IMLebanon

صلاحيات استثنائية ممنوعة

كتب سعيد مالك في “الجمهورية”:

طُرحت وفي كلّ مرّة تشكّلت فيها حكومة جديدة، مسألة مطالبة هذه الحكومة بصلاحيات تشريعية إستثنائية، غالبًا ما تكون شاملة وكاملة.

وبتعبير آخر، تُطالب الحكومة مجلس النواب بإصدار قانون، يُجاز فيه لمجلس الوزراء، إقرار مراسيم تدخل ضمن الحقل التشريعي، أي أن يفوّض مجلس النواب صلاحياته التشريعية إلى السلطة التنفيذية.

وفي كل مرّة، كان يصطدم الأمر بموقف رئيس مجلس النواب الرافض هذا التفويض وهذه الوكالة. مُعتبرًا ذلك مُخالفة دستورية. إذ لا يحق للسلطة التشريعية تفويض صلاحياتها الدستورية إلى السلطة التنفيذية في غياب نص دستوري صريح وواضح.

ففي العام 1992 طلب الرئيس الشهيد رفيق الحريري لحكومته صلاحيات تشريع إستثنائية، رفضها رئيس مجلس النواب، بحجّة غياب النّص من جهة، وحؤولاً دون تهميش دور مجلس النواب في التشريع والرقابة من جهة أُخرى.

مع الإشارة، إلى أنّ قرار مَنح الصلاحيات التشريعية الإستثنائية للحكومة من عَدَمه، يبقى من صلاحية الهيئة العامة مجتمعةً، وليس من صلاحية رئيس المجلس النيابي مُنفردًا، إذ لا يحق للرئيس إختزال المجلس بقرار منفرد يصدر عنه.

عادت وكرّت السبحة في الحكومات المتعاقبة، وآخرها حكومة الرئيس حسّان دياب. حيث لمّحت وزيرة العدل يومها إلى نيّة الحكومة طلب صلاحيات تشريعية إستثنائية. حيث جوبهت من رئيس المجلس النيابي بوابل من الإنتقادات والمواقف الرافضة والمستهجنة.

وإذ بنا نُفاجأ اليوم بمشروع الموازنة والذي تدرسه الحكومة راهنًا، يتضمّن طلب صلاحيات تشريع إستثنائية ليس للحكومة، إنما لوزير منفرد (وزير المال)، وذلك ثابت بالمواد /109/ و/132/ و/133/ وسواها من مشروع الموازنة موضوع البحث.

وبالتالي، ما رُفض لحكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام /1992/ وللحكومات المتعاقبة، وآخرها حكومة الرئيس حسّان دياب، يُعطى اليوم لوزير المال في حكومة ميقاتي؟

فهل يحّق دستورًا لمجلس النواب مَنح أي حكومة صلاحيات تشريعية إستثنائية؟

في 14/12/2001 صدر القانون الرقم /379/ المتعلّق بالضريبة على القيمة المُضافة، فتقدّم أكثر من عشرة نواب بطعن بهذا القانون أمام المجلس الدستوري، حيث تسجّلت المراجعة تحت الرقم مراجعة 1 /2002، وتناول الطعن المذكور موضوع تفويض السلطة التشريعية صلاحياتها إلى الحكومة، ومدى جواز ذلك دستورًا.

وفي 31/1/2002 صدر القرار الرقم 1 /2002 عن المجلس الدستوري، فصلاً بالمُنازعة والمومأ إليها أعلاه، مُعتبرًا:

أنّ الدستور منع تفويض مجلس النواب للحكومة، بالتشريع في مواضيع مختلفة، لأهمّية هذه المواضيع من جهة، ولحرص المشرّع الدستوري على الضمانات التي يوّفرها القانون، إن لجهة الثبات والقوة، أو لجهة التعبير، أو لجهة الحفاظ على المال العام من جهة أُخرى. وأضاف القرار، وحرفيّاً:

«…. ومن بين هذه المواضيع التي يعتبرها الدستور صراحة في حمى القانون، ويحفظها حصرًا له،…. فرض الضرائب (المادتان 81 و82 من الدستور) وسواها من المواضيع التي عدّدها الدستور في بعض مواده وجعلها حكرًا على القانون».

وجاء في القرار ما حرفيّته:

«…. إنّ مجلس النواب هو الذي أناط به الدستور دون سواه من السلطات إختصاص فرض الضرائب العمومية وإحداثها والترخيص بجبايتها في الجمهورية اللبنانية، وذلك بموجب قوانين شاملة تطبّق أحكامها على جميع الأراضي اللبنانية بلا إستثناء، وانّ المقصود بالنّص الشامل (Loi uniforme) انّه يطبّق على إقليم الدولة بكامله، وانّه يعود لمجلس النواب أيضًا دون سواه من السلطات تعديل الضرائب أو إلغاؤها بموجب قانون يصدر عنه:

La Constitution libanaise, origines, textes et commentaires, Edmond Rabbath, 1982, pp.500-501.

مما يُفيد وفي الخُلاصة، أنّ طلب تفويض وزير المال صلاحيات تشريعية إستثنائية، في فرض الضرائب العمومية وإحداثها وجبايتها وتعديل شطورها ونسبها، لا يستقيم مع الدستور ومع أحكامه. ويقتضي على الحكومة نزع هذه الصلاحية وهذا الإمتياز من مشروع الموازنة قبل إقرارها. وإلاّ على مجلس النواب القيام بما عليه لهذه الجهة.

مع السؤال في الختام، ما دامت الحكومة ممنوعة أصلاً من التشريع (خصوصاً في الحقل الضريبي) في قاموس رئيس مجلس النواب، كيف بالأحرى حصر هذه الصلاحية وهذا الإمتياز بوزير مُنفرد، إلاّ إذا كان هذا الوزير (وزير Super) كما هو ظاهر على الأقّل.