IMLebanon

البرلمان اللبناني.. بري “السابق واللاحق” ونائبه “معركة على المنخار” بين بو صعب وسكاف

تنفرج، يوم الثلاثاء، أسارير ساعة برج الحميدية (1930) وسط ساحة النجمة في وسط بيروت، وتتراقص رفوفُ الحمام على مرمى عينٍ من المقاهي التي نفضت الغبار عن كراسيها. فها هو مبنى البرلمان الذي «إختفى» لنحو عامين خلف دشم الأسمنت وعوائق الحديد والأسلاك الشائكة خوفاً من قبضات إنتفاضة 17 أكتوبر (2019) فَتَحَ أبوابه والنوافذ على هواء جديد.

ثمة مشهد جديد يرتسمُ مع صبيحة الثلاثاء في وسط بيروت، الذي يفرك عينيه وكأنه يصحو للتو من إحتضار… لا جدران عزْلٍ ولا دشم مرفوعة في وجه الناس، بعدما نجحت الانتفاضة في الإنتقال من الشارع إلى داخل البرلمان في إنتخاباتِ 15 مايو عبر جمْهرةٍ من النواب الذين حملوا في أجسادهم آثار القمع والعنف والشدة وسيعلّقون على صدورهم رمزاً خشبياً صغيراً حُفرت عليه عبارة «لن ننسى ٤ اغسطس 2020»، الانفجار الهيروشيمي الذي دمّر نصف بيروت.

إنه يوم آخَر… مارة وصحافيون وباعة ورجال أمن وعدسات حول ساعة العبد المرفوعة فوق برج الحميدية والمرصّعة بـ«الرولكس» من جهاتها الأربع… نواب لــ «أول مرة» سيعبرون كأنهم في سياحة برلمانية، ونواب مخضرمون جاء فوزهم ربما بـ «طعْم الهزيمة».

وحده رئيس مجلس النواب «السابق واللاحق» نبيه بري دخل المبنى ذات يوم في 1992 شاباً واستمر على رأسه كهلاً (84 عاماً) وها هو يجدد ولاية سابعة من دون مُنافِس أو مُنازِع مهما كبرت سلة الأوراق البيض إعتراضاً على إمساكه بـ «المطرقة» من جديد.

معركة بري، في غروب العمر، معنوية أكثر مما هي سياسية، وترتبط بإمكان فوزه المضمون من الجولة الأولى أو من الثانية، وبأي عدد من الأصوات. إلا أن المعركة الأهمّ والأكثر تعبيراً عن التموضعات الجديدة في البرلمان ارتسمتْ بدايةً بين ثلاث شخصيات على موقع نيابة الرئيس في مجلسٍ على موعد مع إستحقاقين مفصليين: الحكومة الجديدة والإنتخابات الرئاسية.

الياس بو صعب، المرشح «الإضطراري» لـ«التيار الوطني الحر»، غسان سكاف، مرشح «القوى السيادية»، سجيع عطية، مرشح «وسطي»… ثلاثة كانوا مرشّحين بحظوظ متساوية خضعت ليلاً لمحاكاة دائمة وورشة إتصالات مفتوحة ومشاورات إستمرت حتى ساعات الفجر ولسان حال الجميع كان… غداً لناظره قريب.

ورغم أن «الراي» أجرت مروحة من الاتصالات مع نواب من كتل مختلفة في محاولة لـ«سبر أغوار» الموقف من المرشحين الثلاثة لموقع نائب الرئيس، فإن أحداً لم يشأ البوح بما تنطوي عليه توجهات ربع الساعة الأخير التي حملت مفاجأة انسحاب عطية لمصلحة سكاف الذي سعت الغالبية المركّبة ليكون «حصانها الوحيد» في السباق الى موقع الرجل الثاني في برلمان 2022 وتوحيد القوى خلفه بوجه بو صعب، باعتبار أن من شأن ذلك توفير ظروف خوض معركة متكافئة وتبديد الانطباع حول «الأكثرية المبعثرة» وتحويل هذا الاستحقاق «فرصة» لتحقيق فوز بنكهة إعلانِ «الغالبية الجديدة: نحن هنا».

وساد الليل الطويل حبْسُ أنفاسٍ، وسط معطيات متضاربة بعضها تحدّث عن توجه لدى كتلة بري للتصويت لبو صعب، وهو ما كان قبل ساعاتٍ «خارج البحث» ما دام التيار الحر رفض أن يمنح زعيم «أمل» أصواته أو ترْك الحرية للنواب في تكتله، الأمر الذي يعني بحال صحّ أن ثمة تفاهماً ما أُبرم برعاية «حزب الله» وأن مرشح التيار لنيابة الرئاسة ينطلق مما بين 57 و 60 صوتاً من 128، وهو ما جعل قوى الغالبية «المعلَّقة»، وفي مقدّمها «القوات اللبنانية» تضغط لتوحيد الصف والصوت حول سكاف لضمان فوزه في معركة قد تكون «على المنخار» وتترتب عليها نتائج سياسية تطاول أيضاً استحقاقات ما بعد اكتمال النصاب الدستوري للبرلمان، وخصوصاً ملفي الحكومة ثم رئاسة الجمهورية.

والنتيجة الأهمّ لـ «اليوم الماراتوني»، عشية انتخاب المطبخ التشريعي للبرلمان الجديد، هي أنه لأول مرة ومنذ أمد بعيد في لبنان يأخذ هذا الإستحقاق طابع المنافسة ومن دون نتائج معلّبة مسبقاً… وهكذا تغمض بيروت عينيْها فيما كان الليل يضجّ بالاتصالات التي سيتبيّن الخيط الأبيض من الأسود فيها، في نهارٍ ينتظر الجميع ما سيحمله من مفاجآت ترتبط بكتلة الأصوات التي ستنتخب بري وحجم الأوراق البيض التي تعارضه، وباسم نائبه الذي «يرمز» إلى التوازنات في البرلمان الجديد الذي يُخشى أن يكون قائماً على أقلياتٍ لا تصنع أكثرية إلا «وفق الحاجة»، إضافة إلى الكرّ والفرّ المرتقب في شأن هيئة مكتب المجلس واللجان البرلمانية.
https://www.alraimedia.com/article/1591962/خارجيات/تقارير-خاصة/البرلمان-اللبناني-بري-السابق-واللاحق-ونائبه-معركة-على-المنخار-بين-بو-صعب-وسكاف