IMLebanon

ندوة حول “تمكين الرقابة البرلمانية لتعزيز وسائل المحاسبة والشفافية”

أقامت المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم والمعهد العربي للتدريب البرلماني والدراسات التشريعية ومؤسسة كونراد اديناور ومجلس النواب اللبناني ورشة عمل حول “تمكين الرقابة البرلمانية لتعزيز وسائل المحاسبة والشفافية” في قاعة المكتبة في مجلس النواب، يوم الخميس الموافق في 28 نيسان 2022.

حضر ورشة العمل وزير البيئة ناصر ياسين، وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، النواب ياسين جابر وجورج عقيص وإبراهيم عازار وهنري شديد، إضافة الى عدد من الباحثين، قضاة، أساتذة جامعات، وممثلين عن منظمات ومؤسسات محلية ودولية.

افتتح الورشة مدير المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم LFPCP المحامي ربيع قيس مرحباً بالحضور، مشيراً الى أننا نتناول اليوم موضوع أساسي جداً وهو دور الرقابة في مجلس النواب وهو واحد من الأدوار الأساسية التي يقوم بها المجلس.

وتحدث رئيس المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم ألدكتور أنطوان مسرّة عن القوانين المنشورة في الجريدة الرسمية ولكنها قوانين غير مرعية الإجراء وهو أمر نخدع به المواطنين علماً أن القانون يحتاج الى مراسيم لتطبيقه، فلا يمكن أن نعلّم القانون من دون حقوق وأن نعيش علم من دون ثقافة وان نمارس الأحكام من دون عدالة، ولا يمكن ان نقارب موضوع حقوقي من دون ثقافة سائلاً عن “المفهوم العام” في التعاطي في الشأن العام.

تحدث مسّرة عن السلطة التنفيذية التي هي سلطة إجرائية وهذا ما له مترتبات عديدة في كل كتابات “الإباء المؤسسين” للدستور اللبناني، مشدداً على ان الرقابة قضية إدارية تنفيذية إجرائية ثقافية ولن يكون هناك رقابة في لبنان طالما الحكومة هي مجلس نواب مصغّر.

كلمة مؤسسة كونارد آديناور ألقاها مدير مكتب حكم القانون في بيروت فيليب بريمر، الذي عرّف عن نفسه وعن المؤسسة التي يمثلها ودورها في حكم القانون في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

بريمر تحدث عن دور مجلس النواب اللبناني الذي يمثل الشعب وأهمية دور الشعب هنا في تقرير مصيره من خلال الانتخابات النيابية لإيصال مجلس يمثله ويشرّع قوانين لتنظيم حياته اليومية، مشيراً الى ضرورة تفعيل عمل مجلس النواب في نظامٍ ديمقراطي كالنظام اللبناني.

أمين عام اتحاد البرلماني العربي فايز الشوابكة أشار في كلمته الى أن الرقابة البرلمانية ضرورة في عمل مجلس النواب وهي تمثل الثقل الشعبي تفويضًا ومحاسبة ونقطة البدء بالإصلاح السياسي هي تفعيل دور الرقابة البرلمانية.

وأضاف: “أساس الرقابة البرلمانية مستمدة من طبيعة النظام السائد في الدولة وذلك من أجل خلق توازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، والرقابة البرلمانية التي تمارسها السلطة التشريعية يفترض ان تكون في النظام البرلماني، الذي هو اهم السلطات وأعظمها لكونها الممثلة للشعب والمعبرة عن نبض اعماقه”.

وتابع: “الرقابة البرلمانية لا تنحصر في مجال واحد، فهي تشمل كل عمل يصدر عن السلطة التنفيذية، وتتسع لتشمل مجالات عديدة طرأت بفعل تطور المجتمعات وتنوع حاجاتها”.

وشدد الشوابكة على أن الرقابة البرلمانية السليمة لا تستقيم الا في مناخ ديمقراطي أساسه تعاون السلطات الدستورية مع مختلف هيئات المجتمع والمواطنين، وتضافر جهودهم في ظل وجود مجالس نيابية قوية لتحقيق أماني المواطنين في دولة ديمقراطية حرّة”.

رئيس اللجنة النيابية لمتابعة تطبيق القوانين النائب ياسين جابر تحدث عن تجربته من خلال متابعة القوانين غير المطبقة بسبب عدم إصدار مراسم تطبيقية لتنفيذها، مؤكداً انه يجب التعاون بين كل مؤسسات الدولة من أجل الوصول الى رقابة نيابية واضحة وشفافة وللوصول فعلا الى محاربة حقيقية للفساد.

جابر اعتبر أن تطبيق القوانين أمر أساسي جداً لمعرفة في نهاية المطاف إذا كان هذا القانون جيدا أو علينا تعديله او ادخال مراسم تطبيقية عليه وهذا ما تقوم به الدول المتقدمة، فلا يوجد دولة في العالم يجاهر فيها أي وزير بانه لن يطبق قانون ما، مشدداً على ألا قرار فعليًا في لبنان للرقابة والمحاسبة حتى الان والتهرّب من تطبيق القانون في لبنان “مرض مزمن”.

جابر ختم قائلاً: “المشكلة في لبنان لم تعتد مشكلة رقابة برلمانية بل مشكلة نظام بأكملها حيث تغيب المحاسبة لأي وزير مثلاً، على أن يتغير الوضع القائم حالياً وانا دخلت الى المجلس بهدف التغيير وانا اترك المجلس والوضع كما هو”.

أمين عام مجلس النواب اللبناني عدنان ضاهر اعتبر أن الرقابة البرلمانية تتمتع بمجموعة من الخصائص التي تميزها عن غيرها وهي رقابة دستورية وقانونية، رقابة حتمية لا تحتاج الى نص، رقابة واسعة المدى، رقابة علاجية، رقابة تشمل عمل الوزراء.

أضاف: “الرقابة البرلمانية هي مجموعة من الاليات تَستخدمها السلطة التشريعية، وهي واسعة لا يمكن حصرها وتشمل كل عمل البرلمان، كما أنها تمتد الى المتابعة الشخصية لتصرفات الوزراء، فالرقابة هذه تشكل صلة الوصل بين الشعب والبرلمان، غير ان الرقابة البرلمانية على الحكومة واجهت إشكاليات عدّة ما أدى الى البحث في دور التجارب التي مرّت بها الأنظمة الدستورية”.

وتابع ضاهر: “الرقابة في البرلمانيات العربية هي رقابة ديمقراطيات توافقية، لا لون لها ولا لقب، مع العلم ان دور البرلمان على الصعيد الرقابي لا يقل أهمية عن دوره على الصعيد التشريعي والتمثيلي”، مؤكداً أن الرقابة البرلمانية لبرلمانات العرب قد اثبتت فشلها على مر السنوات.

ضاهر أكد أن الطائفية المذهبية وسلطة الأحزاب لعبوا دورا بارزا في عرقلة الرقابة البرلمانية في لبنان، مضيفا أن المؤسسات في لبنان “تشخصنت” لمصلحة أشخاص وأحزاب وهذا ما يفسر ما وصلنا اليه اليوم.

الجلسة الثانية افتتحها النائب جورج عقيص الذي استهل حديثه بالإشارة الى جلسة طرح الثقة بوزير الخارجية والمغتربين من قبل تكتل “الجمهورية القوية” التي تتزامن مع يوم انعقاد هذه الندوة، وهذا ما يدخل في مجال الرقابة البرلمانية في عمل الحكومة والوزراء، مشيراً الى القرارات والإجراءات التي اتخذتها وزارة الخارجية منذ اللحظة الأولى على طلب طرح الثقة وقد يكون تحرك الوزارة اتى تحت ضغط هذا الطلب.

وأضاف: “يجب ان تكون الرقابة البرلمانية بين حدّين، الأول عدم الاسراف بممارسة الرقابة بهدف تعطيل عمل الحكومة والحد الثاني عدم إطلاق العمل الحكومي من دون مسائلتها، وفي لبنان تجاوزنا الحدين بحيث تعتبر الحكومة انها تعمل دون مساءلة او مراقبة بسبب نوعية الحكومات التي تشكل وذلك يعود لأننا نطبق ديمقراطية على “قياسنا”، وبالتالي لا تمارس أي كتلة دورها الرقابي بسبب تواجدها في الحكومة، والعودة الى الرقابة يكون بالعودة الى نظام حكم الأكثرية ومعارضته من قبل الأقلية”.

عقيص كشف أن في الأربع سنوات الأخيرة لم يتم تقديم طلب مساءلة من عشرة نواب أو طلب طرح ثقة بوزير إلّا الطلب الأخير الذي تقدم به التكتل الذي ينتمي اليه، مشدداً على وجوب وجود علاقة بين الأجهزة الرقابية ومجلس النواب، كما يجب أن تكون العلاقة بين جهاز الرقابة وديوان المحاسبة مؤسساتية، متمنياً على رئيس المجلس النيابي أن يعيد أو ينشأ لجنة نيابية اسمها “لجنة النظام الداخلي” تعمل على تقديم اقتراحات مستمرة للعمل الداخلي للمجلس النيابي.

وزير البيئة ناصر ياسين تحدث عن تجاربه في اخر عامين وعمله ما قبل ان يتسلم مسؤوليته في الوزارة البيئة واثنائها، عن الأسئلة التي وصلت الى الوزارة من النواب ولم يتم الإجابة عنها سابقاً وعن جلسة استماع مع احدى اللجان البرلمانية حول موضوع يتعلق بالبيئة وطلب بعض النواب منه تجاوز القانون لهدف ما او لمصلحة خاصة ما يجعل العلاقة بين المشرع والوزير علاقة ملتبسة غير صحيحة.

ياسين اعتبر طريقة اتخاذ القرار هي طريقة توافقية تضعف دور الرقابة وفقدنا بسببها الثقة بين الناس والحكومة ومجلس النواب، وبسبب غياب الثقة تحولت المساءلة الى مساءلة مباشرة ومن هنا علينا إعادة بناء الثقة من جديد لتخفيف الشعبوية في معالجة كل القضايا، مشدداً على ما قاله النائب عقيص عن ضرورة انشاء علاقة بين مجلس النواب والأجهزة الرقابية في الدولة.

وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام عرض تجربته في الوزارة حول الرقابة البرلمانية منذ تسلمه مهامه خصوصاً في ما يتعلق بقانون “المنافسة” الذي مر عبر اللجان البرلمانية المختصة ثم الهيئة العامة وصولاً الى إقرار، مؤكداً أهمية هذا القانون إضافة الى قانون الشراء العام وضرورة مراقبة تطبيقهما.

سلام تحدث عن الرقابة التي تقوم بها الوزارة على كافة المستويات والعمل الذي تقوم به الوزارة في وقت لعب الاعلام دورًا سلبيًا من خلال القلق الذي يسببه عبر بث أخبار دورية غير صحيحة بينما دور الاعلام هو بالإضاءة على الأمور الإيجابية لتخفيف الضغط على المواطن.

وزير الاقتصاد لفت الى انعدام الثقة بين المواطن والدولة واستعادتها هي المدخل الى استعادة الثقة بالدولة اللبنانية من قبل المجتمع الدولي، وعدم تفعيل دور الرقابة في الدولة اللبنانية يصب في مصلحة إبقاء الوضع كما هو.

المدير العام في مجلس النواب سيمون معوض عرض بالأرقام النشاط الرقابي في مجلس النواب وعدد الجلسات التي عقدها والاسئلة التي تقدمت من النواب الى الحكومة ومن رئيس الجمهورية الى مجلس النواب، وأبرز الأرقام التي تلاها هي 528 سؤالا مقدما الى المجلس ما بين عامي 2000 و2021، 63 استجواباً، 62 سؤالاً للحكومة (عام 2019 فقط)، 12 استجواب (عام 2001 وهو النسبة الأعلى).

افتتح الجلسة الثالثة الدكتور رياض غنّام، مدير عام الجلسات واللجان في مجلس النواب، الذي استعرض وشرح في كلمته أدوات الرقابة البرلمانية من خلال السؤال والاستجواب وطرح الثقة بالحكومة والطريقة التي يقوم بها النائب والمهلة القانونية التي يجب ان يتم الإجابة على أسئلة النواب، متحدثاً عن واقع الرقابة البرلمانية في لبنان “غير الطبيعية” منذ الانتداب الفرنسي الى الاستقلال مروراً بفترة انتهاء الحرب وصولاً الى يومنا هذا.

وتحدث غنّام عن أنواع الرقابة وأبرزها الرقابة على الموازنة (الرقابة المالية) وهي لا تقل أهمية عن وظيفة البرلمان التشريعية لأنها تشمل بحث موازنة الدولة بالتفصيل من كافة الجوانب، مشدداً على انه على مجلس النواب ان يقوم بالدور الرقابي الفعّال على الموازنة بصفته الممثل الفعلي للشعب.

النائب السابق غسان مخيبر تحدث عن فشل المجلس النيابي على مرّ السنوات الماضية بلعب دوره الرقابي كما يجب، متحدثًا عن تركيبة النظام اللبناني الطائفي الزبائني الذي يُراد من خلاله تعطيل كل مؤسسات الدولة لمصالح شخصية حزبية واضحة، واعتبر ان “الرقابة البرلمانية يجب أن تكون الأهم ولكن هناك رقابات أخرى مهمة ايضاً مثل الرقابة الإدارية التسلسلية، الرقابة والمحاسبة القضائية والرقابة الشعبية واهميتها في ظل غياب فعالية الرقابات الأخرى، الرقابة الإعلامية، والرقابة الدولية”.

مخيبر تحدث عن العناصر والأدوات والوظائف الرئيسية في الرقابة البرلمانية من الأسئلة الى جلسات المناقشة العامة، جلسات الثقة والتحقيق، والجلسات الخاصة بالموازنة العامة والحسابات القطعية، فيما أدوات المحاسبة هي طرح الثقة والاتهام والمحاكمة امام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

مخيبر أعاد وذكر بالأرقام التي ذكرها الأستاذ معوض عن عدد جلسات الهيئة العامة لمجلس النواب وجلسات الأسئلة خلال ثلاثين عاماً لافتاً الى أن عددها ضئيل جداً وهذه مشكلة أساسية وجوهرية بحد ذاتها، كما تحدث عن دور النائب والثقافة الموجودة عن الشعب باعتبار أن النائب دوره خدماتي وليس رقابي تشريعي ما يعيق عمل النائب الرقابي كونه يفضل التضحية بدوره الفعلي على التضحية بقاعدته الشعبية.

الخبير الدولي في الصياغة التشريعية محمود صبره تحدث عبر تطبيق Zoom من جمهورية مصر العربية عن الاتجاهات الحديثة لتفعيل الرقابة البرلمانية من المنظور الفنّي وهي أربعة اتجاهات، وهي: تحسين جودة التشريع من خلال ضمان كفاءة التشريع وفعاليته، توسيع نطاق الرقابة التشريعية، تحليل الأثر التشريعي وتقليل العبء التشريعي.

وفي نهاية الندوة، تلا الدكتور مسرّة الخلاصات من كل المناقشات التي حصلت والتي ستصدر لاحقاً في كتاب عن المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم.