IMLebanon

لماذا الخوف الرسمي من طروحات هوكشتاين؟

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”: 

رصد المراقبون ما رافق زيارة رئيس الوفد الاميركي الى مفاوضات الناقورة عاموس هوكشتاين، حجم التكتم الذي ساد المقار الرسمية حول اقتراحاته. واكتفت المعلومات الرسمية بالإشارة الى مهمته المعلن عنها، والتعهّد بردّ الجواب على «طروحات غامضة». وهو ما سمح للبعض بالتمادي في إحياء ما كان ينادي به الرجل قبل 6 سنوات. وعليه، طُرحت الأسئلة عن المخاوف التي تبرّر الصمت الرسمي عمّا جاء به الرجل؟

مما لا شك فيه، انّ اللبنانيين الذين انتظروا وصول هوكشتاين الى بيروت اكثر من مرة، لمعرفة وجهة المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية، ومصير الطروحات المتبادلة بين الطرفين اللبناني والاسرائيلي، ورصد ردّ فعل «الوسيط المسهّل» على ما حققته مهمّته، بعدما تعدّدت الروايات عن مواعيد عودته الى بيروت التي قصدها خريف العام الماضي في زيارة «يتيمة»، زادت من الغموض المحيط، بما يبرّر تجميد المفاوضات منذ الخامس من ايار الماضي. وفي الوقت الذي فُقِدت القدرة على تحديد موعد جديد لها، بقيت السيناريوهات التي تحاكي الخطوط البحرية المقترحة ومصير الثروة النفطية مطروحة، إلى درجة وضعها البعض على لائحة القضايا الخلافية العالقة بين المسؤولين اللبنانيين، قبل الحديث عن حجم الخلافات مع العدو الاسرائيلي. والدليل ساطع في نوعية المواقف المتناقضة منها، إلى درجة ملامستها – عند تبادل الاتهامات بين المسؤولين في الصالونات المقفلة – بعض الصفقات الفردية التي يعتقد البعض انّ في إمكانه عقدها في مثل هذا الملف الكبير.

من الواضح انّ ما انتظره المراقبون من معلومات حول ما حمله هوكشتاين بقي حلماً. فالأسئلة المطروحة لدى المهتمين بهذا الملف لم يتوافر لها اي جواب حتى اللحظة ليرضي «نهمهم» لفهم طريقة الإفادة من هذه الثروة وطريقة استثمارها. فما يعني اللبنانيين اليوم هو ان يدركوا كيف يمكن التوصل الى ما يسمح بالبحث والتنقيب عن هذه الثروة في البلوكات اللبنانية الجنوبية. فكل الدراسات الإستكشافية تحدثت عن ثروات هائلة يمكن الوصول اليها، ولا بدّ من البدء بالمراحل المقرّرة لإطلاق دورات الاستكشاف فيها، في وقت قطعت اسرائيل اشواطاً بعيدة، إن على مستوى الإنتاج في حقل «كاريش» الذي قد يكون ممتداً الى المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة، عدا عن الاستعدادات لبدء شركة «هاليبرتون» الاميركية في الأسابيع القليلة المقبلة بعمليات التنقيب في أحواض مجاورة تهدّد الثروة الوطنية ايضاً.

ومن الواضح ايضاً، انّ من حق اللبنانيين، ان ينالوا اجوبة واضحة حول ما يمكن ان ينتهي اليه اي تفاهم حول مصير الخطوط البحرية، بعدما باتت الارقام المتصلة بها، من «النقطة 1» الى «النقطة 23» و»الخط 29» وما بينها من مناطق، قيست بآلاف الكيلومترات المربعة، عدا عن تلك التي تنتظر مصير «حقل قانا» من هواجسهم اليومية. أضف الى ذلك، فإنّ الحديث عن إمكان التضحية بمصالح لبنان لقاء تفاهمات ثنائية بين الادارة الاميركية وبعض المسؤولين ما زال مطروحاً في أندية سياسية وحزبية متعددة، وصولاً الى الربط بين ما يمكن ان يتمّ التوصل اليه ومصير المشروع المنتظر لاستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الاراضي السورية لزيادة ساعات التغذية بالكهرباء، بعد الوشوشات التي تحدثت عن ربط اميركي بين الخطوتين لزيادة الضغوط على لبنان، بهدف الإسراع في تقديم التنازلات التي تسمح بالترسيم النهائي والتخلّي عن حقوقه.

على هذه الخلفيات، ارتفعت المخاوف من توجس المسؤولين اللبنانيين من مصارحة مواطنيهم بما حمله هوكشتاين في زيارته الاخيرة. فالحديث عن مقترحات نقلت المفاوضات المنتظرة الى آفاق اكثر ايجابية، لا يكفي لإرضاء شهوة اللبنانيين لمعرفة ما يمكن ان تعكسه هذه الخطوات لاستشراف المستقبل، في ظلّ تنامي الأزمات المالية الاقتصادية التي تعانيها البلاد. أضف الى ذلك، فإنّ التسريبات المتناقضة لمحاضر جلسات هوكشتاين مع المسؤولين اللبنانيين عزّزت هذه المخاوف ورفعت من مستواها الى الذروة. وإن طلب احدهم مزيداً من التفاصيل لإثبات هذه الحقائق، فإنّ تأكيدات وزير الطاقة وليد فياض – الذي سمح له موقعه بأكثر من لقاء مع هوكشتاين بعد ساعات قليلة على وصوله الى بيروت وبعد مشاركته في لقاء قصر بعبدا – اكّد انّه تبلّغ بوجود قرار اميركي بالفصل النهائي بين مشروع استجرار الغاز المصري والكهرباء الاردنية ومصير مفاوضات الترسيم، باعتبارهما خطوتان منفصلتان لا تلتقيان في أي مكان. وإذ يضيف فياض ليؤكّد انّه تبلّغ ايضاً بوضوح وصراحة اصراراً اميركياً لا رجعة عنه، الإسراع في الإجراءات لحضّ البنك الدولي على تمويل هذه الخطة، فإنّ اوساطاً اخرى من مواقع رسمية، جزمت بوجود خيارات اميركية مناقضة تحدثت عن تهديد أميركي، بأنّ اطلاق العمل في خط الغاز سيبقى مجمّداً الى ان تظهر نتائج مساعي الترسيم.

وعليه طُرح السؤال، من هي الجهة الرسمية، لبنانية أم اميركية أم أممية التي يمكنها أن تفصل في هذه الروايات والقراءات المتناقضة؟ فالمراجع الحيادية تعترف بأنّ الجانب الاميركي الذي تخلّى عن الحديث عن الشركات التي يمكن تستثمر احواضاً بشراكة مالية مع العدو الاسرائيلي، لفتت إلى أنّ هوكشتاين أفاض في التعبير عن وجهة النظر الأميركية من دون اي تفاصيل. وهو أشار في إطلالاته التلفزيونية الى كثير من النصائح الى المسؤولين للإسراع في الإفادة من وساطته. ولكنه في الوقت عينه لم يقارب النقاط الشاطئية وأهميتها في طريقة رسم الخطوط البحرية المختلف حولها بين لبنان واسرائيل، بمقدار ما كان واضحاً عندما قال، أن ليس هناك من تقارير نهائية تتحدث عن حجم التداخل بين الأحواض النفطية والغازية حتى اليوم، وانّ هناك قدرة على تجاوز منطق «الخطوط المباشرة» في الترسيم، وإن كان ممكناً ان يشهد بعض «النتوءات» في بعض المواقع قياساً على حجم الأحواض غير المتداخلة، فإنّه امر يشكّل مخرجاً لعملية الترسيم. فالمصالح الاقتصادية يجب ان تتقدّم على اي خطوة لا تتناقض وما قالت به المعاهدات الدولية، ولا سيما قانون البحار.

عند هذه المعطيات، تبرز المخاوف من حجم القلق اللبناني الرسمي من الكشف على اقتراحات هوكشتاين بالصراحة المنتظرة تجاه اي ملف بأبعاده الوطنية الكبرى، وهو ما يدفع الى التقليل من قدرة المسؤولين اللبنانيين على مواجهة قضية من هذا النوع. فالمناكفات على ابواب الانتخابات النيابية قد تشمل هذا الملف ايضاً، فيُجمّد البحث فيه مجدداً، ليضاف الى لائحة القضايا المتعثرة. فما يثار اليوم من خلافات حول شكل ومضمون خطة التعافي الاقتصادي والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي والموازنة العامة كما التعيينات العسكرية، تنبئ بمزيد من التعثر في القدرة على التخفيف من آلام اللبنانيين لغايات ما زالت في « نفس اكثر من يعقوب»، في انتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من مستجدات.