IMLebanon

لماذا يتحمَّس “الحزب” للانتخابات؟

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:

واضح أنّ الكلام الجدّي حول الانتخابات النيابية قد انطلق، وبدأ المعنيون جميعاً بالاستعداد للمعركة. وإشارة الانطلاق صدرت من جانب «حزب الله» على ما يبدو، بعد فترة من التردّد أو الغموض. ويقول المتابعون إن «الحزب» يستعدّ لمعركة الانتخابات بالتكتيك الذي يعتمده المقاتلون في العمليات العسكرية، وهو تكتيك يبرع فيه، ويقوم على قاعدة ذهبية: «جبهتنا الداخلية تبقى باردة ومضمونة، ويدور القتال بعيداً على أرض العدو، فيتحمّل هو الخسائر في أي حال».

في بيئة «حزب الله»، تُسجَّل دينامية مستجدّة نحو إجراء الانتخابات في أيار. وهذا ما تترجمه الكوادر بالاستنفار الذي أطلقته في الأوساط القريبة والحليفة. ويتردّد أن «الحزب» أجرى تدقيقاً للنتائج المحتملة للانتخابات، وفق القانون الحالي والظروف التي ستحوط بالانتخابات في أيار، واستنتج أنها «مطَمئنة».

فلا تغييرَ ذا شأنٍ في توازنات السلطة يمكن أن ينشأ عنها. وفي تعبير أكثر دقَّة، ليس متوقعاً أن تنهزم الغالبية الحالية، لأن القوى المقابلة بشقيها، أي «شراذم» 14 آذار و17 تشرين منشغلة بالقتال في ما بينها، وتحاول تحييد «الحزب» أو استرضاء أحد حلفائه لتدعيم حضورها في الانتخابات.

وفي الاستنتاج، يُستبعد أن تأتي انتخابات 2022 بما يخالف نتائج 2018. فالقانون المطبَّق لم يتبدَّل، وسيأتي بالنتائج إيّاها. والخروقات التي قد تحدُث في بعض المواقع ستكون طفيفة، وستأخذ من حصص المسيحيين والسُنّة فقط. وفي أي حال، هي لن تصل إلى المسّ بالتوازن الحالي الذي يصبّ في مصلحة «حزب الله». ولذلك، من مصلحة «الحزب» تسهيل إجراء الانتخابات، فيحقق 3 أهداف بضربة واحدة:

1 – أن يُظهِر للمجتمع الدولي وللعرب ولبعض القوى الداخلية أنه عنصرٌ بَنّاء في التركيبة السياسية اللبنانية، وأنه ملتزم ضوابط اللعبة الديموقراطية ويحترم الاستحقاقات الدستورية في لبنان، وأنه يتجرّأ ويسهِّل الانتخابات، بكل ثقة، على رغم أنه يتربّع اليوم على قمة هرم السلطة والنفوذ، وعلى رغم أنه يمتلك كل الأوراق وكل الذرائع التي تسمح له بتطييرها، عندما يريد.

وهذا الأمر يساعد «الحزب» على «تبرئة ذمته» تجاه الخصوم الذين يتَّهمونه بالخروج عن الانتظام العام وزعزعة الاستقرار في لبنان، ويجعل من الانتخابات فرصة لتجديد مشروعيته. وستسكت الأصوات التي تنادي بالتغيير الديموقراطي، والتي تقول إن اللبنانيين – بعد ثورة 17 تشرين وانفجار المرفأ والانهيار المالي والنقدي- باتوا يحمّلونه مع حلفائه في السلطة مسؤولية الخراب، وأنهم ينتظرون أول استحقاق ديموقراطي لتغيير هؤلاء.

2 – عندما تُجرى الانتخابات، ويتجدَّد تكريس الغالبية الحالية، سيكون لدى «الحزب» كل المبرّرات ليغطي نفوذه في داخل السلطة، مع حلفائه، بغطاء ديموقراطي وشرعي. فما الذي تستطيع القوى الدولية والعربية أن تفعله حينذاك، ما دامت الانتخابات التي راهنت عليها قد جدّدت الوكالة له ولحلفائه؟

في هذه الحال، سيبدو أن «الحزب» هو الأكثر تمسكاً بما اختاره الشعب، فيما سيضطر خصومه الداخليون إلى تبرير هزيمتهم باستثارة الشكوك حول نزاهة الانتخابات وحريّات المرشح والناخب.

وسيضطر هؤلاء إلى استعادة العنوان القديم الذي لطالما رفعوه أساساً، وهو: «لا ديموقراطية يمكن تطبيقها ولا انتخابات سليمة في ظل نفوذ «حزب الله» وإيران، والمطلوب رفع الهيمنة عن القرار اللبناني قبل أي أمر آخر، لأن أي سبيل آخر سينتهي إلى الفشل». وفي مراحل كثيرة جرى التمسك بهذا العنوان، لكنه أيضاً لم يؤدِّ إلى نتيجة.

3 – سيرتكز «حزب الله» إلى النتيجة المريحة التي سيحققها في الانتخابات النيابية، من أجل التفرُّغ لاختيار رئيس للجمهورية خلال الأشهر الخمسة التالية. ولكن، في الوقت عينه، ستكون الانتخابات النيابية معياراً لتقويم مستويات الزعامة عند المسيحيين المتنازعين أساساً، أي إنها ستتكفّل بتظهير «الماروني الأقوى»، والذي يمكنه أن يرفع لواء «الأقوى» ليقول «الأمر لي» في بعبدا.

يعني ذلك أن خارطة التحالفات التي سترتسم في الانتخابات ستكون أساسية في تحديد هوية الرئيس المقبل. وعلى خط هذه التحالفات، سيكون «الحزب» قادراً على الدخول بسهولة وإجراء مباريات الدخول للمرشحين وتحديد دفاتر الشروط وعقد الصفقات.

هل يدرك خصوم «حزب الله» هذه التفاصيل أم إنهم غافلون عنها؟ وإذا كانوا يعرفونها، فلماذا لا يستعدون للمعركة بحجم التحدّي الملقى على عاتقهم، وعلى الأقل بما يقتضيه الحال من التضامن والتنسيق؟

أما إذا كانوا عاجزين عن التضامن والتنسيق، فلماذا يتشدقون بالشعارات التي لا حياة لها؟ وهل يمارسون هواية الترشّح للدعاية الشخصية أو لمجرّد الترشّح؟ وهل صحيح أن بعض المرشحين «المتحمّسين» هم فعلاً «أحصنة طروادة» لمنظومة السلطة، لا أكثر ولا أقل؟