IMLebanon

هل تنطبق مواصفات الراعي على مرشحي الرئاسة؟

كتب  محمد شقير في الشرق الأوسط:

انشغل الوسط السياسي في البحث عن تفسير للمواصفات التي حددها البطريرك الماروني بشارة الراعي لرئيس الجمهورية الجديد والتي تفترض فيه بأن يكون حياديا ويترفع عن الاصطفافات السياسية ويتمتع بالخبرة والكفاءة، وأن يكون موضع ثقة اللبنانيين، وأن لا ينتمي إلى محور معين له امتداداته الخارجية، وسأل عن المرشحين الذين لا تنطبق عليهم هذه المواصفات، وما إذا كان المقصود بهم «الفرسان الثلاثة» أي رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وزعيمي «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وتيار «المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية كونهم يقفون حالياً على رأس السباق إلى رئاسة الجمهورية.

ومع أن مصادر مقربة من الراعي تمتنع عن الدخول كطرف في الإجابة على سؤال يتعلق بالمرشحين المستفيدين من المواصفات التي حددها والآخرين ممن لا تنطبق عليهم هذه المواصفات، مكتفية بالقول لـ«الشرق الأوسط» بأن ما يهم رأس الكنيسة المارونية إعطاء الأولوية لانتخاب رئيس جمهورية جديد ضمن المهلة الزمنية المحددة في الدستور لانتخابه، وهذا ما يفسر إصرار الراعي على دعوة المجلس النيابي للانعقاد فور سريان مفعول المهلة الدستورية في الأول من أيلول المقبل، فإن مصادر قيادية في قوى «14 آذار» سابقاً تسأل ما إذا كان جعجع في عداد المرشحين الذين لا تنطبق عليهم المواصفات. وتلفت المصادر القيادية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن جعجع وإن كان يعتبر في عداد المرشحين الطبيعيين لرئاسة الجمهورية وأن ليس هناك من يعيق ترشحه، فإن موازين القوى داخل البرلمان لا تسمح بوصوله، وبالتالي فإن المواصفات لا تنطبق على باسيل وفرنجية وإن كان حليفه اللدود أي زعيم «المردة» يتقدم على باسيل الذي باتت حظوظه الرئاسية شبه معدومة حتى داخل الكتل الحليفة له.

وتؤكد بأن فرنجية وإن كان يتقدم على باسيل الذي يفتقد إلى دعم رئيس المجلس النيابي نبيه بري، فإن القوى الداعمة له لا تستطيع حتى الساعة سوى تأمين تأييده من 61 نائباً فيما يحتاج إلى 65 نائباً في دورات الانتخاب التي تلي الدورة الأولى التي لا تنعقد إلا بمشاركة أكثرية ثلثي أعضاء البرلمان في الجلسة، على أن تنسحب هذه الأكثرية على انتخاب رئيس الجمهورية العتيد.
وتستبعد أن ينسحب التجديد لبري بولاية رئاسية سابعة بأكثرية 65 نائباً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى نائبه إلياس بوصعب على فرنجية إلا في حال أن القوى الداعمة له تمكنت من إقناع أربعة نواب أو أكثر بالانضمام إلى مؤيدي فرنجية، وهذا ما يستدعي منذ الآن التحرك لتوحيد النواب المنتمين إلى المعارضة ومن بينهم المحسوبون على القوى التغييرية في جبهة واحدة تمنع خصومها من تسجيل اختراق لمصلحة زعيم «المردة».

وتكشف المصادر نفسها إلى أن قوى المعارضة باشرت تحركها في محاولة لتوحيد صفوفها، وتقول بأن المشاورات تجري حالياً بعيداً عن الأضواء بين الكتل النيابية المنتمية إلى «اللقاء الديمقراطي» وكتلة «الجمهورية القوية» وحزب «الكتائب» والمستقلين وعلى رأسهم النواب المنتمون إلى القوى التغييرية برغم أن معظمهم كانوا لمحوا إلى أنهم يدرسون ترشيح شخصية مارونية لرئاسة الجمهورية من خارج الاصطفاف السياسي التقليدي.

وتقول بأن النائب جورج عدوان يتواصل بالنيابة عن كتلة «الجمهورية القوية» مع رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل في محاولة لإرساء تفاهم يدفع باتجاه توحيد قوى المعارضة، فيما المشاورات لم تُقطع بين حزبي «التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية»، وإن كان تمايزهما في انتخاب رئيس البرلمان لن ينسحب على الانتخابات الرئاسية التي تتطلب منهما خوض معركة مشتركة تقضي بقطع الطريق على فرنجية وحلفائه بتأمين تأييده بالأكثرية المطلوبة في دورة الانتخاب الثانية إلا إذا تعذر انعقادها إفساحاً في المجال أمام البحث عن مرشح تسوية لرئاسة الجمهورية يتناغم والمواصفات التي حددها الراعي.

أما على المقلب الآخر فإن اللقاء الذي عُقد بين باسيل والنائب فريد هيكل الخازن يبقى في حدود مواصلة تنقية الأجواء بين تيار «المردة» و«التيار الوطني الحر» وكسر الجليد بين باسيل وفرنجية في أعقاب اللقاء الذي جمعهما بعد طول فراق برعاية الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله.

وفي هذا السياق، تقول مصادر مقربة من قوى 8 آذار في ضوء قرار الرئيس بري بوجوب التموضع في الوسط بأنه من غير الجائز التعاطي مع لقاء باسيل – الخازن على أنه يأتي في سياق مواصلة تفكيك الاشتباك السياسي بين فرنجية وباسيل وصولاً إلى توحيد الموقف حيال المعركة الرئاسية، وتعزو السبب إلى أن الملف الرئاسي كان ولا يزال بعهدة نصر الله الذي يعمل على تدوير الزوايا استعداداً لخوض المعركة وإن كان فرنجية لا يزال يعتبر الأوفر حظاً.

وتؤكد بأن لقاء باسيل – الخازن لن يقدم أو يؤخر لأن كلمة السر في خصوص المعركة الرئاسية محصورة بنصر الله بالتشاور مع بري، وتضيف بأن الخازن يتحسب منذ الآن لاحتمال تعذر التوافق على فرنجية ويطرح نفسه كمرشح يقف في منتصف الطريق بين «المردة» و«التيار الوطني».

لذلك يبقى من السابق لأوانه انتقال القوى الحليفة لفرنجية من دائرة التشاور إلى مرحلة التقدم بمرشح لخوض المعركة الرئاسية، وهذا ما يفسر بقاء بري في موقع المراقب بغياب التواصل بين الكتل النيابية، وهو ينصرف حالياً كما علمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية بارزة إلى تحضير الأجواء لعقد جلسة نيابية تشريعية قبل العشرين من الشهر الحالي، وهذا يستدعي بأن تتحول اللجان النيابية المشتركة إلى ورشة تشريعية مع انقضاء عطلة عيد الأضحى. ويتوقف جدول أعمال الجلسة على ما ستنجزه اللجان النيابية من مشاريع واقتراحات قوانين ذات صلة بالاستجابة لدفتر الشروط الذي وضعه صندوق النقد الدولي للدخول في المفاوضات التي تسمع بالانتقال بلبنان إلى مرحلة التعافي، خصوصا أن المجتمع الدولي يربط فتح المساعدات بإقرار الرزمة الإصلاحية المطلوبة من الحكومة، علما بأن الجلسة ستعقد بصرف النظر عن مصير الاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة والتي ما زالت متعثرة.

وفي المقابل فإن الراعي وإن كان توخى من المواصفات التي رسمها لرئيس الجمهورية الجديد العودة بالعلاقات اللبنانية العربية والدولية إلى بر الأمان وإخراجها من التأزم الذي تسبب به الرئيس ميشال عون بتوفيره الغطاء السياسي لـ«حزب الله»، فهو في المقابل نأى بنفسه عن الدخول بأسماء المرشحين الذي يتمتعون بهذه المواصفات على الأقل في المدى المنظور.

لذلك يبقى من السابق لأوانه الانتقال بالملف الرئاسي من التشاور إلى غربلة أسماء المرشحين لأنه لا يمكن تحييد المعركة الرئاسية عن التطورات الجارية في المنطقة. فالتفاهم الدولي والإقليمي يمكن أن يؤدي إلى إعادة خلط الأوراق الرئاسية باتجاه أن تقع القرعة على انتخاب رئيس وسطي، في حال أن إيران تعاطت بإيجابية وأيقنت بأن لا مجال لانتخاب رئيس بمواصفات الرئيس الحالي الذي كان وراء تدهور علاقات لبنان بالدول العربية وتسريع انهياره.