IMLebanon

تشكيل الحكومة الجديدة: الجميع أمام الحائط

جاء في “الراي”:

لن تبدأ المشاورات السياسية الفعلية لتشكيل الحكومة الجديدة في لبنان قبل الانتهاء من إنجاز المطبخ التشريعي للبرلمان الوليد بانتخاب اللجان البرلمانية غد الثلثاء، وخصوصاً أن «معركة اللجان» تكتسب هي أيضاً أبعاداً سياسية في ضوء التركيبة الجديدة لمجلس النواب المحكوم بـ «ثلاث أقليات» أفضت تموّجاتُها في الاختبار الأول إلى تحكُّم الأقلية بالغالبية المفترَضة في انتخاب رئيس البرلمان نبيه بري ونائبه الياس بو صعب، وسط تَوازُنٍ سلبي وحاد تجلى في فوزهما بالنصف زائد واحد لا أكثر ولا أقلّ.

ومع اكتمال ورشة ترتيبات البيت الداخلي للبرلمان يوم الثلثاء، تطلق صفارة السباق نحو الحكومة الجديدة، رئيسها، طبيعتها، توازناتها، بيانها الوزاري وجدول أعمالها، وسط مجموعة من العوامل والمعطيات التي يأخذها المعنيون في الاعتبار. لكن المسرح السياسي لتشكيل الحكومة ليس فقط محلياً. فالكلام اللبناني المتداوَل أن ثمة تريثاً في تَلَمُّس اتجاهات المرحلة الحكومية، في ضوء انتظار تَبَلْوُر الموقف العربي بعد الانتخابات النيابية وما أسفرتْ عنه، وكذلك انتظار زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الرياض وما سينتج عنها، لا سيما أن تحرك العجلة الفرنسية قد يتأخر في ضوء انشغال باريس في انتخاباتها التشريعية، كما انتظار نتائج الاتصالات الأميركية – السعودية.

ويسعى لبنان في هذا الوقت إلى الالتزام بمجريات الوضع الداخلي وفق روزنامة الاستحقاقات. ويملك رئيس الجمهورية ميشال عون حق الدعوة إلى الاستشارات المُلْزِمة في قصر بعبدا، والاستماع إلى الكتل النيابية، والنواب المنتخَبين ولو لم ينتموا إلى كتل محدَّدة وواضحة. وليس ثمة ما يمنع حضور النواب إفرادياً إلى القصر الجمهوري لتسمية مرشحيهم إن لم يكونوا في كتلة.

لكن حق الدعوة يختلف تماماً عن الواقع الذي خبِره غالبية رؤساء الجمهورية، وعون واحد منهم، أي تفادي استعجال الدعوة للاستشارات ما لم تكن هناك ملامح اتفاق على اسم الرئيس الذي ستُناط به مهمة تشكيل الحكومة.

وتشير أوساط إلى أن حتى الرئيس بري، الذي لم يكن هناك مُنافِس له، دعا إلى جلسة انتخاب المطبخ التشريعي لمجلس النواب الجديد في نهاية المهلة التي ينصّ عليها النظام الداخلي (15 يوماً بعد انتهاء ولاية البرلمان)، فكيف بتسمية رئيس الحكومة المكلف حيث التوافق المسبق على اسمه قد يستغرق وقتاً، في ضوء الخلاف حول هوية الحكومة الجديدة وتوازناتها، والتكتلات السياسية المتعارضة والتي عززت انقسامَها نتائجُ الإنتخابات ما يمنع اتفاقها على اسم واحد، في وقت يفترض التنبه إلى أن لا مهلة تفرض على عون الدعوة إلى الاستشارات وهذا ما تَسَبَّبَ سابقاً بإشكالات مع المُدافِعين عن موقع الرئاسة الثالثة. إلا ان التوقيت المرتبط باقتراب نهاية العهد والخشية من الفراغ الرئاسي، وتَراكُم المشكلات الاقتصادية والمالية والحاجة إلى استكمال التفاوض مع صندوق النقد يفترض قيام حكومة في أسرع وقت، وعدم انتظار التوافق المسبق.

ورأت أوساطٌ واسعة الاطلاع أن التوافقَ على اسم الرئيس المكلف سيكون نتيجة الاتفاق على نوعية الحكومة. فالقوى المُعارِضة كـ «القوات اللبنانية» و«الكتائب» والمستقلّين يرفضون حكومة وحدة وطنية. وسبق لهذه القوى ان نادت إما بحكومة أكثرية أو أقلية.

وقالت هذه الأوساط لـ «الراي» إنه في ضوء ما حصل في البرلمان وسيطرة «الأقلية» على المجلس، فإن المعارضةَ أصبحت أمام خيارات أكثر حدة في اختيار نوع الحكومة التي يصرّ «حزب الله» والرئيس نبيه بري عليها. واختيار طبيعة الحكومة يسبق اختيارَ اسم الرئيس المكلف، والإجماع عليه آنذاك يصبح مستحيلاً، ولا يبدو انه سيحصل في ضوء خريطة المجلس الجديدة والتي كرّستْها انتخابات بري وبو صعب. فالموالاة تمكنت من الحصول على أصوات 65 نائباً ليسوا هم أنفسهم الذين صوّتوا لـ«بري» ولـ«بو صعب». والمعارضة تمكنت من تحقيق رقم مواز تقريباً، وسط انقسام الرأي فيها بين المرشح غسان سكاف والأوراق البيض وتَسَرُّب أصوات مستقلين وصبها لدى بو صعب.

لكن اعتبارات رئاسة الحكومة مختلفة. فالقوى التغييرية تنادي منذ أن ترشحت للانتخابات بقيام حكومة إصلاحية، ووفق ذلك لا يمكن ان تتفق مع المعارضة على المواصفات نفسها للرئيس المكلف. وإذا كانت هذه القوى صوتت على مضض في الدورة الثانية للنائب غسان سكاف مرشح المعارضة والذي لم يكن مرشحها، إلا أنها في تشكيل الحكومة يمكن ان تطرح مرشحها على القوى المعارضة الأخرى. وهي تريد خوض معركة نظيفة لرئاسة الحكومة، بعد السجالات التي طالت أداءها في معركة نيابة رئيس البرلمان، وتالياً ستكون متأنية في اختيار إسم الرئيس المكلف والتنسيق مع القوى المستقلة التي ترتبط بعلاقة سابقة مع عدد من النواب التغييريين. وهي بدأت بالتداول في بعض الأسماء القابلة للاتفاق عليها.

تنقسم المعارضة ثلاثة أقسام، التغييريون والمستقلون والقوى الحزبية كـ«القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي و«الكتائب». وإذا كانت مصالح هؤلاء التقت في ترشيح غسان سكاف، إلا إنها قد لا تلتقي في معركة رئاسة الحكومة. فالاشتراكي صوّت لبري على أساس انه «صمام أمان»، والأرجح أنه لن يختلف هذه المرة معه كذلك في اختيار مرشح توافقي كالرئيس نجيب ميقاتي، الذي ارتفعت أسهمه في الأيام الأخيرة. علماً أن الاشتراكي تَمَثَّلَ في حكومة ميقاتي الحالية وتربطه علاقة جيدة مع الأخير الذي شارك معه في الحكومة التي تلت الإطاحة بالرئيس سعد الحريري في كانون الثاني 2011. ومن جهتها، لا تريد «القوات اللبنانية» خوض معركة خاسرة، بتسمية مرشح لا تُوافِق عليه كل قوى المعارضة، لا بل ستكرّر السيناريو نفسه في السعي إلى التنسيق مع المستقلين والقوى التغييرية والاشتراكي والكتائب من أجل الاتفاق على إسم واحد لطرحه.

في المقابل فإن الكرة في ملعب بري و«حزب الله». فإذا تُرك الخيار لـ «التيار الوطني الحر» برئاسة النائب جبران باسيل فإنه حُكْماً ينحاز إلى حكومة سياسية من لون واحد ولا يفضّل ميقاتي لها، وله مرشحه منذ أن اعتذر الحريري في المرة الأخيرة عن تشكيل الحكومة. لكن «حزب الله» وبري متريثان في مجاراة حليفهما في تشكيل حكومة تُعتبر تحدياً للقوى المعارضة. وسبق للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ان دعا قبل الإنتخابات النيابية إلى تشكيل حكومة وطنية بمشاركة كل الأطراف، وثمة مناخاتٌ بأن الحزب يريد اقتياد الجميع الى الحكومة، وهو لا يتعاطى في هذا الاستحقاق على أنه «المايسترو» بل جزء من اللعبة، ويترك للآخرين كشْف أوراقهم وتحديد خياراتهم قبل أن يُبنى على الشيء مقتضاه.

وبقدر ما يتريّث «حزب الله» وبري في الإلتقاء مع «التيار الوطني الحر» في تشكيل حكومة أحادية، فإن استحقاقات نهاية العهد تفرض عليهما درس الخيارات بروية، لأن أي خطوة غير مدروسة لن يكون من السهل استيعاب ردات الفعل عليها، في تخطي نتائج الانتخابات من باب التحدي. فما حصل مع انتخاب «قيادة» البرلمان كان وليد «خليط» من عملية اقتراع وحسابات منطقية، وأخطاء من جانب المعارضة وتشتُّت أصوات المستقلين. لكن تسمية رئيس حكومة من جانب الموالاة، ومن خارج السياق العام سيحتم على المعارضة التعامل معها بحكمة ودرس كل صوت يصب في مصلحة الرئيس المكلف.