IMLebanon

لبنان… إلى انتخاباتٍ بنكهة “الصراع الوجودي”

 

ابتداءً من الغد، تكون كل «أوراق» الانتخاباتِ النيابية في لبنان المقرَّرة في 15 مايو، قد «كُشفت» مع اكتمال نصاب اللوائح التي ستخوض على أساسها القوى السياسية ومجموعات المجتمع المدني «معاركها»، الوجودية لـ «البقاء» أو «التأسيسية» لِما يُراد أن يكون نهجاً تغييرياً، أو «التثبيتية» لأحجام وأوزان و… توازنات.

فمنتصف ليل 4 – 5 أبريل، يقفل بابُ تسجيل اللوائح التي لا إمكان للمشاركة في الانتخابات إلا «على متنها» وفق القانون الذي قسم لبنان 15 دائرة ويعتمد النسبية مع صوتٍ تفضيلي واحد (على مستوى القضاء أي الدائرة الإدارية)، والذي يجعل كل لائحة «تتّحد» لتأمين الحواصل (العتبة التي تسمح لكل لائحة بحجز مقعد وما فوق) بمواجهة اللوائح المنافسة و«تَتَقاتل» في الوقت نفسه على الأصوات التفضيلية.

ومع انتهاء مهلة تسجيل اللوائح، تنطلق رسمياً الحملات الانتخابية بعناوينها الاستقطابية التي ما زال يطغى عليها السياسي «التقليدي» رغم الانهيار الشامل الذي جعل الوطن الصغير وشعبه في وضعية «لفْظ الأنفاس»، وهو الملف الذي لا يحضر في استحقاق 15 مايو و«برامج» مَن ينخرطون فيه إلا من باب التراشُق، الأقرب إلى «غسل اليد»، بالمسؤولية عن «السقوط الحر» الذي بدأ واقعياً خريف 2019 بمظاهره المالية والمصرفية ولكن «مسرحه السياسي» ارتسم تباعاً مع «تطويع التوازنات» الداخلية في شكل ممنهَج من «حزب الله» منذ 2008 وأحداث 7 مايو، مروراً بالانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري في يناير 2011 وصولاً إلى دخول الرئيس ميشال عون قصر بعبدا في 2016 ثم فوز الحزب وحلفائه بانتخابات 2018 وإمساكه تالياً بكل «أزرار» اللعبة الداخلية التي بات يتحكّم بها، في وجهيْها «المحلي» والاستراتيجي.

وهذا المسرح نفسه، يبقى «الحديقة الخلفية» لانتخابات 2022 التي يخوضها «حزب الله» بأهداف تراوح بين حفظ غالبية النصف زائد واحد مع حلفائه والفوز مع رئيس البرلمان نبيه بري بكل المقاعد الشيعية الـ 27 والحصول على ثلثٍ معطّل مع «الحلفاء الخلص» بما يضمن «ورقة مقرِّرة»، ولو من باب التعطيل «في الانتخابات الرئاسية، ومحاكاة كل الخيارات ذات الصلة باستحقاقٍ من المبكر الجزم باتجاهاته ومقتضياته».

وإذا كانت أهداف «حزب الله» التي يجيّش لها قواعده بوجه مَن يصفهم بـ «أسياد» خصومه ولا سيما واشنطن، تتصل في عمقها بتكريس النفوذ الإيراني في ساحات المنطقة بملاقاة مرحلة ما بعد إحياء الاتفاق النووي والغموض الذي يكتنف كيفية إدارتها ولا سيما في ظلّ عزْلها عن المصالح الاستراتيجية لدول المنطقة في أمنها واستقرارها، فإن معارضي الحزب وحليفه الأبرز «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) «ينازلونه» بخلفيةِ محاولة انتزاع الغالبية، ولو لم تنتقل إلى «جبهة واحدة»، وبالحدّ الأدنى ضمان ثلث معطّل «صافٍ» وهو ما يعكس في واقع الحال حجم الاختلال في موازين القوى الداخلية سياسياً منذ 2005 حين نجحت قوى 14 مارس حتى 2009 في إحداث توازن «بالشرعية النيابية» مع السلاح ووهجه.

وإذا كان حزبا «التقدمي الاشتراكي» بزعامة وليد جنبلاط و«القوات اللبنانية» يشكلان انطلاقاً من شعاراتهما الانتخابية، رأس حربة مواجهة «حزب الله» والحؤول دون إسقاط لبنان بالكامل في «التبعية والارتهان للمحور الإيراني»، فإن الرهان يبقى على أن تكون محاولات الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة سدّ الفراغ الكبير الذي أحدثه انكفاء زعيم «تيار المستقبل» الحريري عن الانتخابات ومجمل العمل السياسي، كفيلاً بتوفير «جسر سني» يكمل «السيبة الثلاثية» التي شكّلت ركيزة المواجهة التي خاضتْها قوى 14 مارس في مرحلة 2005 – 2016 وإن مع فارق أن العلاقات بين مكوّنات هذا الائتلاف شابتْها افتراقات كبيرة انتقلوا معها من «شبْك الأيدي» إلى «اشتباكات»سياسية وتحديداً على خط «القوات»-«المستقبل» تركت ندوباً عميقة لن تغيب مفاعيلها عن صناديق الاقتراع.

وإذا كانت «القوات» تواجه في «معاركها» التي تتركّز في الساحة المسيحية إصراراً من «حزب الله»، الذي قد لا يمانع أن يضعف رئيس «التيار الحر» جبران باسيل، على أن تبقى كتلة الأخير الأكبر مسيحياً وذلك ربْطاً بحسابات تتصل بمجمل التوازنات في البرلمان والأهم برئاسية 2022 وإبقاء «الأفضلية» في إدارتها بـ «ملعبه»، فإن جنبلاط يستشعر محاولات لتطويقه حتى داخل البيت الدرزي عبر تقزيم عدد نوابه (لنحو 4 أو 5 من أصل 8) وتصغير حجم كتلته البرلمانية، وذلك بدفْع من «حزب الله» وحتى «التيار الحر» الذي لم يتوانَ عن التلميح (بعد انكفاء الحريري) سابقاً إلى أن «أركان المنظومة»، يتساقطون الواحد تلو الآخر.

وفي حين نجح «حزب الله» في نسج تحالف في الشوف – عاليه (معقل جنبلاط) بين التيار الحر والوزير السابق وئام وهاب والنائب طلال أرسلان في مؤشر للأهمية التي تُعوَّل على محاصرة الزعامة الجنبلاطية، فإن الأخير يحرص على تصوير المعركة التي يخوضها، وهذه المرة باصطفافٍ لحليفه الدائم بري أقرب إلى «حزب الله» وخياراته، على أنها «وجودية» مستحضراً شعاراتِ «منْع عودة الوصاية السورية» والتسليم بالهيمنة الإيرانية.
https://www.alraimedia.com/article/1583824/خارجيات/لبنان-إلى-انتخابات-بنكهة-الصراع-الوجودي