IMLebanon

“الرئاسية” بعد “النيابية”… من يجلس على كرسي بعبدا؟

لا تتوانى سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو عن الاعلان امام بعض من تلتقيهم من السياسيين اللبنانيين “أن الانتخابات النيابية هي الخطّ الاحمر الممنوع القفز فوقه او تجاوزه”، لتنطلق على اثرها مرحلة النهوض الاقتصادي، قبل الدخول مجددا في مدار الانتخابات الرئاسية، الواجب حصولها اكثر من اي يوم مضى فالفراغ ممنوع . لكن شخصية الرئيس العتيد تفرزها التطورات والتسوية الاقليمية، وما يجري بين الولايات المتحدة وإيران وتطورات حرب اوكرانيا واجتماعات فيينا سيكون لها تاثيرها على عملية اختيار الرئيس العتيد حكما.

وتوازيا، تؤكد اوساط دبلوماسية غربية ان الانتخابات الرئاسية في لبنان هي نتيجة تسوية بين الولايات المتحدة وايران، من دون أن يعني ذلك تخلي واشنطن عن لبنان وتسليمه إلى طهران، أو حتى تلزيمه إلى أي جهة بعد اليوم، لافتة إلى أن على حزب الله ان يتخلى عن سلاحه طوعاً أو بأمر ايراني كما عن رفع شعار المقاومة لتحرير الارض، والانخراط في التسوية والحياة السياسية كحزب سياسي. فكيف يبدو المشهد السياسي لمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية؟

السياسي الدكتور توفيق هندي يعتبر عبر “المركزية” ان “كل ما سبق بعيد عن واقع لبنان الذي يعاني من وجود قوة عسكرية وحيدة خارج إطار الدولة، إضافة إلى موقعه في منطقة تتمحور قضيتها حول صراع عسكري -أمني، بحيث يصبح هذا الصراع العنصر الرئيسي لأي ميزان قوى، أما العناصر الأخرى الشعبية والدبلوماسية وحتّى العامل الاقتصادي، فتفرغ من معانيها، لأن من يريد خوض الانتخابات والحصول على الأغلبية أو على الأكثرية الشعبية، لن يحقق ما يريد، وكل هذه العناصر لن توصل إلى أي مكان لأن العنصر الرئيسي هو الأمني -العسكري وهذا معناه ان حزب الله سيستمر في الإمساك بزمام الأمور”.

ويضيف: “حزب الله، ليس حزبا في لبنان بل هو جزء لا يتجزأ من الجمهورية الاسلامية في ايران. والأخيرة ليست ضعيفة كي تسلّم بالأمر الواقع، كما ان هناك اموراً لا يمكنها التخلي عنها كتصدير الثورة الى العالم مثلاً، انطلاقا من المنطقة وبشكل رئيسي من حزب الله، الذي هو المكون الرئيسي لفيلق القدس ومحور المقاومة، أي انه بمعنى آخر رئيس هذا الجيش. وبالتالي لن يسلّم الإيرانيون سلاحهم، لأن ذلك يعني سقوط النظام في ايران، وهذا الامر يشكّل علّة وجود الجمهورية الاسلامية. لذلك، كل ما يُحكى عن أن الولايات المتحدة ستتخلى او لا تتخلى عن لبنان غير منطقي، لأن الحقيقة هي أنها تحاول الخروج من كل المنطقة. كما أنها حتى الساعة، لا تريد الاعتراف بأن هناك احتلالا ايرانيا للبنان لأنها تفاوض ايران، لا من موقع قوة بل ضعف، ومن موقع اللهث وراء الوصول الى اتفاق نووي وفق شروط طهران حتى الآن”.

عن السيناريو المتوقع يقول هندي: “اليوم تنتهي مهلة تشكيل اللوائح. وصباح غد تكون الصورة قد اكتملت أمام حزب الله بعد إجراء تقديراته. فإذا تبيّن له أنه سينال أغلبية المجلس، تُجرى الانتخابات، وإلا فـ”سيفركشها” في آخر لحظة، وقتها يصبح المجتمع الدولي، أمام خيار إما حصول فراغ برلماني يؤدي الى فراغ في السلطات الدستورية للدولة “الوهمية” أي رئاسة الجمهورية والحكومة، لأن هذه الدولة، عمليا غير موجودة، او التمديد، والاتجاه سيكون نحو التمديد، لأن الأمور لن تتغير بشكل كبير حتى 15 أيار أي بعد أقل من شهر ونصف الشهر. إذاً، حزب الله سيحافظ على الأغلبية البرلمانية العادية. البعض يعتبر أنه سيحصل على الثلثين إلا أن هذا الامر غير متوقع، وما سيحافظ عليه أقله 65 نائبا مع حلفائه من أصل 128 نائباً، في حال حصلت الانتخابات وأراد هو الانتخابات. أما في حال عدم حصولها فإنه سيحافظ أيضاً على الأغلبية. وفي كلتا الحالين سيكون في البرلمان في 15 ايار وتكون الاغلبية بيده”.

وعن انتخابات الرئاسة يجيب: “لبنان على موعد معها بعد 6 أشهر، وبما أن حزب الله لديه الأغلبية العادية، سيطلب من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ان يجمع مكتب المجلس لتفسير المادة 49 من الدستور، والتي تقول: يُنتخَب رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي المجلس في الدورة الأولى، وبالأغلبية المطلقة (أي 65 نائبا وأكثر) في الدورات التي تلي. برأيي الحديث عن فراغ رئاسي او التمديد للرئيس ميشال عون غير مطروح عند حزب الله، هو يريد انتخاب رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بالنصف زائدا واحدا، لأنه مناسب ويشكّل له الغطاء المسيحي أكثر من الخيار الثاني أي رئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية. حتى لو ان باسيل لن يحصل على عدد النواب نفسه، وقد يخسر اربعة او خمسة نواب لا أكثر لأنه سيحظى بمساندة حزب الله. وحزب الله سيختار باسيل لأنه في حال اختار فرنجية سيحرد “التيار” وقد يكون احتمال خروج نوابه من المجلس واردا، في حين أن فرنجية مع الخط مهما كان، ولديه موقف مبدئي. وبالتالي معاً سيشكلان له الغطاء المسيحي”.

ويتابع هندي: “إذاً الحديث عن التسويات والمتغيرات في غير محلّه، ومن يطلقه لا يفقه طبيعة الجمهورية الايرانية، ولا يعرف مع من يتعاطى، والحديث بأن حزب الله متعب والشيعة أصبحوا ضده غير صحيح. ايران ليست بموقع الضعيف، بالعكس هي تتنمر بقدر ما تستطيع وتطرح شروطاً منها شطب الحرس الثوري الايراني عن لوائح الارهاب، وتطلب ضمانات من الولايات المتحدة بألا تعود للانسحاب مجدداً من الاتفاق، وهذا ما لا يمكن أميركا أن تعطيه. ايران غير زاحفة، والايرانيون نفسهم طويل، عاشوا أكثر من 43 سنة تحت العقوبات واكملوا، وهم غير مستعجلين”.

ويختم: “لا مجال لخلاص لبنان إلا من خلال حركة سيادية تغييرية من خارج أطر الدولة، لأن هذه الدولة انتهت، وفي مرحلة معينة يتغير الوضع الاقليمي والدولي لصالح لبنان. لنتذكر أيام الاحتلال السوري، عندما حصلت حركة سيادية مؤلفة من “قرنة شهوان” و”البريستول” و”14 آذار”، لكن كل ذلك ما كان ليُنجِز الانسحاب السوري لولا إرسال الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، الذي كان موجوداً في العراق، تهديداً عسكرياً للرئيس السوري حافظ الاسد، يطلب منه الخروج من لبنان”.