IMLebanon

“قنابل موقوتة” تحت طاولة “الترويكا” الحاكمة في لبنان

«تلهو» السلطة في لبنان بتبادُل زرْع «الأفخاخ» بين مكوّناتها فيما البلاد مزنّرة بـ «حزام ناسف» بأكثر من «زرّ تفجير»، مالي يشكله الانهيار الشامل، وسياسي مربوط بـ «انفصالِ» بيروت عن نظام المصلحة العربية وإصرارها على مقاربة مبادرة «اللهمّ إني بلّغت» الخليجية ذات الصلة بملف «حزب الله» وسلاحه على قاعدة «تَحايُل كلامي» خلاصته «لا يمكن أكثر مما كان».

ويزخر المشهد السياسي منذ أيام بعددٍ من العناوين التي تحوّل كل منها في ذاته «كميناً» يمكن «شبْكه» بملف آخِر، سواء لإحباطه أو «المقايضة» عليه، وسط ملامح «بازار» يُخشى أن يضع على المحكّ استحقاق الانتخابات النيابية في 15 مايو المقبل، وخطة التعافي والنهوض التي تشكّل ركيزة المفاوضات التي يُراد إطلاقها مع صندوق النقد الدولي، كما التحقيق في انفجار مرفأ بيروت (4 أغسطس 2020) وربما قضية ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل.

 

وبمعزل عن صعوبة الجزم بالخفايا الكاملة لكل «فتيلٍ» يجري «إشعاله»، فإن الأكيد أن «حقل ألغامٍ» فُتح وسيَحكم الأيام الطالعة بتأثيراته المتعددة الاتجاه التي تتمدّد فوق «الهشيم» اللبناني المفتوح على المزيد من الانهياراتِ في الطريق نحو الاصطدام المميت الذي لا خلاص منه إلا بمظلتيْ صندوق النقد (بشروطه الإصلاحية التقنية) والدعم الخارجي والخليجي خصوصاً (المدخل إليه بالإصلاحات السياسية المتعلقة بوضعية «حزب الله»).

وفي هذا السياق، باغت الساحةَ السياسيةَ بندٌ مُدْرَجٌ على جدولِ أعمال الجلسة العادية لمجلس الوزراء اليوم (بطلب من رئيس الجمهورية ميشال عون) ويحمل الرقم 16 ويتصل باقتراح قانون يتعلق بانتزاع بعض صلاحيات المدّعي العام التمييزي وإعادتها الى وزير العدل، بما يعني تكريس ما يشبه«الوصاية السياسية»على عمل النيابات العامة التي كانت اكتسبت بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية (2001) ولو نظرياً استقلالها عن وزير العدل (بعدما كان جميع قضاة النيابات العامة يخضعون له) الذي تم إبعاده عن التنظيم الهرمي للنيابات العامة في لبنان.

وسريعاً، بدأت«التحريات»عن«السرّ»وراء إدراج البند المتعلق بهذا الاقتراح، الذي سبق لمجلس القضاء الأعلى أن أفتى برفْضه. ورغم التفسيرات بأن هذا الأمر يأتي في سياق طبيعي يقتضي من الحكومة إبداء الرأي باقتراح قانون بناء على طلبٍ من البرلمان ليَبني الأخير عليه، فإن علامات استفهام طُرحت حول إمكان أن يتحوّل هذا العنوان عنصر تجاذُب سياسياً على طاولة مجلس الوزراء، في ضوء الخشية من أن يكون في سياق التمهيد لصفقاتٍ تتشابك فيها«تبادُلياً»3 قضايا:

أولّها المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار (يريد الثنائي الشيعي حزب الله والرئيس نبيه بري إقصاءه) والذي كرر أهالي ضحايا المرفأ أمس التظاهر رفْضاً لمحاولات تكبيل يديه.

وثانيها الملف القضائي الذي يرفعه رئيس الجمهورية وفريقه بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لإقالته (وهو ما يرفضه بري والرئيس نجيب ميقاتي).

أما ثالثها الأهمّ فهو استحقاق انتخابات 15 مايو التي لم يرفع بإزائها«التيار الوطني الحر»(حزب عون)«الراية البيضاء»بعد في ما خص إعادة العمل بالدائرة 16 للمغتربين بحيث يُحصر انتخابهم بـ 6 مقاعد تُستحدث لهم عوض أن ينتخبوا، كما هي الحال في القانون الحالي المعدَّل، للنواب الـ 128 كلٌ في دائرته.

وتسود مخاوف من أن يكون هذا العنوان بات محور«تَقاطُع مصالح»تصبّ عند محاولة تطيير الاستحقاق برمّته لاعتباراتِ تراجُع الشعبية (عند التيار) أو عدم رغبة«حزب الله»في فتْح البلاد على مشهدية برلمانية جديدة ولو على قاعدة سحْب الأكثرية منه وحلفائه (وأبرزهم التيار الحر) من دون أن تفوز بها«أكثرية واحدة»بل أكثريات متفرّقة، وذلك بانتظار«سلّة كاملة»من التفاهمات الإقليمية، وسط تسريباتٍ عن «بالونات اختبارٍ» تُرمى في هذا الإطار ويشكل عنصر«الترغيب فيها»الملف المالي وضرورات تأمين«استمرارية»السلطة بمؤسساتها الحالية للوصول الى خواتيم في التفاوض المنتظَر مع صندوق النقد. رغم الاقتناع بأن الموقف العربي والدولي، وفق المبادرة الخليجية ثم البيان الرئاسي الصادر قبل أيام عن مجلس الأمن حاسم في ضرورة إجراء الانتخابات النيابية ثم الرئاسية بمواعيدها الدستورية.

وليس عابراً في رأي أوساط سياسية أن تكون هذه«القنابل الدخانية»تُرمى فيما يرتفع منسوب التباين بين عون وميقاتي حيال ملفات حيوية مثل الكهرباء الذي يرفض رئيس الحكومة في سياقه طلب وزير الطاقة (من فريق عون) مدّه بسلفة خزينة بأكثر من 5 آلاف مليار ليرة لمؤسسة كهرباء لبنان من ضمن مشروع الموازنة (يفترض أن تقره الحكومة بعد غد)، ويصرّ على معالجة شاملة ومنفصلة له على قاعدة خطة إصلاحية تعطي إشارة إيجابية لصندوق النقد والمجتمع الدولي.

ولا تقلّ دلالة المناخات عن«تشقُّقات»بين مكوّنات الحكومة حيال خطة التعافي الاقتصادي التي شكّلت محور مشاورات مع صندوق النقد، وسط تقارير أشارت إلى أن محاولة تحقيق«تَعايُش»بين خطتين، إحداهما كُلف بوضعها المستشار الاقتصادي لرئيس «التيار الحر» جبران باسيل، تركت تداعيات سلبية على المناقشات مع الـ IMF، تضاف إلى الارتجاجات التي تترتب على إغراق ملف حاكم مصرف لبنان بالسياسة وحساباتها.

وفيما برزت أمس تغريدة لرئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط غمز فيها من قناة «حزب الله»، سائلاً «هل التصريحات لمسؤول كبير في حزب أساسي ذات بُعد اقليمي والتي تشكك بجدوى التفاوض مع المؤسسات الدولية (صندوق النقد) تهدف الى التعطيل الكامل للحكومة ام ان هذه التصريحات من باب المزايدة»، يُنتظر أن يطلّ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله اليوم عبر قناة «العالم» الإيرانية على مجمل الملفات المحلية والاقليمية وعلى المبادرة الخليجية وجواب لبنان عليها، إلى جانب ملف ترسيم الحدود البحرية الذي يفترض أن يعود إلى الواجهة مع الزيارة المرتقبة للوسيط الأميركي آموس هوكتشاين لبيروت خلال الساعات المقبلة.

واستوقف أوساطاً متابعة أنه بعد رسالة لبنان الى مجلس الأمن والتي اعتُبرت إعلاناً رسمياً بنقل «سقف التفاوض» في شأن الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية من الخطّ 23 إلى 29، مع الاحتفاظ بحق تعديل المرسوم رقم 6433 (بما يجعل المنطقة المتنازع عليها 2290 كلم مربعاً بما فيها حقل كاريش عوض 860 كلم)، برز ما نُقل عن «ارتياب» مرجع بارز في 8 مارس حيال الوقائع التي رافقت توجيه الرسالة التي أبقي الرئيس بري بعيداً عنها.

وفي حين يتم التعاطي مع ملف الترسيم البحري على أنه ذات «طبقتين» واحدة تُقارَب من زاوية مصالح داخلية ضيقة تتصل بالعقوبات الأميركية مثلاً على النائب جبران باسيل، كما يقول خصومه مع ربْطها بحسابات الانتخابات الرئاسية، وثانية من الزاوية الاقليمية الأهمّ التي لا إمكان للقفز فيها فوق كيفية إدارة إيران لأوراق القوة التي تملكها داخل قوس نفوذها، فإن أسئلة تُطرح حول إذا كانت «حرب خطوط الترسيم» ستمهّد الطريق نحو الانتقال الى استراتيجية التفاوض على قاعدة «تقاسُم الموارد» بين لبنان واسرائيل، وهو ما لا يمكن تَصَوُّر أن يكون القبول به أو رفضه معزولاً عن مقتضيات اللحظة الاقليمية وأدوار ومصالح اللاعبين في المسرح اللبناني و… عليه.