IMLebanon

أوكرانيو لبنان ولبنانيو أوكرانيا على خطّ المواجهة!

جاء في “الراي الكويتية”:

ينقسم اللبنانيون سياسياً حول ما يحصل على الحدود الأوكرانية – الروسية، بما يشبه الإنقسام المحلي سابقاً بين «قوى 8 و14 مارس». فما أن اندلعت أولى شرارات التوتر حتى تردَّد صداه في لبنان، فارتفع شعاران: الأول للفريق المُعارِض لروسيا عنوانه «الغزو الروسي»، فيما رفع الفريق الآخَر شعار ضد «التهور الأميركي».

ومن دون أن يتعمّق البعض في حيثيات الأزمة الأوكرانية الأخيرة، فإن الانقسام حصل تلقائياً منذ بداية الأزمة.

كل الفريق المُعادي لدور روسيا في سورية ووقوفها إلى جانب الرئيس بشار الأسد، وقف حتماً إلى جانب المعسكر الأوكراني والدول الغربية التي تدعم كييف.

أما الذين يؤيدون روسيا من دون هوادة، فيتابعون مجريات الأحداث من زاوية تأييدهم للرئيس فلاديمير بوتين، باعتبار أن الحرب هدفها كسر الهيمنة الأميركية خصوصاً والغربية عموماً. حتى ان الدعابات بدأت تُطلق حول دخول «حزب الله» على خط الأزمة الساخنة لـ «تحرير أوكرانيا».

عندما اندلعت الثورة الأوكرانية في نهاية عام 2004 وبداية عام 2005، نزل الأوكرانيون إلى الشارع خصوصاً في كييف، احتجاجاً على نتائج الانتخابات الرئاسية والفساد الذي استشرى. ما وصل إلى بيروت منها في ذلك الحين هو لون الشال البرتقالي الذي لفّ به الأوكرانيون أعناقهم، فسُميت احتجاجاتهم بـ «الثورة البرتقالية».

وحين بدأ «التيار الوطني الحر» تظاهراته في بيروت، لفّ أنصار العماد ميشال عون أعناقهم بالشال البرتقالي، فيما حَمَلَ متظاهرو قوى «14 مارس» شالاً أبيض عليه العلم اللبناني، ورفعوا شعار «ثورة الأرز». ومنذ ذلك الوقت والأحزاب تتغنى بألوانها، الأزرق لـ«تيار المستقبل»، والأخضر الفاتح لـ«تيار المردة»، والأصفر لـ«حزب الله» والأخضر القاني لحركة «أمل».

مع مرور السنوات لم يبقَ من الثورة الأوكرانية في بيروت سوى اللون البرتقالي. لكن لأوكرانيا حكاية أخرى مع لبنان. فخلال الحرب في «بلاد الأرز»، وكونها كانت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، حصل عدد من الطلبة اللبنانيين على مِنَحٍ للتعلم فيها. لم يكن الأمر مقتصراً فقط على الطلبة الذين يدورون في فلك المعسكر الاشتراكي وأحزاب اليسار من الحزب الشيوعي أو السوري القومي الاجتماعي أو الحزب التقدمي الاشتراكي، بل ان منحاً عدة حصل عليها طلبة من اليمين اللبناني، بحسب التعريف الذي اعتُمد خلال الحرب.

وبعدما استقلت، جرى تبادل ديبلوماسي بين بيروت وكييف، وللبنان سفارة فيها منذ عام 2006. واستمر توافد اللبنانيين إلى أوكرانيا، للتعلم في جامعاتها، حيث يُقَدَّر حالياً وجود أكثر من ألف طالب فيها. وقد وُجهت نداءات لإجلائهم من كييف بعدما نصحت وزارة الخارجية الرعايا اللبنانيين بمغادرة أوكرانيا، علماً ان هؤلاء الطلبة رفعوا الصوت عالياً مع ارتفاع سعر الدولار وتوقُّف المصارف عن القيام بتحويلات إليهم، في عز أزمة المصارف، كما حين انفجرت أزمة «كورونا» وقامت السلطة اللبنانية بتسهيل عودة الطلبة من دول عدة من دون الالتفات إليهم.

تربط لبنان علاقات تجارية مع أوكرانيا، وبعد انفجار مرفأ بيروت (4 أب 2020)، أرسلت كييف مساعدات غذائية الى لبنان ومنها القمح (بعدما دُمّرت إهراءات المرفأ) وحالياً يقلق لبنان من تداعيات الحرب فيها إذ يستورد 50 في المئة من احتياجاته من القمح منها.

لكن لحكاية أوكرانيا مع لبنان وجه آخر نسوي، يتعلق بالطلبة الذين أغرموا بالصبايا الأوكرانيات، بعضهم عاد متزوجاً وبعضهم عاد لوحده تاركاً مَن أحبها على مسافات آلاف الكيلومترات. مَن عاد خلال الحرب مع زوجته الأوكرانية، لم يجد مشقّة سوى محاولة التكيف مع الوضع الاجتماعي لزوجةٍ لا تتحدث اللغة.

كما لم يكن مستغرباً وجود بعض الأوكرانيات اللواتي عملن في مجال عالم الليل اللبناني، في مرحلة ما بعد الحرب، لكن الأزمة الاقتصادية جعلت هذا الوجود يتضاءل.

ومع أحداث أوكرانيا، بدأت عائلات لبنانية اليوم تعيش مأساة مزدوجة، بين الأمهات الأوكرانيات اللواتي مازالت عائلاتهن في أوكرانيا، وبين العائلات التي أرسلت أولادها إلى كييف للدراسة أو العمل خصوصاً مع تردي الأحوال الاقتصادية في لبنان.

والجيل الجديد عرف أوكرانيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، ووجد فيها متنفساً، لا سيما مع فارق العملة بين بيروت وكييف، قبل انهيار وضع الليرة اللبنانية، قياساً إلى المعيشة في أوروبا الغربية.

والأوكرانيون في لبنان (السفير الأوكراني يتحدث عن وجود بين 3 و4 آلاف أوكراني أو يحملون الجنسية في بيروت)، يتعاملون بدورهم مع الأزمة في بلادهم من منظارين مختلفين. أحد المتحدّرين اللبنانيين من عائلة نصفها يعيش في أوكرانيا وحازت أخيراً الجنسية الروسية، يقف إلى جانب المعسكر الروسي. بالنسبة إليه، روسيا تحاول حماية الشعب الأوكراني من النظام الذي يستبدّ بشعبه.

تتدرّب عائلته الموجودة في المناطق الحدودية على حمل السلاح، لكن من أجل الوقوف إلى جانب روسيا. والحرب بالنسبة إلى مؤيدي روسيا ستكون خاتمة لِما هو حاصل منذ أعوام من أحداث واستعدادات ولكن بصورة مستترة، وستكون طريقة للخلاص من «النظام الديكتاتوري».

ويعيش، في المقابل، أوكرانيون في لبنان عائلاتهم موجودة في كييف، كونهم من مؤيدي السلطة الحالية ويعارضون التدخل الروسي. تعيش إحدى الأوكرانيات مع زوجها في منطقة جبلية صغيرة، ورغم أن حياتها مع زوج متوسط الحال، التقت به في رحلته إلى أوكرانيا، إلا أنها وجدت في لبنان مجالاً للحياة العادية، كزوجة وأم، وهي كانت إلى ما قبل انهيار الليرة، تستطيع إرسال مساعدة مالية إلى أهلها في أوكرانيا.

الحياة وفق المعايير الغربية، تشكل للمتحدرين من عائلات عرفت الشقاء أيام الاتحاد السوفياتي، هي المعيار الذي يرى فيه هؤلاء احتمال العيش في ظل الرعاية الروسية. وقد وجدوا في لبنان متنفساً، وهم الخارجون من حياة الفقر والقمع، إلى مجتمع رحب يعيش كل تناقضاته وانهياره، لكنه ظل بالنسبة إليهم مجالاً للحياة. وهم يتطلعون إلى أوكرانيا اليوم بحسرة احتمالات العودة إلى زمن «الاتحاد السوفياتي» بمسميات أخرى.