IMLebanon

“زعيق” لبناني على ضفاف التسوية الكبرى

كتب جوني منيّر في “الجمهورية”:

أن تقرع طبول الحرب بقوة في اوكرانيا لا يعني بالضرورة انّ الحرب حتمية. فعلى الرغم من إجلاء البعثات الديبلوماسية، ودعوة رعايا الدول للمغادرة، الّا انّ الانطباع الغالب حتى الآن على الأقل، أنّ الرئيس الروسي ينفّذ مناورة كبيرة ومتقنة تهدّد بالحرب، ولكن من دون الذهاب اليها، بهدف تحقيق القدر الأكبر من المكاسب.

بوتين يرفع شعار تطبيق اتفاق «مينسك»، والذي اخلّت به الدول الغربية. وهو من خلال ذلك يسعى الى فرض معادلة قوة جديدة في اوروبا، تسمح بعودة أكبر للدور والنفوذ الروسي. هو الدور العالمي المرتكز على استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي، من خلال الإقرار بالشراكة الروسية في القرارات الدولية الحاسمة، مستغلاً المشاكل الهائلة التي تحاصر الرئيس الاميركي، وهذه عقبة بوجه إنجاز التسوية. فالرئيس الاميركي لا يستطيع تسجيل خسارة او تنازل بوجه روسيا، تجعل حزبه في موقف داخلي أكثر ضعفاً. بدليل انّ اغتيال زعيم «داعش» تبدّد مفعوله في الداخل الاميركي سريعاً وخلال ساعات معدودة. وهو أيضاً لا يستطيع الخسارة امام الكرملين، كي لا تفرض روسيا نفسها شريكاً كاملاً في اوروبا، وهو ما يقوّض النفوذ الاميركي في القارة العجوز. والأهم، انّ بايدن لا يريد تسجيل تراجع سيشجع الصين على تكراره في تايوان لاحقاً، والى تحفيز كوريا الشمالية على رفع مستوى التحدّي من خلال صواريخها لواشنطن، خصوصاً انّ الصين تراقب عن كثب وبصمت مسار الأزمة والسلوك الاميركي وكيف ستنتهي. رغم انّ الصين والتي تتقاطع في أزمة اوكرانيا مع روسيا، فإنّها تخشى ان تستعيد جارتها عوامل القوة العالمية.

وايضاً يخشى البيت الابيض ان تؤدي الخسارة الاميركية في اوكرانيا الى تمرّد ايران على ما تمّ تحقيقه حتى الآن في الملف النووي واقتراب اعلان العودة اليه، وهذا ما يهمّنا في الشرق الاوسط. وخلال الزيارة التي قام بها الرئيس الايراني الى موسكو لم تكن النتائج وردية كما ظهر في وسائل الإعلام. صحيح انّ هنالك الكثير من التقاطعات بين روسيا وايران، لكن ثمة عوائق وتضارباً في المصالح ايضاً. فموسكو الطامحة للعب دور عالمي اكبر، يغريها جداً الوصول الى الشاطئ الايراني عند بحر العرب، ما يسهّل عليها الربط المباشر بالهند. لكنها في المقابل ليست مرتاحة لتنامي النفوذ الإيراني في آسيا الوسطى. أضف الى ذلك، انّ الاعلان عن العودة الى الاتفاق النووي سيعني البدء بفتح ملف التسوية في سوريا، والتي تتعارض فيها المصالح بين ايران وروسيا. والواضح انّ التمهيد للتسوية السورية بدأ على الارض، وكانت آخر إشاراته قتل زعيم «داعش» بالتعاون مع تركيا والجولاني، والطلب من الإرهابيين الأجانب مغادرة ادلب.

وايران تهدف الى ان تكون مقراً دولياً يربط بين الصين وآسيا الوسطى والهند. وفي الوقت نفسه، تسعى الى التقارب الاقتصادي والسياسي مع روسيا. لكن في المقابل لا توجد اشارة واحدة الى انّ روسيا مهتمة فعلاً وبالعمق بمغازلة إيران، ما يوحي انّها لا تجد فيها شريكاً استراتيجياً مهمّاً لها. وخلال زيارة رئيسي الى موسكو أدلى الرئيس الايراني بمواقف اتهم فيها حلف الناتو بالتسلّل الى مناطق جغرافية مختلفة تحت مظاهر جديدة، تهدّد المصالح المشتركة للدول المستقلة. وهذا دعم واضح وكامل للموقف الروسي. ولكن على الرغم من الحوار الذي جرى بين بوتين ورئيسي حول آفاق تعاون طويل الأمد، من بينها العضوية في الاتحاد الاقتصادي الروسي، الّا انّه لم يتمّ توقيع اي اتفاقات مهمّة خلال الزيارة، ولم تحصل إيران على عضوية في الاتحاد الاوراسي. وقد تكون طهران تفضّل وضع اللعبة في إطار التلاعب ما بين مفاوضات فيينا وتوثيق العلاقات مع الصين وروسيا، والعمل على توظيف أزمة «اوكرانيا» لصالح المزيد من تحسين شروطها مع واشنطن. ومن هذه الزاوية ربما يُفهم تصريح رئيسي السلبي حيال مفاوضات فيينا. لكن ثمة اشارة قوية من لبنان حول تفاهمات اقليمية واسعة حصلت بين واشنطن وطهران. فالوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين، والذي ارجأ زيارته الى لبنان مرات عدة تحت أعذار مختلفة، أجرى زيارته الاخيرة وفق توقيت اقليمي ملائم، وغادر متفائلاً ومرتاحاً جداً لما حققته زيارته وفق مصادره.

والإشارات السلبية التي كانت صدرت عن «حزب الله» في السابق، اختفت لصالح التفاهم على المشروع المقترح، والذي بقي سرياً وبعيداً من صفحات الإعلام، وهذه مسألة نادرة في الحياة السياسية اللبنانية. وقيل انّ «حزب الله» الذي يتحضّر لمفاوضات صعبة ودقيقة حول تسوية سياسية عريضة في لبنان بعد الانتخابات النيابية، وبالتوازي مع فتح ملف التسوية في سوريا، قد يكون رغب بأن يضمّ ملف الترسيم البحري الى ملفه، كورقة تفاوض قوية تعزز مطالبه السياسية لاحقاً. وهو كان قد تبلّغ من باريس، بأنّ فرنسا ستقوم بمبادرة حول أزمة لبنان بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الفرنسية في نيسان المقبل. و»حزب الله» لا تزال تطن في أذنيه ما قاله ماكرون خلال زيارته الثانية الى بيروت حول عقد اجتماعي جديد في لبنان.

هي المفاوضات التي ينتظرها حول صيغة حكم جديدة في لبنان، ولو انّه بات يلمس انّ حظوظ عقد مؤتمر تأسيسي باتت معدومة داخلياً وخارجياً. لكن في العقد الاجتماعي الجديد، ثمة تفاهمات وجوائز ترضيه قد يكون «حزب الله» يعوّل عليها، وهذا ما يدفعه لتجميع اوراق التفاوض بين يديه. لكن «نجاح» هوكشتاين في زيارته يعطي الانطباع بأنّ ثمة تفاهمات حصلت على مستوى أعلى حول كامل الساحل الشرقي للبحر المتوسط، طبعاً في مقابل صفقة اوسع بموازاة الاتفاق النووي، وقد تكون طالت الخليج والعراق ربما.

في سوريا ملف إعادة إعمار ضخم ينتظر التسوية السياسية، وسيكون مصدره دول الخليج، وتأمل موسكو ومعها اسرائيل، ان يؤدي الى إضعاف نفوذ ايران داخل النظام.

وفي لبنان، حيث هاجر حوالى ربع مليون لبناني منذ نحو السنتين، وهو رقم هائل، من المفترض ان تؤدي تسوية الغاز الى إنعاش الاقتصاد، طبعاً الى جانب الاصلاحات المطلوبة على مستوى مؤسسات الدولة، والى جانب طبقة سياسية جديدة يجب ان تهتز ركائزها انطلاقاً من الانتخابات النيابية المقبلة. وبالتالي، فإنّ خلف خطوط الترسيم البحري خطوط ترسيم لنظام اقليمي جديد، مع سعي أطراف لبنانية الى تمرير مصالحهم الشخصية والذاتية من خلالها.

منذ فترة، كشف رئيس المجلس التنفيذي لـ»حزب الله» السيد هاشم صفي الدين، عن محاولة اميركية للتواصل المباشر مع «حزب الله»، وانّ الحزب رفض ذلك. وقد فاجأ كلام صفي الدين الأوساط المراقبة، كون «حزب الله» لا يكشف في العادة مسائل مشابهة. لكن الاستنتاج، انّ «حزب الله» أراد توجيه رسالتين من خلال ما كشفه: الاولى بأنّ الاميركيين يسعون دائماً لمحاورة «حزب الله»، وهم مهتمون بذلك، بخلاف ما يعتقد أخصامه على الساحة اللبنانية. والثانية، ليعلن انّه يرفض التحاور مع واشنطن أقلّه في تلك المرحلة، كون المسألة حصلت قبل أشهر عدة وفي عزّ التفاوض الصعب حول الملف النووي الايراني. فللمسائل التفاوضية توقيتها وظروفها. أضف الى ذلك، اعتقاد «حزب الله» انّ الهدف الاميركي من التفاوض هو ملف الترسيم البحري.

وبالتالي، فإنّ من المنطقي الاستنتاج بأنّ «حزب الله» الذي يستعد للانتخابات، يجمع بين يديه اوراق القوة لعرضها في المؤتمر الذي سيدعو اليه الرئيس الفرنسي حول مستقبل لبنان، على ان يلي ذلك الاستحقاق الرئاسي. و»حزب الله» يتصرف على قاعدة انّ حظوظ «حليفه» جبران باسيل باتت معدمة رئاسياً.

هو يعتقد انّ باسيل نفسه من المفترض انّه لم يعد موهوماً، ولو انّه لا يزال يرصد أي مستجد قد يلعب لمصلحته. فالمعادلة الرئاسية تبدّلت هذه المرة وأضحى «حزب الله» يملك حق «الفيتو» وليس حق التسمية كما حصل مع العماد ميشال عون. لكن الاستحقاق الرئاسي شيء والانتخابات النيابية شيء آخر.

ولذلك يريد «حزب الله» «إنقاذ» الكتلة النيابية لـ»التيار الوطني الحر» بأقصى ما يمكن. و»حزب الله» الذي يتصرف وكأنّ تعديل قانون الانتخاب «أصبح وراءنا»، تواصل مع باسيل من خلال وفيق صفا، بعد «همروجة» تعديل او تطوير الاتفاق التي نادى بها باسيل، إثر سقوط اقتراع تعديل قانون الانتخاب في المجلس الدستوري. فبعد أن هدأت الامور اعلامياً، بادر صفا باسيل بالسؤال عمّا إذا كان التيار لا يزال متمسكاً بالاتفاق او يريد وضعه جانباً.

وتابع صفا، انّ «حزب الله» يتفهم أي قرار كان، وسيبقى صديقاً للتيار. لكن باسيل اكّد تمسّكه بالاتفاق. وعندما سأله صفا عن دعوته لتطويره، اجاب باسيل: «نترك الموضوع الى ما بعد الانتخابات والانصراف الآن الى تفاصيل المعركة الانتخابية». وعند سؤال باسيل عن انّ ظروف المعركة تقتضي التحالف والتنسيق مع حركة «امل»، اجاب باسيل أن لا مشكلة لديه في هذا الإطار.

ونقل «حزب الله» جواب باسيل الى الرئيس نبيه بري الذي وافق مرحّباً، ولكنه طلب استثناء دائرتي البقاع الغربي وجزين لإخضاعهما لتفاهم جانبي.

وفهم «حزب الله» انّ بري يريد ضمان المقعد الارثوذكسي في البقاع الغربي لإيلي الفرزلي ومقعد ماروني في جزين لابراهيم عازار.

اما في الدائرة الثالثة في الشمال، فسيعمل «حزب الله» على توزيع اصواته واصوات حلفائه بين فرنجية وباسيل. وفيما يعمل «حزب الله» على تأمين ما بين 6 الى 7 مقاعد الى حليفه «التيار الوطني الحر» بشكل مباشر، فهو لا يمانع بإعطاء رئيس الجمهورية انتصارات إعلامية يوظفها في المعركة الانتخابية، كما هو حاصل الآن في مجلس الوزراء، شرط الّا تصل الى حدود إنجاز تعيينات شاملة يريدها عون ويرفضها بري.