IMLebanon

المرأة اللبنانية تُحجم عن السياسة والأحزاب تحجُبها

كتبت زيزي اسطفان في “الراي الكويتية”:

تنافس الاستعداداتُ للانتخابات النيابية المقرَّرة في 15 أيار المقبل المآسي اليومية للبنانيين، رغم ما يحوط هذا الإستحقاق من شكوك حول إمكان الإطاحة به من أطراف سياسية بدأت تحصي خسائرها قبل فتح صناديق الإقتراع، أو من مفاجآت تضمرها صناديق الرصاص.

ولم يحل التمهل في اقتحام السباق الإنتخابي، بدليل قلة الترشيحات حتى الآن، دون دخول البلاد في مدار إستحقاقٍ بدأ الحديث مبكراً عن أنه سيكون بمثابة «حربٍ» سياسية في صراع مستميت على الإمساك بالغالبية البرلمانية وما ينطوي عليه الأمر من محاولات لتعديل موازين القوى تحت خيمة الشرعية.

وفي حمأة التحضيرات لملاقاة استحقاق مايو بدأت الشاشات تضج بعناوين قديمة – جديدة تعوّدها الشارع السياسي ومنتدياته مع كل إنتخاباتٍ تشريعية، وفي مقدمها مكانة المرأة في السباق إلى البرلمان، لا سيما ترشيحاً، في ضوء الواقع اللبناني المعقّد، الذي إزداد تآكُلاً مع الإنهيار المتمادي الذي تعيشه البلاد.

والمفارقة مع العدّ التنازلي لمنازلة أيار أن حركة الترشيحات (تنتهي في 15 ذار مهلة التقدم بها) ما زالت بطيئة جداً، ربما في إنتظار نضوج خريطة التحالفات، وتالياً فإن الحملات الإنتخابية لم تنطلق جدياً… وحدهن النساء يقمن بحملات كثيفة، لا على الصعيد الشخصي للمرشّحات بل كحركات وجمعيات للمطالبة بإنصاف المرأة في انتخابات 2022 وتحديد كوتا نسائية تتيح لها حجز عدد من المقاعد في المجلس النيابي العتيد.

«تركونا نقعد محلنا» هو عنوان إحدى هذه الحملات التي أطلقتْها حركة fifty fifty، و«أعطوا الصوت التفضيلي للمرأة بدنا مناصفة على اللوائح» عنوانٌ آخَر يكشف إصرار النساء على المشاركة الفعلية في الإنتخابات تَرَشُّحاً وتصويتاً ومطالبةً بالحقوق.

ولكن الحملات النسائية الداعية للمشاركة الفاعلة في العملية الانتخابية لا تعكس الواقعَ الفعلي لمسار المعركة حيث أن ترشيح النساء من الأحزاب الكبرى ما زال ضعيفاً جداً ولا يبشّر مطلقاً بتعزيز حضور المرأة في البرلمان على نحو يشقّ الطريق في اتجاه المناصفة، فيما الترشح الفردي او باسم حركات التغيير على اختلافها ما زال خجولاً وإن برزت فيه بعض الأسماء النسائية المعروفة.

الكوتا النسائية لم تُقرّ في البرلمان، بل سقطت في الدقيقة الأولى من جلسة مناقشة قانون الانتخاب من اللجان النيابية. والتعديل الذي كانت النائبة النشيطة عناية عز الدين اقترحته لإقرار كوتا نسائية تتيح حجز 26 مقعداً للنساء من أصل 128 وتضمين اللوائح 40 في المئة من النساء سقط على الفور من قبل «رجال» المجلس الذين وجدوا لعدم إقراره أكثر من تبرير…

ورغم بروز النساء بشكل كبير على الأرض في إنتفاضة 17 تشرين من العام 2019 وإحتلالهن الصفوف الأمامية في التحركات ضد المنظومة القائمة وفسادها، ورغم دورهنّ الفاعل أيضاً بعد إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020 في عمليات الإغاثة وترميم البيوت ومن ثم المطالبة بتحقيق العدالة لكل الضحايا، لم ينعكس هذا الدور حتى اليوم على واقعهنّ في السياسة والإنتخابات، بل يبدو ان واقع ترشح المرأة في العام 2018 كان أفضل مما هو عليه اليوم.

حينها كان عدد النساء المرشحات بحسب الإحصاءات التي نشرتها الدولية للمعلومات 111 مرشحة من ضمن 976 كعدد إجمالي للمرشحين. واللافت أن عدد المرشحات الأكبر كان في الطائفتين السنية (30 مرشحة) والمارونية (31 مرشحة) فيما تضاءل العدد كثيراً عند الشيعة (12 مرشحة) وعند الدروز (8 مرشحات). وقد برزت أكبر نسبة من المرشحات في دائرة بيروت الثانية، وتلتْها بيروت الأولى والمتن وثم الزهراني – صور.

وبيّنت الإحصاءاتُ إقبال الشابات دون الأربعين على عملية الترشح حيث بلغت نسبتهن 33 في المئة، فيما وصلت نسبة من هن بين الأربعين والستين إلى 25 في المئة ومثلهن الأكبر سناً، وهذا إن دلّ على شيء فعلى إهتمام الجيل الجديد من النساء بدخول معترك السياسة من باب البرلمان وإقتناعهن بضرورة تمثيل المرأة فيه. كما جاءت غالبية الترشيحات لنساء من المجتمع المدني وبعض الحركات التي نشطت في الإنتخابات البلدية السابقة أي من خارج إطار الأحزاب التقليدية.

وكان لافتاً حينها أيضاً تشكيل لائحة نسائية صرف في منطقة عكار ضمت خمس نساء برئاسة رولا مراد (كررت الترشح للانتخابات المقبلة) وكان الهدف من هذه اللائحة إعلاء صوت المرأة الريفية وتأكيد أنها كفوءة وواعية ولا تخضع للوصاية السياسية والانتخابية للرجل، سواء كان زعيماً أو والداً أو زوجاً.

لكن كثرة أعداد المرشحات لم تُترجم يومها زيادةً في عدد النساء في المجلس النيابي، ولم تَفُزْ إلا ست نساء أي ما نسبته 4.6 في المئة من مجمل عدد المقاعد البالغ 128 وبزيادة مقعدين عن الانتخابات التي سبقتها. وغالبية الفائزات كن مدعومات من الأحزاب السياسية اللبنانية ما عدا النائبة بولا يعقوبيان، فيما سانَدَ «تيار المستقبل» ترشيح بهية الحريري بالطبع إضافة إلى النائبتين رولا الطبش وديما جمالي، فيما دعم حزب «القوات اللبنانية» ترشيح ستريدا جعجع ودعمت حركة «أمل» ترشيح النائبة عناية عز الدين. ومن بين المرشحات اللواتي نلن عدداً كبيراً من الأصوات كاد يؤهلهن لدخول الندوة النيابية جومانا حداد في دائرة بيروت الأولى حيث تم إعلان فوزها ومن ثم إلغاؤه لإشكالياتٍ بقيت مجهولة، وإقتراب المرشحة غادة عيد من الفوز في دائرة الشوف وعاليه.

واللافت في الإنتخابات الماضية كان تطعيم غالبية اللوائح الحزبية بأسماء نسائية لم تشكل حضوراً سياسياً فاعلاً ولم يكن لها أي حظوظ بالفوز بل جاءت ربما لكسر الصورة النمطية للترشيحات وللإستفادة من أصوات النساء لدعم اللائحة وتأمين الحاصل الانتخابي الذي يؤهّل أي لائحة للحصول على مقعد وما فوق وفوز مرشحيها الرجال بالأصوات التفضيلية.

عوائق مالية وسياسية

اليوم تبدو صورة الترشيحات مختلفة وضبابية، لا بالنسبة للنساء فحسب بل على صعيد الترشح ككل وذلك لأكثر من سبب ليس أقلها رفع رسم الترشيح الى 30 مليون ليرة لبنانية وهو الأمر الذي يشكل عائقاً أمام المرشحين الذين يجدون صعوبة في الحصول على هذا المبلغ من المصارف كما يجدون صعوبة في فتح حسابات مصرفية خاصة بالترشح، وهو الأمر الذي تسعى الحكومة لتسهيله وإصدار تعاميم في شأنه. كذلك يقف قانون الانتخاب الذي يعتمد النسبية والصوت التفضيلي عائقاً أيضاً في وجه ترشح النساء حيث لا يعطيهن فرصاً كبيرة للفوز في ظل ترؤس رجال لغالبية اللوائح. هذا عدا عن ضبابية التحالفات الإنتخابية حيث تَرفض غالبية مرشحات المجتمع المدني التحالف مع القوى التقليدية القائمة لتشكيل لوائح إنتخابية موحدة، إضافة إلى تشتت قوى التغيير وعدم إنضوائها جميعها في لوائح واحدة ما يساعد على تشتيت أصوات الناخبين وخفض الحاصل الإنتخابي لمصلحة اللوائح القوية للقوى السياسية التقليدية.

سبب ضعف الترشيحات إذاً لا يكمن في عدم نية المرأة خوض غمار العمل السياسي والإنتخابي ولا في قلة كفاءتها، بل في التركيبة السياسية اللبنانية التي تتصارع فيها الأحزاب بشراسة على المقاعد النيابية لا سيما اليوم حيث المعركة الإنتخابية تتخذ وجه الحرب وقد تمت تسميتها بـ «حرب تموز سياسية» من قبل «حزب الله» أو حرب «تحرير سياسية» كردٍّ من قبل «القوات اللبنانية». ومن هنا يصبح وجود المرأة السياسي ودورها أمراً ثانوياً بالنسبة للأحزاب التي تضع كامل ثقلها للفوز بمقاعد أكثر في الإنتخابات على حساب المرأة.