IMLebanon

ورشة عمل عن تعزيز مفاهيم حقوق الإنسان في المحاكم الدينية

أقامت المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم (LFPCP) والمركز النرويجي لحقوق الإنسان – جامعة أوسلو، ورشة العمل الختامية لمشروع “تعزيز مفاهيم حقوق الإنسان في المحاكم الدينية اللبنانية”، وذلك يوم الجمعة 1 تموز 2022 في بيت المحامي في بيروت.

حضر ورشة العمل نقيب المحامين ناضر كاسبار، النائب جورج عقيص، ممثل عن السفارة النرويجية، ممثل عن المركز النرويجي لحقوق الإنسان، قضاة وخبراء قانونيين ورجال دين من كل الطوائف التي تناولتها الدراسة التي أُعدت، إضافة الى ممثلين عن منظمات المجتمع المدني.

افتتح ورشة العمل مدير المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم المحامي ربيع قيس الذي رحّب بالحضور عارض الهدف من المشروع وشاكرًا كل من تعاون من المحاكم الروحية والقضاة على إنجاح هذا المشروع.

كلمة المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم القاها رئيسها البروفيسور أنطوان مسرّة الذي تحدّث عن الوضع القانوني للأحوال الشخصية في لبنان مشيرًا الى أن هذا الموضوع يُطرح للمرة الأولى بهذا الشكل في لبنان وهو مهم ومن الضروري أن يُعالج، عارضًا بعض خبراته في مجال الأحوال الشخصية خصوصًا في المجلس الدستوري.

كلمة السفارة النرويجية في لبنان القاها الاستاذ سفن ماريوس، الذي تحدّث عن موضوع ورشة العمل واهميته لما يطور الأحوال الشخصية والحقوق المدنية في لبنان بهدف الوصول الى عدالة اجتماعية أكبر ومساواة بين المواطنين اللبنانيين.

كلمة المركز النرويجي لحقوق الإنسان القتها جولي فيكر آنينسين، التي عرّفت عن عمل المركز والمواضيع التي يعمل عليها من حقوق الانسان الى سيادة القانون، حرية المعتقد وغيرها من الحريات وتعزيزها.

آنينسين عددت البلدان التي عمل فيها المركز النرويجي خصوصًا في شرق آسيا، مشيرة الى أن الهدف اليوم هو التوسع واضافة بلدان أخرى منها لبنان والأردن في منطقة الشرق الأوسط على أمل توسيع عملهم أكبر بالشراكة مع المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم.

وأضافت: “لفتت المحاكم الدينية في لبنان انتباهنا منذ فترة طويلة بالتزامن مع عملنا على المحاكم المدنية في اندونيسيا، طرحنا عدة أسئلة عن حقوق الانسان في هذه المحاكم، وعلى أساسها كيف يمكننا ان نطور عمل هذه المحاكم”.

وتابعت: “تابعت التقارير التي أُعِدّت في هذه المناسبة ويبدو أننا قادرون على تطوير مشروعنا والعمل في الفترة المقبلة على ترجمته على الأرض”.

النائب جورج عقيص، عضو لجنة الادارة والعدل النيابية، أشار الى أن “لقاؤنا اليوم يطرح إشكالية التضارب بين التعددية والمساواة، إذا كانت التعددية تقود الى اللامساواة، فهل يمكن بتأمين المساواة أن نضمن معها التعددية؟”، وأضاف: “هذا التحدي يستحق الجهد والسعي بكل موضوعية وجرأة وانفتاح على جميع الآراء”.

عقيص تحدث عن “تقرير صادر عن منظمة “هيومن رايتس وتش” العالمية الذي حمل عنوانًا صادمًا يختصر الكثير من النقاش الذي سيجري في ورشة العمل وهو “لا حماية ولا مساواة في حقوق المرأة في الأحوال الشخصية في لبنان”، وقال: “ضمّت “هيومن رايتس وتش” في تقرير عدة توصيات بالغة الأهمية أبرزها: العمل على اصلاح شامل لقوانين الأحوال الشخصية، إطلاق عملية تشاركية لتفعيل قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية يخلو من التمييز على أساس الديانة او النوع الجنسي، وغيرها من التوصيات”.

وأشار الى أن هذه التوصيات إذا لم تكن جميعها قابلة للتنفيذ اليوم إلّا أنها حتمًا قابلة للنقاش الهادئ والرصين، مضيفًا: “مقاربة حقوق الانسان في المحاكم الدينية أمر جيد ويجب درسه في جميع أنواع القضاء في لبنان، لأن حقوق الانسان لا تفترض التمييز بين الهيئات القضائية والقانونية، ولكن السؤال هنا ما هو موقع القوانين الدينية في هرمية القوانين التي يدب أن تكون تحت الأحكام الدستورية وتحت المعاهدات الدولية، مشيرًا الى أن لبنان منضم الى عدة اتفاقيات دولية تتعلق بحقوق المرأة والطفل، وبالتالي علينا الاتفاق على جواب “أين موقع القوانين الدينية”، وبالتالي يمكننا الانطلاق من هناك الى تنظيم هذه الحقوق.

عقيص اعتبر أنه “يجب أن يُقر قانون يُشرع زواج المدني الاختياري لإعطاء فُسحة حرّية وحق للأشخاص التي تريد ان تتزوج وفق القوانين المدنية، فأنا حرّ أن أعتقد أن القانون المدني يحمي العلاقة بين الزوجين”.

المشرف على المحاكم المارونية المطران حنا علوان لفت في كلمته الى أن “الطوائف الكاثوليكية في لبنان تُطبق القوانين الصادرة من الفاتيكان بعد دراسات معمّقة في أبرز جامعات العالم”، مشيرًا الى أن “هناك صلاحية تشريع وإصدار احكام في لبنان وهو أمر لم يمس به أحد بتاريخ الدولة اللبنانية، ودائمًا ما نبدي رأينا بأي مشروع مطروح في مجلس النواب ولكن غالبًا ما يتم البحث بالموضوع بشكل أولي ويختفي لاحقًا”.

وتابع: “احترام التعددية الدينية والحقوقية أمر جيد في بلدنا، ولكن علينا تطويرها للوصول الى حلول لا تخرجنا عن ايماننا وعن هويتنا واحترامنا لدستورنا”، مؤكدًا أن “هناك خلل قانوني تم اكتشافه بالتطبيق على الأرض، مثلًا موضوع الانتقال من ديانة الى أخرى للحصول على الطلاق أو حتى الزواج ما يُشكل أحيانًا فوضى بالمعالجة ودخول القوانين فيما بينها”.

وشدد المطران علوان على ضرورة “الاتفاق بين المشرعين والمحاكم الدينية للتسهيل على المواطن حياته، نحن مع حرية اختيار الدين، ولكن أن يغير دينه فقط للحصول على الطلاق فهذا احتيال على القانون”.

ولفت الى أن “هناك خطوات متقدمة بموضوع حقوق الانسان وقمنا بخطوات إصلاحية متقدمّة بهذا الشأن، معددًا المكاتب الموجودة بالمحكمة الروحية لدى المحاكم المارونية”، مشيرًا الى أن “هناك مشكلة مع محاكم حماية الاحداث والصلاحيات التي تتمتع بها، مطالبًا بإعادة النظر بصلاحيات هذه المحاكم والاتفاق بينها وبين المحاكم الروحية”.

رئيس محكمة الاستئناف الدرزية العليا الشيخ فيصل نصرالدين، شدد على أن “حقوق الانسان هي حقوق لكل مواطن على حد سواء نساءً ورجالًا واطفالًا، كرسّها الدستور ونص عليها القانون وحماها من خلال نصوص قانونية ومعاهدات وشرائع ومواثيق دولية اقرتها الأمم المتحدة والأنظمة الدولية ووقعت عليها الدولة اللبنانية”.

وتابع: “علينا أن نستمر في مواكبة تطور العلم والقانون والانضمام الى الشرائع الدولية وتطبيقها في لبنان بما لا يتناقض مع التعاليم الدينية والمفاهيم الاجتماعية التي تحافظ على الاخلاق والآداب العامة”.

واعتبر ان “وجود المحاكم الروحية في لبنان لا يحول دون تطبيق وتعزيز مفاهيم حقوق الانسان لدى هذه المحاكم من خلال تطوير مفهوم العدالة وفرض تطبيق القانون على الجميع دون تمييز بين مواطن وآخر ورفع الظلم والتسلط من فريق على آخر وخاصة من الرجال على النساء، حتى في حماية الطفل وتأمين حق الحضانة في عهدة والدته حتى بلوغه سنًا يُمكنه من الاهتمام بنفسه”.

وتحدث الشيخ نصرالدين عن المحاكم المذهبية لطائفة الموحدين الدروز التي تعمل وفق قانون للأحوال الشخصية صادر عن مجلس النواب اللبناني وقد أُدخل عليه بعض التعديلات آخرها عام 2017 بما يتلاءم مع تطور العصر والظروف.

رئيس المحكمة الاستئنافية الأرثودوكسية المطران انطونيوس الصوري، أشار الى أن “قانون الأحوال الشخصيّة في الكنيسة الأرثوذكسيّة المعتمد حاليًّا، هو من المجمع الأنطاكي المقدَّس، بعد إدخال تعديلات على القانون الذي سبقه للاستفادة مع التطوّرات العلميّة والاجتهادات القانونيّة بما يؤمن عدالة أفضل للمتخاصمين وأصحاب الحقوق، وتطبيقه أوجد بعض القواعد الاجتهاديّة التي بات استعمالها ثابتًا ومستمرًّا في الأحكام المتعاقبة، كما تبيّن وجود بعض المواد غير المنتجة أو غير الواضحة، ما استدعى تكليف لجنة لإعادة دراسة هذا القانون وتطويره بما يتماشى مع التطوّرات الاجتماعيّة والعلميّة الحاصلة، وذلك مع المحافظة على روحيّة سرّ الزواج المقدّس”.

الصوري تحدث عن عمل اللجنة في دراسة مواد القانون وإدخال بعض التعديلات التي وجدتها ضروريّة ومؤاتية ومتوافقة مع روحيّة النصّ القانونيّ والنظام العام والآداب العامّة وتعاليم الكنيسة الأنطاكيّة الأرثوذكسيّة المقدّسة مع مراعاة للشرائع المحلّيّة والدوليّة.

نقيب المحامين في بيروت ناضر كسبار أشار في كلمته الى أن “الأحوال الشخصية تعني الانسان في حياته اليومية والعائلة والأطفال والمجتمع، هي متعلقة بحقوق الشخص الطبيعي بحالته وأهليته، وما يتصل بها من حقوق أو واجبات مادية هو الأثر الثانوي غير الأساسي”.

وأضاف: “ضمانة أنظمة الأحوال الشخصية في لبنان للحريات والمساواة والإدارة الديمقراطية للتعددية الدينية والثقافية تصطدم بتناقض هذه الأنظمة مع الحداثة ورفضهم للتطوير انسجامًا مع المعايير العامة في الديمقراطية وحقوق الانسان، والمشكلة غالبًا ليست في القانون بل في التطبيق”.

وتابع كسبار: “أنظمة الأحوال الشخصية الطائفية تشكل انتهاكات متعددة لحقوق الإنسان، فهي لا تؤمّن المساواة بين المواطنين أمام القانون، ولا تحترم المعايير الدولية للقضاء العادل لأن مرجعها القضاء الخاص والاستثنائي، ولا تحترم حرية الاعتقاد المطلقة، ولا الحق في الحياة وكرامة وسلطة الإنسان على جسده، “مؤكدًا على ضرورة الاطلاع على نص الدستور اللبناني، وعدم الانجراف في سجالات الخطاب السائد، في سبيل تبيان مكمن الخروقات وتحديد مكمن السببية، لحماية الانسان وهو أساس وجودنا وعملنا”.

وبعد الجلسة الأولى، عُرضت التقارير من قبل قضاة المحاكم الدينية والخبراء القانونيين والمحامين، التي تناولت هيكلية كل محكمة، الممارسات الحالية بما يتعلق بمعايير حقوق الإنسان، بالإضافة إلى المشاكل التي يواجهونها ضمن كلّ محكمة والاقتراحات لمعالجتها.

يُذكر أن المحاكم التي طالتها الدراسة هي المحاكم الكاثوليكية، المحاكم المارونية، المحاكم الأرثودوكسي، المحاكم الدرزية، المحاكم الجعفرية والمحاكم السنية.