IMLebanon

شهود على حادثة “زورق الموت”: الجيش ارتكب مجزرة!

كتبت أسرار شبارو في “الحرة”:

لا تزال تداعيات غرق المركب الذي كان يقل مهاجرين غير شرعيين من مدينة طرابلس شمال لبنان إلى السواحل الإيطالية تتفاعل، لاسيما مع تصويب الناجين أصابع الاتهام إلى الجيش اللبناني وبالتحديد إلى الضابط المسؤول الذي أمر بإيقافهم ومنعهم من استكمال رحلتهم، في وقت عزا الجيش اللبناني، في بيان، وقوع الحادثة إلى تسرّب المياه بسبب ارتفاع الموج وحمولة المركب ‏الزائدة.

ومنذ الساعات الأولى لغرق المركب، قال بعض الناجين إن الارتطام كان مقصودا، لتتوحد بعدها الرواية التي يقصها جميعهم كبارا وصغارا عن اللحظات التي سبقت الفاجعة وكيفية وقوعها، وبين تحميل الجيش مسؤولية غرق المركب ونفي ذلك، يطرح السؤال ما الذي سيدفع ضابطا  إلى إغراق مركب على متنه عشرات الأرواح؟

لكشف ملابسات ما حصل أعلن وزير الإعلام، زياد مكاري، بعد انتهاء جلسة استثنائية لمجلس الوزراء ترأسها الرئيس اللبناني ميشال عون، وشارك فيها قائد الجيش ومدير المخابرات وقائد القوات البحرية خصصت للبحث في الحادثة، الثلاثاء، أن الحكومة قررت “الطلب من قيادة الجيش إجراء تحقيق شفاف حول ظروف وملابسات الحادث وذلك تحت إشراف القضاء المختص”.

وأوضح مكاري أن القضاء العسكري سيتولى التحقيق. كما كلفت الحكومة وزارتي الخارجية والدفاع التواصل مع الدول والجهات المعنية للمساعدة على تعويم المركب الغارق، لاسيما وأنه لا يزال هناك عدد كبير من المفقودين.

على خلاف رحلات الهجرة غير الشرعية التي ينظمها مهربون لقاء مبالغ مالية محددة عن كل شخص، قرر بلال الدندشي “أبو ابراهيم” وشقيقاه وأقاربه ومعارفه، كما قال لموقع “الحرة”، شراء مركب وتجهيزه للانطلاق به نحو “الحلم الكبير” بالوصول إلى دولة أوروبية والحصول على لجوء، لكن جرت رياح “أبو ابراهيم” ومن معه بما لا تشتهي “سفينتهم”.

وشرح “أردت إيصال أولادي إلى بر الأمان والعيش في بلد يؤمن أدنى مقومات الحياة الكريمة من أمن وأمان، وقبل حوالي الثلاثة أشهر اشترينا المركب، جهزناه بأفضل التجهيزات، أمنّا صيانته من خلال ميكانيكي قرر أن يكون معنا في الرحلة وأشخاص لديهم خبرة في البحر”.

ثلاثة أشهر والمركب مركون على بعد أمتار من أنظار الجيش كما شدد “أبو إبراهيم”، يقاطعه شقيقه عميد قائلا “منذ الساعة الثانية عشر من ظهر السبت الماضي كان المركب مركونا على شاطئ القلمون في النقطة التي انطلقنا منها، سبع ساعات ولم يتدخل الجيش، وفوق هذا هناك وثيقة اتصال أمنية صدرت سابقا عن احتمال هروبنا ومكان تواجد المركب ولم تحرك القوى الأمنية ساكنا، من هنا أؤكد أن ما حصل جريمة ممنهجة لإعدامنا”.

بعد ساعات من انطلاق المركب إلى وجهته، طارده، بحسب “أبو إبراهيم”، زورق تابع للجيش اللبناني، بدأ بخلق أمواج من حولنا ورشنا بالمياه وشتمنا وتهديدنا بالسلاح، وعندما أدرك العسكريون أننا لن نتوقف اقترب زورق كبير على متنه ضابط، طلب منا “العودة”، مهددا بالقول “حتى ما قبّركم (عبارة عامية تعني حرفيا: دفنكم، ولكن تستخدم للتهديد”، أكملنا طريقنا وقبل أن نقطع المياه الإقليمية بنحو 5 دقائق اتخذ قراره بارتكاب مجزرة بحقنا وحق أطفالنا ونسائنا”.

تعّمد زورق الجيش، وفق ما يقول “أبو إبراهيم” “الالتفاف نحو خمس مرات ليطفئ بعدها الإنارة ويصدم مؤخرة زورقه الفولاذي بمقدمة مركبنا المصنوع من الفيبر، ما أدى إلى شقه من الأسفل عندها بدأ عسكري بالصراخ متوجها إلى الضابط بالقول (قتلتهم، انشق المركب) وأنا أدعو هذا العسكري إن كان شريفا إلى الإدلاء بإفادته على العلن”، مضيفا “تجاوز الزورق بعدها مركبنا واصطدم بنا للمرة الثانية لتحل الفاجعة”.

لكن في مؤتمر صحافي عقده قائد القوات البحرية في الجيش اللبناني، العقيد الركن هيثم ضناوي، قال “عملنا على إيقاف المركب وإقناع قائده أنه معرض للغرق حيث كان محملاً بما يزيد عن 15 أضعف حمولته المسموحة، حاولنا أن نمنعه من الانطلاق ولكنه كان أسرع منا”.

وأوضح قائد القوات البحرية أن حمولة المركب لم تكن تسمح له بأن يبتعد عن الشاطئ، ولم يقتنعوا من عناصرنا الذين يعانون نفس معاناتهم، وقائد المركب اتخذ القرار بتنفيذ مناورات للهروب من الخافرة (زورق كبير للجيش) بشكل أدى إلى ارتطامه، ولم يتم استعمال السلاح من قبل عناصرنا.

ليست المرة الأولى كما قال “أبو إبراهيم” التي يحاول فيها الهجرة، فقبل حوالي الستة أشهر فعل الأمر نفسه، لكن مع أحد المهربين “لسوء الحظ تعطل المركب في البحر، عمل الجيش على سحبنا، لكن هذه المرة بعدما تم إغراق مركبنا تراجع الزورق العسكري خشية من خروج ناجين يروون ما حصل”.

وعن السبب الذي سيدفع ضابط إلى إغراق مركبهم، قال “باختصار لأننا لم ندفع المال للمافيا البحرية ولم نتواصل معها كي تغطي هروبنا، ففي الرحلة السابقة التي كنت على متنها دفع مالك المركب 7 آلاف دولار لتأمين خروجه من المياه الاقليمية”، متسائلاً “لماذا سارع الجيش إلى إصدار بيان حملنا فيه مسؤولية ما حصل وذلك قبل فتح تحقيق؟ وكيف تمكّن مركب من الوصول إلى قبرص في اليوم التالي من دون أن يلاحقه الجيش”؟.

وشدد “خسرنا 10 أشخاص، دفنا اثنين منهم، بقي 8 جثث من عائلتنا في المياه نريد سحبها (انتشالها)، أما مطلبنا الثاني فهو تحويل القضية إلى المجلس العدلي لمحاكمة من أعطى أمر ارتكاب الجريمة ومن نفذها”.

وختم “السياسيون هم من أوصلونا إلى هنا، خسرت زوجتي وابنتي وابني ونجا لي ولدان، في حين فقد شقيقي عميد ثلاثة أطفال أما شقيقي رائد فخسر زوجته وابنته وابنه”.

دفعت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية عددا من اللبنانيين إلى سلك الطريق الذي بدأه فلسطينيون وسوريون قبلهم بالمجازفة في البحر لتحقيق حلم الهجرة إلى أوروبا، وبحسب الأمم المتحدة، حاول 38 قارب على متنها أكثر من 1500 شخص منذ عام 2020 الفرار عبر البحر انطلاقاً من لبنان، وقد تم اعتراض أو إعادة أكثر من 75 في المئة منها.

المأساة كبيرة، أطفال تيتموا، منهم من خسر أحد والديه ومنهم من خسر كلاهما، ابن باب التبانة علي الحموي دفع الثمن باهظاً، فالطفل الذي كان يلعب مع أولاد جيرانه على مقربة من العزاء الذي أقامته العائلة على أرواح من دفنتهم ومن بقي منهم مفقودا في المياه، تحدث لموقع “الحرة” عن اللحظات التي سبقت الكارثة، قائلا “كنا نتناول الطعام حين تفاجأنا بزورقين للجيش، بدأ من عليهما بتهديدنا وتوعدنا بالموت، لينضم إليهما زورق ثالث، افتعلوا أمواجا في البحر قبل أن يختفيا ليصطدم بعدها زورق كبير بنا كسر المركب وأغرقنا، بدأ والدي بإنقاذ الناس وعندما حاول إنقاذ والدتي ابتلعته المياه في حين نجوت وشقيقتيّ”.

خسر علي والديه وشقيقته إضافة إلى زوجة أبيه وابنتها، وكما قال عمه إبراهيم “لو لم يكن وضع شقيقي مزر إلى أبعد الحدود لما كان غامر بعائلته، فحتى الدواء والحفاضات لأولاده كان عاجزاً عن تأمينها، باع كل ما يملك وقرر البحث عن حياة جديدة لكن للأسف حتى الحلم يستكثره البعض على الفقراء”.

كذلك تحدث الطفلان غازي ومحمد القدور (من سكان القبة) اللذان خسرا والدتهما وشقيقهما في البحر عن اصطدام مركب الجيش عمداً بمركبهم، وكما قال عمهما يوسف “المركب لم يكن للتجارة، العائلات اشتركت في دفع ثمنه وصيانته وتجهيزه حيث بلغت كلفته بين 40 إلى 50 ألف دولار”.

وأضاف “في لبنان حتى من وضعه المادي جيد لا يمكنه العيش، فلا دواء ولا محروقات ولا كهرباء باختصار لا حياة، وفي طرابلس نعيش مأساة مختلفة عن باقي المناطق، فالغالبية العظمى منا تحت خط الفقر”، مشدداً “وجعنا كبير جداً، راتب شقيقي العسكري في الجيش مليون و300 ألف ليرة أي ما يناهز 48 دولار فكيف يكفي عائلة كانت مؤلفة من ثلاثة أولاد”.

وفي القبة كذلك كان يوسف الجمل جالساً لتقبل التعازي، بعدما انقلب حلمه إلى كابوس، حيث خسر خمسة من أفراد عائلته هم زوجته هند وابنته ليليان وزوجة ابنه حنان مرعب وطفلاها يوسف وريماس.

وشرح “نحن عدة عائلات قررنا شراء مركب والهجرة من هذا البلد، انطلقنا وكل اعتقادنا أنه اذا لاحقنا الجيش أقصى ما سيفعله بحسب القانون مطاردتنا ونصحنا والمحاولة بطرق سلمية إعادتنا إلى الشاطئ لكن بدلاً من ذلك لاحقنا زورق عسكري حاول إغراقنا من خلال غمر مركبنا بمياه الأمواج المفتعلة، قبل أن يتراجع قليلاً ويتقدم زورق كبير نفذ قرار تدميرنا، بعد أن التف حولنا عدة مرات، شتمنا بكلام ناب، اصطدم بمقدمة مركبنا ما أدى إلى انشقاقه، وفي الاصطدام الثاني أغرقنا”.

الرجال الذين كانوا في الطبقة الثانية من المركب قفزوا إلى المياه، أما النساء والأطفال فغرقوا مع المركب، وقال يوسف “استنجدنا بالجيش لإنقاذنا، رفضوا الاقتراب طالبين منا نحن الغرقى الاقتراب من زورقهم”، وشدد “لو دفعنا المال للضابط لكان رافقنا حتى نتجاوز المياه الإقليمية، ولأننا لم نفعل ذلك انتقم منا مرتكباً هذه المجزرة”.

وعن وضعه الاجتماعي والاقتصادي الذي دفعه للهجرة، شرح “عاطل عن العمل وفي ذات الوقت أعاني من عدة أمراض سبق أن خضعت لعمليات ولا أملك ثمن الدواء”.

كما تحدث محمد ابن شقيق يوسف قائلا “أنا عسكري فار من الجيش منذ خمسة أشهر، وجدت في الهجرة وسيلة للخلاص لكن ما واجهته لا يصدقه عقل، اطلعنا قبل الانطلاق أن الجيش قد يلاحقنا وطلب منا أن لا نوجه له أي كلام، حتى أننا لم نرتد سترات نجاة كوننا لم نتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحد وأن يأذينا من يفترض أنه حامي الوطن والشعب، ويصطدم بنا عمداً لإغراقنا بعد إطفائه الأنوار”.

وأضاف “المشهد بعد غرقنا لا يوصف، صريخ الأطفال والنساء، أينما ألتفت كنت أجد أشخاصاً يغرقون وآخرين يبحثون عن أقاربهم وأطفالهم، وما ضرنا أكثر المازوت الذي تسرب وابتلعناه مع المياه”.

أحد السوريين الناجين، رفض الكشف عن اسمه خوفاً من أن يتم توقيفه، كرر ما قاله الناجون بأن الاصطدام حصل عمداً “أردت الوصول إلى السواحل الإيطالية ومنها إلى ألمانيا، كان حلمي أن أتمكن من إجراء معاملات لم شمل لزوجتي وابني ونكمل ما تبقى لنا من العمر في دولة تحترم من يسكنها وذلك بعد 11 عاماً أمضيانها في لبنان على هامش الحياة”، مشدداً “سأعاود المحاولة فأنا في هذا البلد ميت مع وقف التنفيذ”.

يشكل شاطئا الميناء والقلمون، شمالي لبنان، نقطتي عبور رئيسيتين نحو “حلم” الحصول على اللجوء في إحدى الدول الأوروبية، وبعد الحادثة المأساوية تسود حالة غضب العائلات المفجوعة من كل سياسيي طرابلس ولبنان الذين لم يتم تحييدهم عن تحمل مسؤولية غرق المركب نتيجة سياساتهم التي أوصلت البلد إلى الانهيار.

يوم الثلثاء صدر بيان عن قيادة الجيش، أكدت خلاله أن مديرية المخابرات تواصل بناء لإشارة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي تحقيقاتها، وتمت معاينة مكان الحادثة من قبله مع فريق من الضباط المحققين، ولاتزال التحقيقات مستمرة لكشف الملابس.

مصدر في مخابرات الجيش اللبناني أكد لموقع “الحرة” أنه تم فتح التحقيق بالحادث وحتى الآن لديهم موقوفاً وهو قبطان المركب الذي يحمل الجنسية السورية، وسيشمل التحقيق كما قال “كل العناصر سواء المدنية أي الناجين الذين لديهم معطيات ويمكنهم مساعداتنا في الوصول إلى الحقيقة وكذلك الضباط والعناصر الذين شاركوا في الملاحقة العسكرية والأمور التقنية وكافة التفاصيل”.

وشدد المصدر على أهمية كشف ملابسات ما حصل بشكل سريع “الموضوع حساس وخطير ودقيق على مستوى الساحة الطرابلسية بشكل خاص واللبنانية بشكل عام، القضية إنسانية وأخلاقية، وجميع اللبنانيين يريدون معرفة ما حصل”.

وعن الاتهامات بالتقصير في سحب المفقودين، قال “على العكس نقوم بكل واجباتنا، عملية الإنقاذ مستمرة، نحن متواجدون على سطح المياه، لكن المشكلة عدم توفر الإمكانات لدينا لانتشال المركب من عمق 450 متراً، لذلك يفترض على الدولة اللبنانية أن تجري اتصالاتها مع دول لديها القدرة على المساعدة”.

من جانبه، أكد الخبير الاستراتيجي، العميد الركن المتقاعد خالد حمادة، أن لا أحد يمكنه أن يتخذ قراراً بإغراق أي مركب، شارحاً “ربما مناورة الاعتراض لم تكن محترفة بما فيه الكفاية وربما تسببت حالة البحر بفشلها وأدت إلى حصول التصادم وهذا ما يفسر  تكرار المحاولة”.

وأضاف في حديث لموقع “الحرة” “كان بالإمكان اقتراب زوارق مطاطية من المركب وصعود عناصر عسكرية عليه لضبطه والسيطرة عليه واقتياده إلى الشاطئ، وربما هناك تهور من قائد مركب المهاجرين ومحاولة الفرار. لا يمكن الجزم بأي تفسير قبل انتهاء التحقيق خاصة وأن الحادث حصل ليلاً ولا نعلم شروط الرؤية وطبيعة البحر ومستوى الأمواج”.

لكن هناك تساؤلات تبقى مطروحة بالرغم من كل الظروف التي رافقت الحادث المفجع، حيث قال العميد حمادة “كيف تجمع عشرات الركاب ومنهم نساء وأطفال من دون أن تنتبه لهم العناصر الأمنية المولجة بمراقبة المرفأ لاسيما وأن المرافئ اللبنانية سواء كانت شرعية أو غير شرعية تخضع لسيطرة مخابرات الجيش والوحدات العسكرية؟ ولماذا لم  يرصد الرادار المركب منذ انطلاقته خاصة أن شبكة الرادارات المتوفرة لدى القوات البحرية قادرة على رصد أي جسم بحري يتحرك ضمن المياه الإقليمية؟ ولماذا تأخرت خافرة القوات البحرية في الوصول إلى المركب لنحو ثلاث ساعات؟ ولماذا لم تكن عملية الإنقاذ بالمستوى المطلوب؟”.

من المؤكد كما قال العميد حمادة إن “خطأ جسيماً وقع، القضية تحتاج إلى تحقيق شفاف ومتخصص لتحديد المسؤوليات واتخاذ الإجراءات للحد من تكرار حوادث مماثلة”.