين بأن حليفه استجاب لشروطه بتعزيز سلطة الدولة على كامل أراضيها»، ويسأل عن جدول أعمال الحوار والتحضير له، ويقول: «هل هجوم نصر الله على السعودية يخدم الحوار؛ أم إنه يفخخ الطريق إلى بعبدا ويزرعها بالألغام، رغم أن دعوة عون لا تلقى استجابة من قبل خصومه فيما يضطر البعض لتلبيتها إذا لم يسحبها من التداول لاعتبارات تتجاوزه إلى مواقفهم المبدئية من الحوار».

ويعدّ رئيس الحكومة السابق أن إدراج مسألة الاستراتيجية الدفاعية للبنان على جدول أعمال الحوار يأتي متأخراً؛ «لأن من رفض إدراجها منذ اليوم الأول لانتخابه رئيساً للجمهورية بخلاف ما تعهد به في خطاب القسم، سيبقى عاجزاً عن استحضارها في الأشهر الأخيرة من ولايته، خصوصاً أن ما صدر عنه من مواقف فور انتخابه لا تدعو للتفاؤل، ولا تنم عن رغبته في طرحها بنداً أساسياً، وإلا؛ فكيف يوفق بين قوله، وبعد أول زيارة له للسعودية فور انتخابه رئيساً، إن الجيش اللبناني لا يزال في حاجة إلى سلاح المقاومة لردع الاعتداءات الإسرائيلية عن لبنان، وبين استعداده اليوم للتوافق على استراتيجية تبقي سلاحها تحت كنف الدولة؟».

وفي هذا السياق، يسأل عن «الأسباب التي أملت عليه تعليق البحث في الاستراتيجية الدفاعية وترحيلها إلى ما شاء الله، وهل تتصل مباشرة باسترضاء (حزب الله)؛ وهذا ما كان يروج له الفريق السياسي المحسوب على عون بذريعة أنه من غير الجائز بحثها الآن ما دامت الأطماع الإسرائيلية بلبنان ما زالت قائمة؟».

ويضيف أن من عطل تنفيذ ما تقرر في الحوار منذ أن استضافه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في أبريل (نيسان) عام 2006؛ «مروراً باللقاءات الحوارية المتنقلة بين مقر الرئاسة الثانية في عين التينة والقصر الجمهوري في بعبدا إبان تولي العماد ميشال سليمان رئاسة الجمهورية، لم يعد الآن في الموقع الذي يسمح له بإعادة الاعتبار للحوار الذي اصطدم بامتناع النظام السوري عن ترسيم الحدود وضبطها لوقف التهريب وبرفضه في الوقت نفسه جمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وضبطه بداخلها».

لذلك يُجمع من هم على خلاف مع عون على التعاطي مع دعوته للحوار على أنه «يحاول من خلالها الاستحصال على براءة ذمة لن تكون في متناول يده محلياً وخارجياً بعد أن اشتبك مع خصومه؛ وبينهم من شاركوا في انتخابه رئيساً للجمهورية». ويرى خصوم عون أنه هو من أنهى صلاحيته السياسية بانحيازه إلى محور الممانعة بقيادة إيران من خلال تحالفه مع «حزب الله»، ولن يستعيدها بدعوته إلى حوار لن يرى النور يتطلع من خلاله إلى خفض لائحة الخسائر السياسية التي مُني بها «العهد القوي» الذي لم يبق له حليف إلا «حزب الله».