IMLebanon

لبنان “تحت تأثير” صدمة “انسحاب” الحريري وتداعياتها

 

بقيت بيروت أمس تحت تأثيرِ صدمة ما بعد «الزلزال» السياسي الذي أَحْدَثَهُ تعليق الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري عمله في الحياة السياسية، بخلفياته المعلَنة والخفية وتداعياته المرتقبة على المشهد الداخلي الذي يقف أساساً على أرضيةٍ تشي بمسارٍ أكثر عَصْفاً من الاهتزازات بعدما بدا أن الأزمة مع الخليج العربي باتت أمام مرحلة «يا أبيض يا أسود» على مستوى ما سيفعله لبنان الرسمي بإزاء ما يشبه مبادرة «الفرصة الأخيرة» التي حملتْها الديبلوماسيةُ الكويتيةُ وتتمحور خصوصاً حول وضعية «حزب الله» خارج الدولة وأدواره العسكرية والأمنية في ساحات المنطقة والتي تمس باستقرار دول مجلس التعاون.

وبعدما فجّر الحريري «قنبلة» انسحابه من الحياة السياسية «حتى إشعارٍ آخَر» تاركاً الجميع في لبنان، من حلفاء وخصوم، تحت وقع هذه «الصعقة» التي طوت بالتأكيد صفحةً عمرها 17 عاماً من «الحريرية السياسية» التي قادها زعيم «المستقبل» منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري (فبراير 2005) ليلفّ الغموض كيف ومتى، وحتى «هل»، سيبدأ فصلٌ جديد منها، اكتفى الحريري الابن أمس بالإطلالة «المرمّزة» عبر تطبيق vero ناشراً فيديو عن «النسر والولادة من جديد» بما عَكَسَ أنه ترك الباب موارَباً أمام «عودةٍ» يختار هو توقيتها، وأن «استراحة المحارب» هي على طريقة «التخفُّف من أثقال الماضي للاستفادة من الحاضر» ولو عبر عملية تغيير وتجدُّد مؤلمة تفادياً لـ «الموت» ولمعاودة «التحليق أعلى».

 

وبمعزل عن هذه الرسالة المشفّرة، فإن المسرح السياسي انشدّ أمس إلى الأبعاد الخارجية والمحلية للخيار المُرّ الذي تجرّعه الحريري والذي أعطى إشاراتٍ إليها ببيان الاعتكاف عن العمل السياسي والعزوف وتياره عن خوض الانتخابات النيابية المقبلة عبر كلامه عن «أن لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الايراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة»، وسط مراوحة القراءات للقرار الدراماتيكي لزعيم «المستقبل» بين أمرين: أنه على طريقة إعلان «مواجهة انكفائية» مع «حزب الله» ووضعيته خارج الدولة بما ترتّبه على مجمل الواقع اللبناني، عبر «التعليق» التلقائي لمنطق التسويات بابتعاد الحريري عن الساحة السياسية وترْك الارتدادات «تتحدث عن نفسها» تباعاً، أو أنه وفق منطق «فليُتركوا ليحكموا» من دون أي تغطيةٍ وبأي شكل، وهو ما من شأنه أن يُحْرِج حتى حلفاء مفترضين بحال قرروا المضي في خوض «اللعبة» وفق قواعد يتحكّم بها الحزب.

وفي السياق نفسه، انهمكت بيروت في تحريات عن مفاعيل التحوّل فوق العادي الذي مثّله قرار الحريري والذي يُخشى أن يُستخدم لـ «تذخير» عملية انقضاضٍ على انتخابات 15 مايو 2022 تحت عنوان «نقص الميثاقية»، أو لمحاولة «ربْطه» بالمبادرة الكويتية – الخليجية – العربية – الدولية لتبرير وضْعها في سياق «تصعيد شامل» في الواقع اللبناني يجري الترويج له كغطاءٍ للتشدّد في عدم استجابة «حزب الله» لمقتضيات ورقة البنود الـ 12، علماً أن هذه المبادرة تتوّج مساراً عمره أشهر طويلة من التأزم في علاقات بيروت مع الخليج العربي والذي اتخذ أبعاداً أكثر خطورة بعد تمادي اعتداءات الحوثيين على السعودية والإمارات وتوثيق تحالف دعم الشرعية في اليمن مشاركة الحزب في تدريب الحوثيين ومدّهم بالخبرات لاستخدام المسيَّرات.

وفي حين يعكف لبنان الرسمي على صوغ الردّ على المبادرة الكويتية المتكاملة التي تركّز على التزام بيروت بمندرجات اتفاق الطائف والشرعيتين العربية والدولية والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن ذات الصلة بسلاح «حزب الله» وسياسة النأي بالنفس قولاً وفعلاً وبسط الدولة سلطتها على كل منافذها ووقف عمليات تهريب المخدرات إلى دول الخليج وعدم تحويل لبنان منصة عدوان لفظي وفعلي عليها، فإنّ لا مؤشرات إلى أن الجواب الذي سيحمله وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب الى الكويت التي يزورها في 29 يناير الجاري للمشاركة في اجتماع وزراء الخارجية العرب (ستنتقل رئاسة مجلسه الى لبنان) سيكون على قدر المطلوب، رغم تعاظُم الاعتقاد بأن ثمة محاولة لتقديم صياغة «حمّالة أوجه» تسمح لبيروت بمزيد من «شراء الوقت».

وفيما كان وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي يعلن أمس إحباط قوى الأمن الداخلي محاولة تهريب شحنة كبتاغون (مخبأة داخل 7 أطنان من الشاي) إلى السعودية بعدما تم ضبطها في البحر بينما كانت في طريقها الى توغو (أفريقيا) ومنها الى المملكة، فإن التصدي لهذا الجانب من المطالب الخليجية لن يكون كافياً على الأرجح للتفلت من موجبات بنود «السلّة الواحدة» التي حَمَلها وزير الخارجية الشيخ أحمد الناصر لبيروت وأعطى لبنان مهلة 5 أيام للردّ عليها مع تأكيد أنها تحظى إلى جانب الدعم الخليجي، بتأييد مصري وأردني وأميركي وفرنسي.

وفي موازاة محاولات بيروت التخفيف من وقع الاندفاعة الديبلوماسية الخليجية التي عكست أن «وقت اللعب انتهى»، جاء الإعلان الأميركي عن زيارة أحمد الناصر لواشنطن ولقائه اليوم نظيره الأميركي انتوني بلينكن لمناقشة «المسألة اللبنانية»، رغم انهماك الإدارة الأميركية بملفاتٍ ساخنة على الساحة الدولية والاقليمية وليس أقلها المتصلة بأوكرانيا ومفاوضات النووي مع إيران، ليؤشر إلى أن الوساطة الكويتية بتفويض خليجي – عربي – دولي هي من ضمن مسار حازم قد يرتّب تداعياتٍ على لبنان بحال تلكأ عن القيام بما هو مطلوب منه، علماً أن الناصر كان بحث أيضاً الملف اللبناني خلال محطته في بروكسيل.

وفي غمرة هذه المناخات، وبعدما قال وزير التربية وزير الإعلام اللبناني بالوكالة عباس الحلبي «إن الإجابة على الورقة العربية قيد التحضير بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية وبالتأكيد ستُعرض علينا لاحقاً، وليس من المفترض أن تعترضها أي مشاكل إذا كان التفاهم الداخلي قائماً»، علّق البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على زيارة أحمد الناصر للبنان، معلناً «لا يمكن لنا أن نمرر مرور الكرام على الكلام الذي قاله وزير خارجية الكويت الذي، وكما قال، إنه يزور لبنان باسم دول الخليج.

ولا يمكن لنا أن نمرر كلامه أن لبنان أيقونة العرب وقوتهم.

الوزير الكويتي يتحمل مسؤولية كلامه، وهو يرتكز على أن لبنان هو فعلا قوة العرب.

هل لبنان قوة العرب بالسلاح؟ طبعاً، لا».

وقال «ما ردده الوزير الكويتي حول تطبيق اتفاق الطائف، أفرحني ونحن معه في هذه الدعوة. نحن يعنينا تطبيق قرارات الشرعية الدولية.

طبعاً تعنينا سيادة لبنان وتقوية الجيش اللبناني والوحدة اللبنانية وحماية الكيان اللبناني».

وحول سلاح «حزب الله»، رد البطريرك: «عودوا إلى ما يقوله اتفاق الطائف.

هذا ما يعنيني مما قاله الوزير الكويتي، لأن ما أشرت إليه أنا هو الألف باء لكل شيء وهو ما نطالب به كل يوم.

نحن نطالب بمؤتمر دولي وليس بمؤتمر تأسيسي، لتطبيق الطائف أولا روحاً ونصاً، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية وإعلان حياد لبنان وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين».
https://www.alraimedia.com/article/1573526/خارجيات/لبنان-تحت-تأثير-صدمة-انسحاب-الحريري-وتداعياتها