IMLebanon

هوكشتاين مستعجل: إفتَحوا طريق الغاز!

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:

لماذا يبذل عاموس هوكشتاين جهداً استثنائياً لإنجاز تسوية معينة في مفاوضات الناقورة، خلال جولته الحالية؟ خرائط الطاقة في حوض المتوسط وآسيا حتى حدود أوروبا تشهد غلياناً غير مسبوق. والأسابيع المقبلة حافلة بالاستحقاقات الدسمة، خصوصاً بالنسبة إلى إسرائيل وشركائها في منتدى الغاز المتوسطي.

في الأيام الأخيرة، تسارعت التطورات على خريطة الغاز في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط في شكل مثير:

1 – انفتح النزاع النائم بين روسيا والولايات المتحدة في أوكرانيا، الدولة التي تُعتبر أحد الممرات الاضطرارية لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا الغربية. وقد تمّ إنجاز خط الأنابيب «نورد ستريم 2»، لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، لكنه لم يعمل حتى اليوم. وتخشى الدول الغربية أن تعمد موسكو إلى خفض إمدادات الطاقة عموماً إليها، ما يؤدي إلى حدوث أزمات حادّة في كثير منها.

2 – في القمة الروسية – الصينية الأخيرة، عقد الرئيس فلاديمير بوتين اتفاقاً هو الأول من نوعه مع الصين، يقضي بتزويدها الغاز الطبيعي الروسي، بحجم 10 مليارات متر مكعب سنوياً. وهذا الاتفاق سيفتح نافذة تحتاجها روسيا بشدة، في اتجاه الشرق، تعوّضها الخسائر التي تلحق بها غرباً، نتيجة التأزم في أوكرانيا وتشابك الطموحات والمصالح في أوروبا وحوض المتوسط.

3 – يسعى الأميركيون إلى تأمين بديل للغاز الروسي في أوروبا، إذا اندلعت الحرب نتيجة هجوم روسي على أوكرانيا. ولهذه الغاية، استقبل الرئيس جو بايدن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، الذي تمتلك بلاده احتياطياً هائلاً من الغاز، وتُصنَّف أولَ مُصدِّر عالمي للغاز الطبيعي المُسال.

4 – توحي مواقف الأتراك والإسرائيليين أنّهم على وشك الانطلاق في مشاورات تؤدي إلى تزويد تركيا بالغاز الإسرائيلي، من خلال خط أنابيب يَعبر العراق. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ بلاده ستتمكن من تصدير هذا الغاز إلى أوروبا. وفي هذا المناخ، يُنتظر أن يقوم الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتزوغ بزيارة أنقرة، منتصف آذار المقبل.

5 – بالتوازي مع سعيهم إلى إبرام اتفاق حول تقاسم الغاز بين لبنان وإسرائيل في الناقورة، يعمل الأميركيون لتشغيل خط الغاز المصري عبر سوريا في اتجاه لبنان. وهذا الاتفاق لا يمكن فصله عن مجمل الحراك الجاري في الشرق الأوسط حول الغاز. وللتذكير، مصر رفعت من مقادير الغاز الطبيعي الذي تستورده من إسرائيل.

ويُستدلّ من هذا الاستنفار الكبير إلى وجود مؤشرين بارزين:

– أنّ النزاع في آسيا والشرق الأوسط سيتخذ طابعاً اقتصادياً في شكل أساسي، ويتعلق خصوصاً بمصادر الطاقة (الغاز، المياه، النفط…)

– أنّ الغاز الطبيعي سيكتسب أهمية خاصة في المرحلة المقبلة، لكونه الطاقة النظيفة الأكثر توافراً والأشدّ فاعلية والأدنى تكلفة قياساً إلى هذه الفاعلية. ومن هنا أهمية مخزونات الغاز التي تملكها دول شرق المتوسط كافة.

العلامة الأساسية في هذا المجال، هي أنّ إسرائيل تمكنت من التقدّم خطوات في السباق الاستراتيجي على مصادر الغاز الطبيعي وقنوات تصديره، وهي تطمح إلى المزيد. ونجحت في جعل نفسها حلقة التقاطع والنواة في سوق الغاز الإقليمية. وقد استفادت خصوصاً من ضعف مصر والأردن اقتصادياً، ومن غرق سوريا في الحرب، ومن انهيار لبنان بسبب فساد منظومة السلطة.

وبدءاً من العام 2018، أبرم الإسرائيليون اتفاقات مع قبرص واليونان وإيطاليا وفرنسا لتزويدها الغاز من خلال الخط البحري عبر المتوسط. وهم يقومون بتفعيل التعاون مع مصر والأردن في هذا المجال، بعدما صارت السوق المصرية – الأردنية للطاقة سوقاً شرق أوسطية في الواقع، وركيزتها التطبيع مع إسرائيل.

وفي أواخر تشرين الثاني الفائت، تمّ في القاهرة توقيع اتفاقات حيوية بين أركان منتدى غاز شرق المتوسط، في حضور ممثلين من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والبنك الدولي. والأبرز هو استيراد مصر كميات إضافية من الغاز الطبيعي الإسرائيلي، والتخطيط لمدّ أنابيب جديدة عبر المتوسط بين 2024 و2025.

ومن هنا يمكن فَهم لماذا أصرّ الأميركيون على أن ينخرط لبنان في شبكة الغاز والكهرباء الواردة من مصر والأردن. فالمطلوب من لبنان أن يفتح الطريق لعبور الغاز ولا يكون حجر عثرة. وفي تقديرهم أنّ ذلك سيسهّل التحاقه بالمسار التطبيعي الذي يبدأ اقتصادياً وينتهي سياسياً. وكذلك، يُفهَم تماماً ما يريده الإسرائيليون من المفاوضات الجارية في الناقورة.

فمن مصلحة إسرائيل حسم الخلاف على الحدود البحرية في جنوب لبنان لسببين: أولاً، لأنّ ذلك يتيح لها أن تباشر استخراج الغاز من المخزونات المحاذية للحدود اللبنانية، وثانياً، لأنّ تعيين إسرائيل نقاط الحدود البحرية مع لبنان يسمح لها بإمرار خط الأنابيب بين المتوسط والشواطئ الأوروبية من دون افتعال أزمات.

وهذا تحديداً سبب استعجال إسرائيل لتحقيق إنجاز في المفاوضات مع لبنان قبل آذار، الموعد الذي تمّ فيه تكليف شركة «إنرجين» إرسال سفينة للحفر في حقل «كاريش» الواقع في البقعة المُختلف عليها مع لبنان.

لكن الأمر ليس في يد السلطة في لبنان، بل لإيران في الدرجة الأولى. ولذلك، سيكون اللبنانيون في مفاوضاتهم حول ترسيم الحدود وتقاسم الغاز مجرّد دمى ورقية تتحرَّك بالخيوط. وأصواتها تُسمَع من الخلف: نعم أو لا…