IMLebanon

الديبلوماسية الكويتية على خط أزمة لبنان مع الخليج… هل هي الفرصة الأخيرة؟

 

أنهى وزير الخارجية وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ أحمد الناصر، أمس، «زيارة مَهمة» لبيروت أودع خلالها كبار المسؤولين اللبنانيين مذكرة مقترحاتٍ تحت عنوان «إجراءاتِ بناء الثقة» مع «بلاد الأرز» في أعقابِ الأزمة غير المسبوقة في علاقاتها مع دول الخليج العربي، بفعل انغماسِ «حزب الله» في صراعات الإقليم وتحويله لبنان «ممراً» لاستهداف أمنها واستقرارها.

وإذ اكتسبت زيارةُ الناصر أهميةً خاصةً كونها الأولى لمسؤولٍ خليجي منذ انفجارِ ما عُرف بـ «خطيئة» تصريحات وزير الإعلام جورج قرادحي العدائية ضدّ السعودية والإمارات (أواخر أكتوبر الماضي)، فإن شكلها ومضمونها وتوقيتها جاء مدجَّجاً بالأبعاد التي تجعل مَهمة الديبلوماسية الكويتية وكأنها «مبادرة الفرصة الأخيرة» لبيروت لتصحيح المسار الذي جرفها بعيداً عن مقتضيات الشرعيتيْن العربية والدولية وجَعَلَ بلاد الأرز «منصة عدوان لفظي وفعلي» ضد بلدان الخليج.

 

ففي الشكل، زار أحمد الناصر، بيروت في إطار تحرُّك كويتي، خليجي، عربي، ودولي، ما يجعل المذكرة التي قُدمت إلى المسؤولين اللبنانيين كمدخلٍ لمعالجة الأزمة تحظى بغطاء خارجي مكتمل النصاب ويرفدها بعناصر قوة ديبلوماسية، يُرجَّح أن توازيها وقْعاً الإجراءاتُ المرتقبة بحال فشل هذه المبادرة وعدم التزام لبنان بمندرجاتها.

وفي التوقيت، لم يكن عابراً أن يأتي تحريك الأرضية الديبلوماسية مع لبنان على وهج التطورات المتلاحقة في الملف اليمني وتصعيد ميليشيا الحوثي عدوانها على السعودية والإمارات، وصولاً لدعوة الجامعة العربية، أمس «كل الدول لتصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية»، وأيضاً بعد «مضبطة الاتهام» التي وثّقها تحالف دعم الشرعية في اليمن لـ«حزب الله» بدعم الحوثيين «في تنفيذ عملياتهم الإرهابية» عبر المسيّرات، مروراً باستضافة بيروت وضاحيتها الجنوبية، مؤتمرين معادييْن: واحد للبحرين وثانٍ لكل دول الخليج، وليس انتهاءً بـ «تفعيل» عمليات تصدير المخدرات إلى هذه البلدان وبعضها تم إحباطه في لبنان.

أما في المضمون، فإن «الديبلوماسيةَ الناعمةَ» الكويتية لم تحجب المضامين المتشددة لمقترحات معالجة الأزمة والتي علمت «الراي» أنها من 12 بنداً، وقد تم التوصل إليها بالتنسيق بين الكويت والسعودية والإمارات وفرنسا والولايات المتحدة، وهي تجمع بين إطاريْن متكامليْن باتا يشكلان «خريطة الطريق» لإنقاذ لبنان من الانهيار الشامل، إلى جانب تأكيد ضرورة الالتزام باتفاق الطائف وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها (مايو 2022).

الإطار الأول تعبّر عنه روحية البيان المشترك الفرنسي – السعودي الذي أعقب زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون لجدة ولقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والذي أحيا البُعد السياديّ للأزمة في لبنان ومع دول الخليج عبر معاودة جعْل القرارات الدولية ذات الصلة بسلاح «حزب الله» وضبط الحدود (1559 و1680 و1701) الناظم للواقع اللبناني بالتوازي مع موضوع الإصلاحات التقنية بوصْفهما شرطين متلازميْن لمدّ يد الدعم للدولة.

والإطار الثاني المكمّل، هو الذي تَبَلْوَرَ في قمة الرياض الخليجية التي أعقبت جولة ولي العهد السعودي على دول مجلس التعاون، والتي توجّهت إلى لبنان الرسمي برسالة مباشرة لا تحتمل التأويل انطوت على مطلب «سلة واحدة»… «اتخاذ الإجراءات كل الكفيلة بالإصلاحات الشاملة ومكافحة الفساد، وبسط سيطرته وسيادته على مؤسساته كافة، ومنع حزب الله الإرهابي من ممارسة نشاطاته الإرهابية واحتضانه ودعمه للتنظيمات والميليشيات الإرهابية المزعزعة للأمن والاستقرار في الدول العربية لتنفيذ أجندات دول إقليمية».

وقد جاء «مثلث الرسائل» التي حملها وزير الخارجية وكرّرها أمس في لقاءاته مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الداخلية بسام مولوي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، واضحاً في انضوائه تحت هذا السقف، وتحديداً في تأكيده «التعاطف والتضامن والتآزر والمحبة للشعب اللبناني الشقيق، وضرورة تطبيق سياسة النأي بالنفس قولاً وفعلاً وألا يكون لبنان منصة لأي عدوان لفظي أو فعلي، ورغبة الجميع بأن يكون لبنان مستقراً وآمناً وقوياً».

ورغم أن أحمد الناصر وضع «قفازات ديبلوماسية» في تصريحاته، رافضاً الحديث عن تهديداتٍ للبنان بحال لم يتم الوفاء ببنود ورقة المقترحات «فلبنان لا يستحق إلا حمائم سلام، ولا نتدخل في شؤونه الداخلية»، إلا أن بين سطور المواقف التي أدلى بها ولا سيما رداً على سؤال حول كيفية تطبيق القرار 1559 في ظل الانقسام اللبناني، تلميحاتٍ إلى «تبعات وإجراءات وإرهاصات» لعدم تطبيق أي بلد القرارات الدولية «الملزِمة لكل دول العالم».

وفيما جاء أول ردّ رسمي على المقترحات التي حَملها الوزير الناصر، عبر عون الذي أكد «ترحيب لبنان بأي تحرك عربي من شأنه إعادة العلاقات الطبيعية مع دول الخليج العربي»، مؤكداً «التزام لبنان تطبيق اتفاق الطائف وقرارات الشرعية الدولية والقرارات العربية ذات الصلة،» ومشيراً الى أن الأفكار التي وردت في المذكرة «ستكون موضع تشاور لإعلان الموقف المناسب منها»، لاقت مصادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي هذا المناخ بكلامها عن «ملامح إيجابية للأفكار التي حملها معه وزير الخارجية الكويتي ولكن لم تبدأ مناقشتها بعد».

وفي موازاة ذلك، برزت معلومات عن أن زيارة بوحبيب للكويت أواخر يناير الجاري، والتي ستتخللها مشاركته في لقاء تشاور عربي تستضيفه، «بحكم أنها الآن تترأس مجلس وزراء خارجية الدول العربية»، يُنتظر أن تكون مفصليةً في تحديد «الخطوة التالية» خليجياً وعربياً (ودولياً) حيال لبنان، ولا سيما في ظل التقارير عن تَرقُّب هذه الدول سماع جواب بيروت الرسمي (عبر بوحبيب) عن مقترحات الحلّ فيكون هذا الملف على طاولة اجتماع «الخارجية العرب» فإما يُطْلِق مسار بناء الثقة، أو يعمّق الأزمة ومعها المتاعب الديبلوماسية والسياسية للبنان «المنكوب» مالياً واقتصادياً ومعيشياً.