IMLebanon

هل ينفجر الأمن الهشّ بـ”صاعقٍ” اجتماعي؟

كتب وسام أبو حرفوش في “الراي الكويتية”:

تتعاظم المخاوف في بيروت من انفجارٍ ما يتخذ شكل الفوضى الأمنية أو أحداث تخلط الأوراق. فانسداد الأفق السياسي عشية انتخاباتٍ يخشاها البعض، مصحوباً بانهيار مالي – معيشي يشي بالجنوح نحو الارتطام الكبير، والانكشافُ الداخلي على المكاسرات الإقليمية… كلها عوامل تجعل العينَ مصلتةً على الواقع الأمني المترنح فوق… الفوهة.

وغالباً ما كان الاحتقان في لبنان يولد انفجاراً أو اغتيالاً من شأنه تعديل قواعد اللعبة، وهو ما يجعل الجميع الآن متوجساً في لحظة «السقوط الحر» وتمادي اللعب فوق حطام الخطوط الحمر مع العد التنازلي لاستحقاقاتٍ مفصلية كالانتخابات النيابية والرئاسية التي تصادف مع بلوغ أزمةِ آليات تشغيل النظام السياسي والمالي مستوياتٍ لا سابق لها.

وحتى إفراج الثنائي الشيعي «حزب الله» وحركة «أمل» المفاجئ عن جلسات مجلس الوزراء التي يُتوقَع استئنافها الاثنين المقبل بعد انقطاعٍ لأكثر من 100 يوم، لم يدفع أحداً للاعتقاد أنه مؤشر لانفراجٍ سياسي بين مكوّنات مجلس الوزراء ولا سيما رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه، ورئيس البرلمان نبيه بري الذي تَشارك مع الحزب في اقتياد الحكومة «مخفورةً» إلى أجندة أولوياتهما التي تمثلت في إقصاء المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، قبل أن تفرض ديناميات الانهيار وتداعياته المعيشية المروّعة، ناهيك عن «الموت السريري» لمهمة كبير محققي «بيروتشيما» (عبر خروج الهيئة العامة لمحكمة التمييز من «الخدمة» وتعذُّر حتى إصدار قراره الظني)، أن يعيد الثنائيّ التموْضع تحت سقف «بنك أهدافه» نفسه ولكن وفق «عملية انتشارٍ» لا تجعله «كيس رمل» عن مختلف الأفرقاء السياسيين في تلقي تشظيات الغضبة الشعبية حيال الوقائع الاجتماعية المروعة.

وإذ كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يزور عون، أمس، استعداداً للجلسة الحكومية لبحث مشروع قانون الموازنة ومواضيع حياتية ملحّة، لم تتبدّل الانطباعات بأن إحياء الحكومة ليس سوى «هدنة» لتهدئة «الدفعة التعزيزية» لمسار الانهيار التي شكّلها تحليق الدولار إلى حدود 34 ألف ليرة قبل أن تنطلق محاولات ضبْطه الصامدة حتى الساعة عند نحو 25 ألفاً، وسط استمرار رصْد كيف سيردّ عون على «زكزكة» بري عبر تحديده «إطار العودة» لجلسات الحكومة، وفق جدول أعمال محصور بالموازنة وخطة النهوض وقضايا معيشية، بما يمسّ ليس فقط بصلاحيات رئيس الوزراء بل أيضاً رئيس الجمهورية الذي يصعب أن يسلّم بهذا الأمر من منطلق دستوري وأيضاً سياسي في ضوء أولويات فريقه التيار الوطني الحر المتصلة بالتعيينات وملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وغيرها.

ولأن الأمن لم يكن مرّة إلا «سياسياً» بالدرجة الأولى ثم اجتماعياً، يكثر التوجس من مرحلة قلاقل. ورغم أنه لا يمكن الكلام عن معلومات أمنية محددة، إلا أن المعنيين بالأمن قلقون كسواهم من انفلات الوضع في أي لحظة، بمعنى انهيار الأمن الاجتماعي، وليس الأمن بالمفهوم العسكري المتعارف عليه. وهواجس هؤلاء كثيرة، ربطاً بسلسلة أحداث متفرقة، إلا أنها لا تصل إلى حد توقع سيناريو واضح المعالم.

فالتدهور الاجتماعي الذي تزداد ويلاته يومياً، يمكن أن يتحول في لحظةِ تفلُّت، حالة من الفوضى الاجتماعية الشاملة، وهو ما يجعل من المتعذر على أي جهاز أمني ضبطها. فقد توالت روايات وأخبار عن حوادث متعددة الوجهة… عمليات خطف مقابل فدية مالية، خصوصاً لرجال أعمال أو لشخصيات ميسورة. عمليات سرقة بطرق مألوفة أو مبتكرة، تقدرها تقارير أمنية بالمئات إن لم يكن أكثر، وتضاعفت في شكل خيالي.

وفي الأشهر الأخيرة، تدحرجت أعمال السرقة وتنوعت بين المناطق الجبلية التي تفرغ منازلها من السكان شتاء، وأخذت أشكالاً عشوائية لمنازل ومحال تجارية في عموم البلاد، وسط العتمة الشاملة التي تسهل أعمال السطو، وهي تحولت أشبه بـ»الجريمة المنظّمة» نظراً إلى أن المسروقات تتنوّع وتباع عبر شبكات تهريب.

كما انتشرت عمليات بيع سلاح فردي وتهريب أسلحة من سورية إلى لبنان، بينما ينشط اللبنانيون حالياً في شراء أسلحة فردية، بعدما كثرت عمليات السطو، عدا عن استخدامها من جانب تنظيمات مسلحة بدأت تستعيد نشاطها.

ورغم أن الكلام عاد من باب تسليط الضوء على تنظيمات أصولية وسفر لبنانيين إلى العراق وتركيا، التحاقاً بتنظيم «داعش»، إلا أن هذا الكلام له جانب أمني مختلف. فعمل تنظيمات من هذا النوع يتخذ من البيئات الأشد فقراً مرتعاً له، هو عمل مستمر منذ أعوام، تتكثف وتيرته أحياناً وتخفت أحياناً أخرى، بحسب الأوضاع السياسية والأمنية. لكن الأمن الذي بدأ الحذر منه، يتعلق بالمأزق السياسي – المالي وتوسُّع رقعة وتنوع الحوادث الأمنية، إضافة إلى كيفية التعاطي مع الظواهر الأمنية، وسط انهاك الأجهزة المختصة.