IMLebanon

هذه حكومة “إيسكال”.. فاتركوها للميقاتي!

كتب عبد الغني طليس  في “الجمهورية”:

عندما يقع أيّ إنسان في أول تجربة حب، ويفشل في علاقته، هل نحكم على الحب نفسه أنه فاشل، أم نقول إنها تجربة فاشلة؟

أو حين نحصل على إجازة سَوْق، ونقود السيارة فنقع في اصطدام مع سيارة أخرى، فهل نحكم أن السواقة أساساً خطأ، أم نحكم على الإصطدام في حد ذاته؟

هذا ما يجري اليوم، فما إن يؤتى على ذكْر حكومة الإختصاصيين، حتى يقال فوراً «جرّبناها مع الرئيس حسّان دياب وكانت بَهدلة» من دون أن نكلّف خاطرنا ونبحث في الظروف الموضوعية التي أحاطت بحكومة دياب، وفكّي الكماشة التي نهشتها: الأحزاب السياسية التي لم تُرِد لها أن تبدأ قبل أن تُكمل، والشارع الذي كان في ذروة شعاراته العدائية تجاه كل شيء ينتمي الى السياسة في البلد.

وإذا كانت أحزاب لبنان مستعدّة للدفاع عن الحكومات السياسية التي شاركَت فيها وخربت الدنيا من الآن الى يوم القيامة في معرض دفاعها عن نفسها، فإنّ أحداً من السياسيين أو الإعلاميين ليس مستعداً ليعطي أي اسباب تخفيفية لحكومة دياب من أي نوع كانت!

إن التهمة الجاهزة لدى الإعلاميين عن حكومة الإختصاصيين أنّ الوزراء فيها، مع مناقشة أي مشكلة جدية في أي جلسة حكومية، يتّصلون بمرجعياتهم السياسية التي عَيّنتهم أصلاً لسؤالها رأيها في المشكلة… وليست لديهم المرونة ولا الصلاحية ولا الجرأة على اتخاذ الموقف المناسب منها!

لكنّ هؤلاء الإعلاميين يَتعامون عن الحقيقة القاتلة التي تقول إن الوزير الحزبي (قبل الاختصاصي) هو أيضاً لا يجرؤ على اتخاذ قرار في مسألة معينة من دون التواصل مع مرجعيته. فلماذا إذاً حصر هذه التهمة بالإختصاصيين ونَفيها عن الحزبيين مع أن هؤلاء الحزبيّين مُكبلون من البداية الى النهاية برأي المرجعية التي سمّتهم للوزارة، وقبل الوزارة وبعدَها؟!

التهمة الأخرى التي يسوقها الاعلاميون والسياسيون معاً حول ضرورة الإبتعاد عن حكومة الإختصاصيين هي فشل تجربة وحيدة ويتيمة هي حكومة دياب «الإختصاصية»… فهل كل حكومة اختصاصيين في المطلق مُلزَمة بالنتيجة التي آلت اليها تجربة دياب، أم أن الواقع يقول انه إذا آمنَ السياسيون بإنجاح تجربة الإختصاصيين، ودعموها بالفعل لا بالكلام، وآزروا وزراءها بالتسهيل، فيمكنها النجاح؟

والمشكلة البارزة هنا، أنه حتى الوزراء الذين كانوا ناجحين في حكومة الإختصاصيين، يؤخَذون بالمنطق الذي يسوّق لفشلهم مع أنّ بعضهم يكون قد أبلى بلاء حسناً.

وإذا كانت الأحزاب مستعدّة لقلبِ الأبيضَ أسوَدَ، والأسوَد أبيضَ دفاعاً عن «عناصرها» في أي حكومة، فإنها غير مستعدة للدفاع عن أي تجربة مضيئة حقاً لوزير اختصاصي، وكل ذلك ليعطي الوزير الحزبي أفضلية لنفسه على أهل الإختصاص، وأنه أعلى كعباً منهم وأعرَضُ أكتافاً!

صحيح أن النواب الذين فازوا في الإنتخابات هم جميعاً ابناء قانون انتخابي واحد، وكلهم أيّدتهم فئات كبيرة من المجتمع اللبناني، وكلّهم نوابٌ سواسية كأسنان المشط في الإعتبار الوطني، لكن الصورة القاتمة لا تزال تخيّم على اسماء كُثرٍ منهم عند اللبنانيين بناء على تجارب سابقة أو على مواقف معينة، أو أحياناً على ضخّ إعلامي فاسق هَشّم حضورهم، ومن الأفضل أن يستمرّ غيابهم عن الواجهة الوزارية إفساحاً في المجال أمام وجوه جديدة قد تكون من رفاق هؤلاء في الفريق نفسه أو الكتلة النيابية التي تجمعهم!

ولوّ خُيّر اللبناني، المواطن العادي بين حكومة سياسية من النواب، أو حكومة اختصاص، اليوم، لَما تردّد لحظة في الانحياز إلى أهل الإختصاص.. وأهل الاختصاص موجودون في كل المجتمع والأحزاب والأطراف، وليسوا بالضرورة خصوماً للسياسيين، بل قد يكونون أصدقاءهم، خصوصاً أن الإختصاصي غير القريب من خط سياسي هو من صنف الديناصورات المنقرضة، لأنّ لبنان كله يعرف، أنّ التجاء الإختصاصيين إلى كنف الزعماء يقوّيهم في المهن التي يحترفونها، ويعزّز فرصهم في مراكز عالية في الدولة حين يأتي الوقت: هذه هي القاعدة الثابتة رغم وجود حالات استثنائية أحياناً!

وعلى رغم من أن فريقاً سياسياً بارزاً قد قال في خطابات «النصر» الإنتخابية: «باي باي لحكومات التكنوقراط»، بغيَة تأكيد رجوعه الى قاعدة التمثيل الشعبي والتشديد على هواه السياسي في الحكومات، فإن أفكار غالبية مناصريه قد تميل الى حكومة تكنوقراط في هذه المرحلة، لا تحمل الأحقاد التي يحملها الحزبي عادة، ولو مرغماً نتيجة الحَقن الدائم.

ويعتقد كثُر أنه لو يُسأل الشعب اللبناني اليوم، عما يفضّل أن يكون عدد الوزراء في حكومة جديدة لأجاب: عشرة… أرغفة! بالطريقة التي يُسأل فيها الجائع عن اثنين زائد اثنين فيجيب فوراً: أربعة… أرغفة!

إن الحكومة المقبلة القصيرة الأجل، المحدودة الأفق، لا تستأهلُ الخوض في التسمية المبهَمة لرئيسها حتى الآن، ولا في التشكيلة التي دونها «نوم» طويل في المماحكات، ولا في البحث عن انسجام عاجل بين وزراء يشبه وضعُهم «الإيسكال» بين طائرة وطائرة.. والأفضل في هذه الحال إيجاد مخرج دستوري (ولا أسهل منهُ عندما يتوافقون!) للحكومة الحالية المرتبطة باتفاقات وأوضاع هي أدرى بها، فضلاً عما لرئيسها نجيب ميقاتي من حَيثية عربية ودولية، وقبل ذلك داخلية.

أما ما يسمّيه البعض عقبة في عدم تمثيل النواب الجدُد في الحكومة إذا رغبوا في ذلك، فالأمثل لهم هو انتظار حكومة ما بعد نهاية عهد الرئيس عون، وبداية عهد جديد في البلاد، فيحَصِّلون شيئاً من المعرفة والتجربة والمراس، قبل دخولهم أي تجربة وزارية.

إن الإنتقام السياسي عبر «الفركشة» من هنا أو هناك لا يجدي نفعاً، أمام واقع مُهترىء اقتصادياً وسياسياً ومالياً واجتماعياً وتربوياً ونقابياً وهَلُمّ جرّا، وقد كدنا نصبح خارج المجرّة!

رَمّموا، إذا أردتم حكومة الميقاتي ببعض اللمسات الضرورية المناسِبة، ثم عوّموها، فهي لن تستطيع ان تُعوّمَنا، ولا أن تُعوّم البلد، لكنها قد تخفّف من غلاظة المبرَد الذي يَلحَسه اللبنانيون وهم يعتقدون أنهم لن يروا دماءهم التي تجري تحت.. الدولار !