IMLebanon

“تهريبة” تعيينات في حكومة ميقاتي

عَكَسَ مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة، بعد ظهر الخميس الماضي، حال الانفصام السياسي الذي تعانيه السلطة في لبنان، بين الغليان المعيشي في ظل الإنهيار المالي – الاقتصادي المتعاظم جراء تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وبين الصفقات السياسية التي كان مسرحها الحكومة.

كان من المتوقَّع قياساً إلى حجم المشكلات المتفجّرة التي يواجهها لبنان نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا، أن يبادر مجلس الوزراء إلى إعلان حال طوارئ والانكباب على معالجة موضوع استيراد القمح وحل أزمة استيراد المازوت في غياب الكهرباء وخصوصاً بعد تراجع خدمة مولدات الأحياء إلى الحد الأقصى إثر إرتفاع سعر الديزيل، وكسر الدولار عتبة العشرين ألف ليرة صعوداً بعد جمود لأسابيع.
إلا أن الحكومة، تحوّلت «علبةً» تُترجم فيها تفاهماتٌ سياسية صُنعت خارج مجلس الوزراء. فبدت الطبقة السياسية الحاكمة، متناغمةً في سعيها إلى استكمال محاصصتها، ووقف المناكفات التي ظهرتْ حتى الآن على أنها «فقاعات» إعلامية أكثر منها سياسية.

منذ عودة الثنائي الشيعي («أمل» و«حزب الله») إلى طاولة مجلس الوزراء وهو مصرّ على عدم تَجاوُز الاتفاق الذي قضى بعودته إليها على قاعدة حصر جدول أعمالها ببنود ذات صلة بالموازنة (أُقر مشروع قانونها) والشؤون المعيشية وخطة النهوض الاقتصادي. وما أن مَرَّرَ رئيسا الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي التعيينات العسكرية حتى قامت قيامة رئيس البرلمان نبيه بري الذي أصرّ حينها على عدم استكمالها ورفْض المقايضة بتعيين نائب للمدير العام لجهاز أمن الدولة وهو من حصة الشيعة. وتَمَسَّكَ حينها بالإيعاز لوزير المال (من حصته) بعدم توقع التعيينات التي رفعها وزير الدفاع المحسوب على الرئيس عون، والمتعلقة بمنصبين مسيحيين في المجلس العسكري في قيادة الجيش.

ولكن فجأة ومن خارج أي طار سياسي، تم الاتفاق على تعيين نائب المدير العام لأمن الدولة من حصة الثنائي، مع الاتجاه حُكْماً إلى توقيع وزير المال على تعيين العضوين في المجلس العسكري. والأدهى كان قبول استقالة المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا والاتفاق على إعادة تعيينه مدنياً. ومرّ التعيين (الخميس) وكأن شيئاً لم يكن، رغم كل الالتباسات التي تحوط بوضعيه صليبا الذي كان عون رفض ملاحقته في ملف إنفجار مرفأ بيروت، الأمر الذي إعتبره أهالي شهداء المرفأ استفزازاً صارخاً لقضيتهم، وسط معلومات عن ان هذا التعيين يشكل حماية للمدير العام لأمن الدولة كونه لمدة خمس سنوات حتى يُحال على التقاعد.

واقتضى الاتفاق السياسي العام الذي جرى خارج مجلس الوزراء ان يُعيَّن زياد مكاري وزيراً للإعلام من حصة «تيار المردة» (برئاسة النائب السابق سليمان فرنجية)، بدلاً للوزير المستقيل جورج قرداحي. أي ان الـ«Deal» السياسي توسَّع ليشمل كل الأطراف، فدخل «المردة» على خط التفاهم لتعيين وزير من حصته. ورغم أن فرنجية كان رفض الأمر غداة استقالة قرداحي إلا أنه عاد ولمح في مقابلة تلفزيونية إلى هذا التعيين.

وفي حسابات فرنجية وخلفه حلفاؤه من «أمل» و«حزب الله» ان الحكومة الحالية ستبقى طويلاً سواء حصلت الإنتخابات النيابية في 15 أيار المقبل أم لم تحصل، فهي مرشحة لأن تتحول حكومة تصريف أعمال لأشهر طويلة، أي لحين بلوغ الإستحقاق الرئاسي المقبل على فراغ (بعد 31 تشرين الاول المقبل)، وتالياً فإن هذا التعيين يتعدى كونه أمراً روتينياً، إذ قرّر فرنجية إستعادة الحقيبة إلى مسقطه في زغرتا بعدما أعطاها سابقاً لحليفه الكسرواني النائب فريد هيكل الخازن، فاختار وزيراً محسوباً عليه مئة في المئة من دون أن تكون لسورية أو لـ «حزب الله» حصة فيه كما كانت الحال مع قرداحي.

لم يشمل الاتفاق السياسي معالجة قضية الإقتراع عبر الميغاسنتر، وما زال هذا الملف معلَّقاً، لكن من الثابت يوماً بعد آخر ان ثمة قطباً مخفية فيه، يراد منها تطيير الإنتخابات. فمجلس الوزراء أسقط إعتماد الميغاسنتر في إستحقاق 15 أيار المقبل على أن تُعتمد في لنتخابات 2026. والسؤال هل يسلّم «التيار الوطني الحر» برئاسة النائب جبران باسيل، الذي يرفع لواء الإقتراع عبر مراكز عن بُعد، بهذا «السقوط» أم يصرّ وفق ما جرى التلميح إليه على نقل الموضوع إلى مجلس النواب؟ علماً ان «حزب الله» لا يحبذ إعتماد «الميغاسنتر» لعدم قدرته كثنائي، مع حركة «أمل»، على التحكم بناخبي المناطق التي تقع تحت سيطرته المباشرة جنوباً وبقاعاً وحتى في المناطق التي تصبح فيها أصوات الكتلة الشيعة مؤثرة كأقلية في إختيار مؤيدي الثنائي.

أما «التيار الوطني» فيصرّ عليها لأسباب معاكسة، بسبب سهولة التحكم بالميغاسنتر عبر مراكز موسعة تتسع لأقلام تابعة لجميع الدوائر، ما يجعلها عرضة لشكوك التزوير. وهو ما أثير مع نقل «أكياس» أصوات المغتربين الذين إقترعوا في الدورة الإنتخابية الماضية وتم وفرزها محلياً بدل فرزها حيث أمكنة الإقتراع. ورغم ان إقتراحات تم تداولها حول إحتمال الفرز محلياً، لكن كل القوى السياسية توافقت على تطيير الميغاسنتر بإستثناء التيار الذي سينقل المعركة إلى مجلس النواب، علماً أن الكتل السياسية الممثلة في صورة غير مباشرة في مجلس الوزراء عبّرت صراحة عن رفضها «السياسي» للإقتراح، إضافة إلى تبريرات وزارة الداخلية بعدم القدرة التقنية والمالية على إعتماد الميغاسنتر. وهنا الخشية من ان يكون ثمة تواطؤ سياسي ليكون الميغاسنتر سبب التأجيل.

وتتحدث مصادر سياسية ونيابية عن تداول أجواء بإحتمال التأجيل إلى سبتمبر المقبل. من دون أن يُفهم سبب تحديد هذا الموعد الذي يسبق موعد الانتخابات الرئاسية بنحو شهر.

في المقابل وفي الوقت الذي كان الرئيس عون يجتمع مع رئيس جمعية المصارف سليم صفير كانت القاضية غادة عون المحسوبة على القصر الجمهوري تصدر أمراً قضائياً بمنْع صفير من السفر، مع رؤساء مجالس أربعة مصارف، على خلفية شكوى كانت قدمتها مجموعة «الشعب يريد إصلاح النظام». وبحسب المعلومات فإن الاتفاق السياسي الذي تُرجم في مجلس الوزراء تعييناتٍ، لا ينطبق على بعض المطالب المتعلقة بالمصارف والودائع ولا سيما في ضوء ضغط صندوق النقد الدولي وعشية الإنتخابات. وهو ما يُبْقي البازار المصرفي – السياسي مفتوحاً.