IMLebanon

هل تجاوزت “منابر الفصح” لعبة “توزيع الأدوار”؟

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:

خَرقت المواقف التي اطلقت من بكركي في احد الفصح، والتي استهدفت «الثنائي الشيعي» بشكل من الأشكال، رتابة الحملات الانتخابية. وإن كان لكل من اصحابها ظروفه واسبابه، فإن لبكركي ثوابتها التي لا نقاش فيها، وهي تختلف عن مواقف المحكومين بالتفاهم مع «حزب الله» وحليف الحليف الذين يمكن ان يكونوا مستهدفين بمواقفها. وطالما انّ الرد ما زال مفقودا فهو يعزز وجود عملية «توزيع ادوار» تعطي «التيار البرتقالي» هامشاً واسعاً للحركة لعبور هذه المحطة بأقل كلفة. وعليه، ما هو مداه؟

قبل أشهر قليلة وتزامناً مع بروز الخلافات التي نشبت بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و»التيار الوطني الحر» من جهة و»الثنائي الشيعي» من جهة اخرى حول عدد من الملفات الادارية والمالية وتلك التي اتصلت بتمسّكه بحقيبة وزارة المال مطلع الخريف الماضي، كاد «التيار الوطني الحر» ان يرفع «سلاح حزب الله» الى مرتبة «شعاره الانتخابي» ممزوجاً بالحديث عن تعثّر التفاهم المُبرم منذ 6 شباط 2006 في كنيسة مار مخايل والحاجة الى إعادة النظر في كثير ممّا قال به، وتَيويمِهِ بعد ان تخلّت بعض المجموعات الأخرى من قوى 14 آذار سابقاً عن هذا الشعار ولفترة رافقت انطلاقة الحراك الشعبي بعد 17 تشرين 2019 حفاظا على جميع مكوناته وعدم استفزاز الشارع الشيعي.

وقبل معالجة هذا الملف الذي اعترفَ طَرفا التفاهم ومعهما حلفاؤهما بخطورته، بقي التوتر قائماً وبلغ الذروة عندما احتدمَ الخلاف حول مهمة المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار والذي طاوَلت شظاياه الجسم القضائي. وزادت من حِدّته أحداث الطيونة التي وقعت في 14 تشرين الأول الماضي عندما حاول البعض تفسير مبادرة البطريرك بشارة الراعي بأنها بهدف «المقايضة» بين ما انتهت إليه هذه الاحداث من هزّات ارتدادية قضائية وسياسية وامنية وتلك التي لامَست مصير التحقيق في جريمة المرفأ ومهمة القاضي البيطار. وبقي الموضوع مطروحا ويُثير كثيرا من الالتباسات الى أن سارَعت قيادة «حزب الله» الى بذل الجهود من اجل ترميم العلاقة مع التيار. كما طوّرت جهودها بعد تثبيت التفاهم لتطاول «العملية التصحيحية» العلاقات بين الحليف الثابت وحليف الحليف. فأنجَزت تفاهماً وُصِف بأنه انتخابي «مؤقت ومرحلي» بينهما تنتهي مفاعيله فور إقفال صناديق الاقتراع ليفترق أعضاء اللوائح كلّ الى كتلته النيابية.

وفي الوقت الذي اعتبر «حزب الله» انّ ما أنجزه يهدف الى ترتيب البيت الداخلي للحلفاء في مواجهة القوى المناهضة، ذهب البعض الى استخدامه من بوّابة الاستثمار في الانتخابات النيابية لتحسين مستوى حضور مرشّحيه على الساحات الموازية المسيحية والسنية على خلفية اعتبار أنّ رفض استمرار وجود «السلاح غير الشرعي» في أيدي حزب تموّله إيران وتُسلّحه ما زال «الترند» الذي لا نقاش فيه على هاتين الساحتين على حد سواء وفي معظم الدوائر الانتخابية المختلطة كما على بعض الساحات الاقليمية والدولية. وجاء إعلان رئيس تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري بالعزوف والاعتكاف عن الترشّح والانتخاب وتجميد العمل السياسي ليعزّز هذه الأجواء وتوفير قاعدة أوسع له.

لم يكن هذا العرض بهدف تأريخ مرحلي للعلاقات بين «التيار الوطني الحر» و»الثنائي الشيعي» والمحطات المتوترة التي عاشها اللبنانيون، بمقدار الحاجة اليه لتفسير المواقف الحادة التي أطلقت من الصرح البطريركي وقراءة المشهد الذي حضر في بكركي في عيد الفصح أمس الأول، والذي بلغ مرحلة الاعتقاد ان سيّد بكركي كان يترأس اجتماعاً لـ»التيار البرتقالي» في حضور رئيس الجمهورية لولا بعض الوجوه الكسروانية التي ضاعت بين الحضور. وهو ما يستدعي إجراء قراءة جديدة لفهم واستشراف الغاية من هذه الحملة التي شنّت ضد «الثنائي الشيعي» من منصّتها.

كما يستدعي المشهد الحاجة الى تفسير تعدّد اللهجات التي استهدفت الثنائي كنتيجة تعدّد المنابر التي استخدمت، والتي يمكن الاشارة اليها بثلاثة:

المنبر الأول، هو الديني من على مذبح كنيستها المخصّص للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي من دون سواه.

المنبر الثاني، كان رئاسياً نصب لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الباحة الداخلية للصرح.

المنبر الثالث، كان حزبياً استخدمه رئيس التيار النائب جبران باسيل في باحة الصرح على الواقف وفق الآتي من الملاحظات:

– المنبر الديني الاول كان للبطريرك الراعي، فهو كان كنسياً جَدّد من خلاله في عظة العيد ما نادى به من دون تردد. وبعدما تحدث عن مطالب جميع اللبنانيين الذين يتوقون الى حضور الدولة الفاعلة والقوية التي تحصر السلاح بها لوحدها، تحدث للمرة الاولى عما لا يريده «اللبنانيون الحقيقيّون». وقال انهم «لا يريدون عن الدولة بديلاً، ولا يريدون لها شريكاً». وإنهم يتوقون إلى اللحظة «التي ترفع الأيدي عن لبنان وتنحسر الهيمنة، ويسقط التسلط، ويتوقف تسييس القضاء، والإدارة وتعطيلها من النافذين، وتنتهي الازدواجية، وتعلو المصلحة الوطنية على كل المصالح الخاصة والانتخابية»… فلا يبقى «سوى جمهورية واحدة وشرعية واحدة وسلاح واحد وقرار واحد وهوية لبنانية جامعة».

أما المنبر الثاني فكان رئاسيا، خصّص لرئيس الجمهورية في الباحة الداخلية للصرح وحمل منه رسائل عدة لم يكن من الصعب تفكيك رموزها. فهو وان لم يُسمّ «الثنائي الشيعي» مباشرة في تفسيره لرفض وزير المال يوسف الخليل توقيع مرسوم التعيينات القضائية المكمّلة للهيئة العامة التمييزية «لأنها تحتوي على اخطاء» كما قال، فكان واضحاً عندما اتهمه بـ»الكاذب» داعياً الى تصحيحه وربطه مباشرة بالخطوة «التعطيلية» الناجمة من تجميد العمل الحكومي لأسابيع عدة نتيجة قرار اتخذه وزراء «الثنائي الشيعي» في رفضهما لما يجري في سلك القضاء بالتكافل والتضامن بين طرفيه، ولذلك لم يكن اي لبناني في حاجة الى البحث عن تفسير آخر.

أما بالنسبة الى المنبر الثالث فقد كان حزبياً استخدمه رئيس «التيار الوطني الحر» وكان حافلاً بالتفسيرات المتناقضة. فهو بِتَبنّيه لتوصيف الراعي على دقته اعتقد البعض للحظات عابرة انه «يدين نفسه وهو الحليف السياسي والانتخابي القوي لهذا الثنائي» الذي قصده البطريرك. وكان ذلك قبل ان يتوسّع في تفسير ما لم يَرد على لسان الراعي للتخفيف من حدته، فعمّم التهم التي وجّهها في أكثر من اتجاه لم يقصده يوماً. وهو ما لم يُقنع كثراً ممّن يتابعون مواقف بكركي بكثير من الدقة وإعطائها أبعاداً مفقودة.

وقياساً على ما تقدم، ومقابل ما حملته المنابر الثلاثة من توصيف للوضع والمواقف، هناك مَن طرح مجموعة من الاسئلة حول توقيتها وشكلها ومضمونها كما بالنسبة الى خلفياتها. وهو أمر لم يكن من الصعب فهمه. فقد ثبت في أكثر من مناسبة انّ هناك عملية توزيع أدوار تعطي «التيار البرتقالي» هامشا واسعا من الحركة لاستخدامه في معركته الانتخابية وخصوصا على الساحة المسيحية. فقد ثبتَ بالوجه الشرعي انّ صدر الحليف واسع جدا وبما فيه الكفاية، ولا يُحرجه ذلك الى حد ما ان كان يخدم إعادة إحياء قواعده الشعبية. وفي انتظار معرفة ردات فعل «حليف الحليف» فإنّ الاستثمار بالنسبة الى الأول في مثل هذه الأوضاع يحتسب على المدى البعيد، فهو أنجح وأفضل ممّا يمكن ان تقود اليه ردات الفعل الفورية.