IMLebanon

أولوية اعادة النظر بقانون الانتخابات

كتب جوني منيّر في “الجمهوريّة”: 

 

انتهت مبدئياً “دوشة” الانتخابات النيابية مع اغلاق الصناديق وتوقف الحملات الاعلامية. من الطبيعي ان تستخدم القوى والاحزاب السياسية في خطابها الانتخابي اللغة الغرائزية.

العامل الاول ويتعلق بتاريخ 17 تشرين حين انتفض اللبنانيون بوجه الطبقة السياسية وفق شعار “كلن يعني كلن” واستطرادا فإن جهود الطبقة السياسية تركزت منذ ذلك التاريخ ما بين احتواء التحركات الشعبية او السعي لضربها بأساليب مختلفة. وبالتالي فإن الحملات الانتخابية لأطراف الطبقة السياسية تخطت في بعض الاحيان السقف المعقول بهدف التجييش الاقصى واستمالة ما أمكن للتعويض عن النزف الشعبي الذي لحق بها. والعامل الثاني ويتعلق بالانهيارات المالية والاقتصادية والمعيشية التي دمّرت الطبقة الوسطى في لبنان وفتحت باب الهجرة بشكل واسع ومخيف خصوصا على مستوى عنصر الشباب وجعلت من لبنان جحيماً حقيقياً وسط خوف كبير لدى اللبنانيين من امكانية الاستمرار تحت وطأة شبح الجوع والقلق الشديد من الغد. وكان البديل بالتركيز على الملفات الغرائزية في الخطابات الانتخابية التعبوية للتغطية على الملفات الحياتية والمعيشية.

والعامل الثالث ويتعلق بالاستحقاقات القادمة وفي طليعتها الاستحقاق الرئاسي، ذلك ان الانتخابات الرئاسية في العام 2016 والتي أوصلت العماد ميشال عون الى قصر بعبدا ارتكزت على نسبة لا بأس بها تتعلق بتمثيله للشارع المسيحي وهو ما ترجمه من خلال شعار “الرئيس القوي”. ولذلك ضغط الطامحون الموارنة للدخول الى قصر بعبدا لتحقيق اكبر نسبة تمثيل شعبية ممكنة يعتقدون انها سترفع من حظوظهم للوصول الى رئاسة الجمهورية. لكن ظروف العام 2016 لا تشبه بشيء الظروف الحالية، أضف الى ذلك سقوط نظرية “الرئيس القوي” كما جرى تسويقها لصالح الرئيس المنقذ والقادر على التواصل مع القوى اللبنانية – الاسلامية والتفاهم معها من اجل تركيز مشروع الانقاذ الاقتصادي الملح واعادة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية بعدما دمرت كل الصروح ولم يبقَ حجراً على حجر.

لأجل هذه العوامل الثلاث الاساسية اضافة الى عوامل اخرى بلغت الحملات الانتخابية حدود “الهستيريا” وجعل البعض يطلق على ما حصل تهكماً بالعصفورية الانتخابية.

لكن اللافت ان القوى السياسية والحزبية التي كانت تتسابق في البحث عن خطوات قامت بها لتضعها في خانة الانجازات، غيّبت عن تعدادها قانون الانتخابات. في الواقع ثبت للجميع ان القانون الانتخابي الذي أقر منذ حوالي الخمس سنوات يحمل في طيّاته العديد من الجوانب السيئة.

من الواضح ان خلفية اقراره تركزت يومها على مبدأ حماية الاحزاب والقوى السياسية اكثر منه لتأمين حسن التمثيل، وبالتالي اقفال الساحة البرلمانية امام اي وجوه جديدة قد تفكر بالوصول من دون اخذ “بركة” وموافقة اطراف الطبقة السياسية القائمة.

وعلى الرغم من حجم التحول الشعبي الهائل الذي تكرس منذ 17 تشرين 2019، وجنوح اللبنانيين بنسبة قاربت الـ 65% لإسقاط هذه الطبقة السياسية، إلا أن هذا الواقع وجد صعوبة في ترجمة نفسه اتخابياً كما يجب. وصحيح ان القوى السياسية تلاعبت واخترقت “مجموعات تشرين”، اضافة الى انانية مفرطة لدى بعض هؤلاء، لكن الصحيح ايضا ان القانون الانتخابي المعمول به شكل عائقاً اساسياً امام ترجمة ما تريده الغالبية الشعبية على المستوى الانتخابية.

وهو ما يعني وجوب ان يضع المجلس النيابي الجديد في اولى مهامه اعادة فتح ملف قانون الانتخابات لوضع قانون جديد او على الاقل ادراج تعديلات واسعة واساسية امام القانون المعمول به حالياً.

في المبدأ فإن العمل بمبدأ النسبية هو مسألة جيدة ومطلوبة، لكن التطبيق الوارد في القانون الحالي اتى سيئاً لا بل بالغ السوء خصوصا لناحيتين.

الاولى، وتتعلق بالحاصل الانتخابي المعتمد والذي يصح عليه وصفه بالحاصل المتحرك والمرتفع. ففي دائرة جزين على سبيل المثال، بلغ الحاصل حوالي العشرين بالمئة وهي نسبة مرتفعة جداً. أما في الدول التي تعتمد مبدأ النسبية فإن الحاصل هو اقل بكثير وهو ثابت وليس متحرك.

اما الثانية فتتعلق بالصوت التفضيلي الذي تحول في لبنان وبسبب تركيبته الطائفية والمذهبية الى صوت طائفي بامتياز. ولأن الدوائر الانتخابية هي بمعظمها دوائر مختلطة، أضحت الاغلبية من لون واحد والمتماسكة قادرة على التحكم بالمقاعد الاخرى كمثل دائرة بعبلبك – الهرمل او دائرة طرابلس. وبالتالي هذا ما ادى الى ضرب الاسباب الموجبة التي دعت للذهاب الى النسبية وعلى اساس صحة التمثيل. وما يصح اليوم على احدى الطوائف سيصح غدا على طوائف اخرى في حال تبدل الظروف.

ومن الفجوات السنية التي ظهرت ايضا ان كل قوة حزبية لديها مجموعة ثابتة من الناخبين تريد تشكيل لائحة تحت امرتها بهدف تأمين الحاصل لمرشحها والتمنع عن التعاون مع قوة اخرى لديها حجم مشابه لها لكي لا تخسر المقعد القادر على الفوز. وهذا ما فتح الباب امام الاكثار من اللوائح وفي الوقت نفسه ايجاد صعوبة بالغة في اكمال اللوائح بالمرشحين المنفردين الذين انحصرت مهمتهم بتأمين الحاصل من دون الدخول فعلياً في السباق الانتخابي. وهذا ادى عملياً الى انحدار مستوى المرشحين الذين يقبلون بإتمام هذا الدور.

وأجبر الشخصيات الكفوءة والتي يحتاج المجلس النيابي الى حضورها، على الانكفاء وهذا ما أثر بدوره على تمنع جزء من الناخبين عن المشاركة في الانتخابات، وسط سؤال تردد كثيراً في الآونة الاخيرة: “لا نعرف لمن يجب ان نقترع”.

وقيل ان بعض الاحزاب والقوى عمد الى تقديم “مخفرات” مالية لبعض المرشحين للقبول للانضمام الى اللائحة. وهنا يفتح باب التمويل المتفلت الذي ساد خلال الحملات فهذا القانون فتح الابواب على وسعه امام عامل المال. وثبت ان البند المتعلق بحساب الحملة الانتخابية هو كذبة كبيرة.

اما البند المتعلق بانتخاب المغتربين او المنتشرين فلا بد من اعادة صياغته وعلى اساس اقتراع هؤلاء للمقاعد الـ 128 وليس حصرهم في مقاعد مخصصة للاغتراب لأسباب عدة ابرزها ان اللبناني في الاساس يقترع في مكان ولادته وليس في مكان اقامته، وهو ما ينطبق ايضا على المغتربين. أضف الى ذلك ان اشراك هرلاء في المنافسة داخل لبنان سيقوي رابطهم اكثر مع وطنهم ويجعلهم اكثر مشاركة ومسؤولية خصوصا وان لبنان يتنفس اقتصادياً ومالياً من خلال تحويلاتهم المالية.

اما حصرهم بمقاعد خارجية، فهو سيساعد هؤلاء على الابتعاد اكثر فأكثر عن وطنهم. على ألا ننسى ايضا البند المتعلق بالهيئة المستقلة. وقد يكون الاجدر ان يعاد درس مشروع القانون القائم على النظام المختلط وهو المشروع المعروف بقانون فؤاد بطرس والذي يقوم على انتخاب 77 مقعداً على اساس دوائر اصغر من الحالية، و51 مقعداً على اساس النسبية وفق القضاء. وهو ما يجعل المجلس النيابي يجمع ما بين التمثيل الوطني وعلى مستوى الطوائف والمذاهب.

او ربما مشروع التصويت على اساس صوت واحد لكل ناخب مع اعادة درس الدوائر الانتخابية.

لكن الاكيد ان هذا القانون اثبت فشله وهو ما يهدد بأن يضعه بعيداً من قددرته في تمثيل الناس فعلياً وبالتالي على قيادتهم الفعلية.