IMLebanon

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا: حرب باردة ونظام عالمي جديد!

تحقيق يارا المصري:

بعد حوالي نصف شهرٍ على الاجتياح الروسي لأوكرانيا، لا يزال المشهد على حاله. فرغم المحاولات الدولية لإنقاذ أوكرانيا من الكوارث الإنسانية، وتجنيب العالم حرباً عالمية ثالثة، يزداد عناد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في حين تزداد عزلته الدولية وسط تعاطف ودعم كبير لأوكرانيا التي تعاني أزمة إنسانية لم تشهد أوروبا مثيلا لها منذ الحرب العالمية الثانية.

وتلقي الازمة الروسية الاوكرانية بظلالها على العالم بأسره، لا سيما إقتصادياً بعد ارتفاع أسعار النفط وسط مساعٍ دولية لتعويض النفط الروسي. في حين تواجه روسيا خناقاً اقتصادياً، وسط عقوبات دولية وعزلة سياسية قاسية. كلها أحداث لا يمكن اعتبارها إلا بداية لكارثة اقتصادية وسياسية عالمية إذا استمرت الحرب طويلاً.فما تداعيات تلك الحرب على طرفي الصراع (روسيا وأوكرانيا) من جهة وعلى النظام العالمي من جهة أخرى؟

الحرب الباردة الجديدة

تفاجأ الرئيس بوتين مع دخوله أوكرانيا بقوة المقاومة الأوكرانية بوجه جيشه الروسي، بعدما كان قد راهن على ضعف جيش خصمه وسهولة استسلامه.

كما تفاجأ بوتين بالدعم والتعاطف الدولي إلى جانب الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي الذي أصبح “بطلاً مقاوماً” بنظر شعبه والعالم في مقابل تخلٍّ عالمي عن روسيا، حتى من أقرب حلفائها.

ويراهن الغرب اليوم على سقوط بوتين في الداخل الروسي بعد تضييق الخناق على روسيا سياسياً واقتصاديا. استمد بوتين شعبيته في الداخل الروسي، بعد النهضة الإقتصادية التي أحدثها لروسيا بعد التسعينات، ومساهمته في زيادة نسبة الطبقة الوسطى في المجتمع الروسي. لذا يخطط الغرب اليوم لإضعاف بوتين عن طريق إحداث نقمة شعبية روسية بوجهه، جراء الأزمة الإقتصادية التي قد تحدثها تلك العقوبات.

ويرى الباحث السياسي والأستاذ الجامعي د. مكرم رباح في حديث لـIMLebanon أن “بوتين اليوم امام خيار واحد وهو المواجهة العسكرية والسياسية والإقتصادية مع الدول الغربية الداعمة لأوكرانيا، ويراهن أن هذا الغزو سيتعب إقتصاد هذه الدول لذا سوف يكون هناك ضغط أكبرعلى الغرب”.

ويضيف: ” سوف ينهار الإقتصاد الروسي إلا أن بوتين لا يراهن إلا على فوزه ولو معنوياً وعسكرياً”.

التهديد بالنووي

تداولت وسائل الإعلام تقارير تظهر سيناريوهات الحرب العالمية الثالثة، التي أكدت روسيا والغرب بأنه في حال اندلعت سوف تكون “نووية ومدمرة”. وازداد الأمر خطورة بعدما أمر بوتين قواته النووية بالتأهب.

د. رباح استبعد احتمالية اندلاع أي حرب نووية، قائلا أن “التلويح  باستعمال النووي هو مجرد مناورة يحدثها بوتين لتذكير العالم بأنه يملك هذه الترسانة، وهو لن يقوم باي استعمال تكتيكي لهذا السلاح، طالما لا تتعرض روسيا إلى هجوم مباشر. وهذا التهويل هو خير دليل أن بوتين مهزوم وأداءه العسكري على أرض الواقع مضر بسياسته الدولية”.

أوكرانيا الجديدة

يرجح الباحث السياسي مكرم رباح  أن “أوكرانيا التي نعرفها لن تعود كما كانت”. ويوضح لـIMLebanon: “بوتين سوف يقوم بتقسيم أوكرانيا وسيعلن تلك الجمهوريات تابعة له وسيستمر بهذا الأمر حتى يضمن أن الغرب سيتراجع عن محاولة تطويقه من قبل الناتو”.

وكانت تقارير لصحيفة newyork times قد أشارت إلى أن العملية العسكرية لن تتوقف قبل فصل أوكرانيا شرقاً وغرباً، مع تركيز بوتين على السيطرة على المنطقة الشرقية وتشكيل حكومة موالية له فيها.

ويدعم هذا الإحتمال فيديو سُرّب لرئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكا تشينكو يستعرض أمام مجلس الأمن خارطة لأوكرانيا ظهرت مقسمة إلى أربعة أجزاء، مع إشارات إلى تركيز الهجوم الروسي على الخط الشرقي.

وفي هذا السياق يرى رباح أن “ما يحدث هو بمثابة مواجهة طويلة أو شيء يشبه ألمانيا أيام الحرب الباردة” ويضيف “لا أعتقد أن بوتين في وضع يسمح له بان يقوم بالإبقاء على تلك الاقاليم أو تلك الجمهوريات الشعبية متصلة بروسيا إقتصادياً، كون روسيا في  وضع سيء وسوف تكون بوضع أسوأ في حال رفض التخلي عنها”.

آثار الحرب على العالم

تسعى الدول اليوم للبحث عن بديل لسد حاجاتها من النفط بعد قطع امداداته من النفط الروسي ومقاطعة روسيا اقتصادياً.

وفي هذا السياق يرى رباح بأنه ثمة احتمال أن تلجأ تلك الدول إلى فينزويلا. في حين يستبعد احتمال اللجوء إلى إيران باعتبار أن “النفط الإيراني والبنى التحتية الإيرانية تحتاج الكثير من الإستثمار وهذا الامر غير مطروح الآن”.

أما عن مصير المفاوضات النووية بين إيران ودول 5+1 في فيينا، فيتوقع رباح أن ما يحصل باوكرانيا يضعف المحور الممانع سياسياً ولكنه في الوقت نفسه  يرى أن هذا المحور يراهن على الخراب وعلى قدرته على إحداث الدمار، وقد برهن ذلك سابقاً من خلال قدرته على تحقيق مكاسب سياسية”.

كما يشير إلى أن المواقف العربية التي رفضت أن تعادي بوتين، سوف تخلق مشاكل كثيرة مع الغرب خصوصا السعودية التي رأت سابقاً أن السماح لإيران بالإستمرار بتوسعها في العالم العربي كان رسالة واضحة من إدارة بايدن لتلك البلدان العربية.

من جهة أخرى يرى رباح أن ما قام به بوتين الآن أعاد تمكين حلف الناتو الذي كان على وشك السقوط. ويتوقع أن تدفع تلك الحرب العديد من الدول، التي كانت مترددة من دخول الحلف سابقاً، أن تطلب الإنضمام اليه وسوف تقوم بشكل واضح بالتسلح وهذا ما يحدث الآن مع ألمانيا التي كانت في السابق لا تملك قدرات هجومية ووصلت إلى قناعة بالعودة لبناء جيشها كما كان في السابق.

وعن مستقبل النظام العالمي بعد الحرب يختم رباح حديثه متوقعاً أن “النظام العالمي الجديد سوف يثبت أن روسيا العظيمة تملك القدرة على غزو أوكرانيا، ولكن على الصعيد الدولي لا تملك الحنكة للمناورة وسط الألغام الاميركية والأوروبية”.